شعار قسم مدونات

بعد مقتل خاشقجي.. ثلاثة سيناريوهات بانتظار بن سلمان

BLOGS بن سلمان

أسفر مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، عن أخطر أزمة دولية واجهتها المملكة العربية السعودية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. تسببت عملية الاغتيال السياسي هذه بصفة خاصة بضرر شديد، ليس فقط بسبب الطريقة المروعة التي نفذت بها، ولكن أيضًا لأنها حدثت في وقت كانت فيه فكرة "إصلاح" المملكة العربية السعودية تكتسب زخمًا قويًا حول العالم.

  

يواجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان -بغض النظر عن كونه لا يقهر، كما بدا في السنوات الثلاث الماضية أو نحو ذلك- الآن ضغوطًا على عدة جبهات ومن قبل بعض الجهات التي تكافح من أجل بقائه السياسي. تعرضت سمعة ولي العهد على الصعيد الدولي إلى العديد من الانتقادات، صاحبها كثير من التساؤل عما إذا كان هو الشخص المناسب لقيادة التغيير الموعود في البلاد، و أكدت عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، وهو آخر أخ شقيق للملك سلمان، بعد ست سنوات قضاها في المنفى الاختياري، على خطورة الوضع في المملكة. ونظرًا لأن الأمير أحمد لم يقبل على الملأ مبايعة الأمير محمد بن سلمان في منصب ولي العهد، تفيد التكهنات المنتشرة بأنه قد جاء ليحل محله أو يتحداه. ومع ذلك، يرجح أن تكون عودته جزءًا من محاولة عائلة آل سعود إظهار الوحدة في مواجهة المأزق متزايد الصعوبة الماثل أمامهم.

 

في ظل ما ورد في أحدث بيان أدلى به المدعي العام التركي بأن خاشقجي قد قتل خنقًا بعد وقت قصير من دخوله القنصلية السعودية، تخشى العائلة المالكة السعودية عن حق من أن هذه الاتهامات المدمرة، قد تستمر للمزيد من الأسابيع والأشهر، لاسيما وأن الكونغرس الأمريكي يضغط على الرئيس دونالد ترامب ليتخذ بعض الإجراءات. لم يساعد السعوديون أنفسهم في هذا الموقف عندما اعترفوا بوقوع عملية القتل دون إبلاغ السلطات التركية بمكان وجود جثة خاشقجي. فقد كان من شأن توضيح الحقائق بشفافية في هذه القضية، أن يؤدي إلى الوصول لتفسير منطقي، وإنهاء التكهنات الدائرة.

  

  

في خضم كل ذلك، من السهل أن ننسى الميزة الحقيقية التي يتمتع بها الملك سلمان، الذي يعد هو نفسه رجل تجديد وإصلاح. أثناء توليه منصب محافظ الرياض (1963 – 2011)، شجع بيئة قطاع الأعمال في المدينة، وأخذ على عاتقه مهمة تنمية وتوسيع اقتصادها، وأقام مشاريع بنية تحتية ضخمة. كما لعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على تمسك المحكمة الملكية معًا، خلال المراحل الحرجة للغاية في تاريخ المملكة. لكن على الرغم من كونه حكيمًا وعقلانيًا طوال حياته السياسية، فإن تولية ابنه الصغير الطموح، الذي لا يتمتع بالخبرة الكافية، وإسناد مثل هذه الصلاحيات الواسعة إليه، كان خطأً كبيرًا، ربما أدركه الآن.

 

لقد ميَّز خليط من الصفات التي تنطوي على الثقة المفرطة، والطموح المفرط، والافتقار إلى الخبرة الدبلوماسية، شخصية محمد بن سلمان ودائرة مستشاريه، وهو ما أدى إلى مقتل خاشقجي – سواء كان ولي العهد متورطًا فيه مباشرةً أم لا. وبافتراض أن صحة الملك سلمان ليست متردية، فهو قادر تمامًا على إنقاذ الوضع، ولكن لكي يتمكن من فعل ذلك، عليه أن يوازن بين المصالح الوطنية لمملكته والمصير السياسي لابنه (ما يتعلق ببقائه ورحيله). هناك في نهاية المطاف، ثلاث طرق محتملة يمكن للملك أن يتبعها لمعالجة الوضع.

  

السيناريو الأول: الوضع الراهن

يمكن للملك سلمان أن يسمح لابنه ولي العهد، بمواصلة العمل كالمعتاد ومحاولة إقناع العامة في الداخل والخارج بأن قضية خاشقجي كانت قضية ثانوية سيتم حلها مع محاكمة المشتبه بهم الـ 18، ومع ذلك، فإن الوضع الحالي لا يشبه الحصار المفروض على قطر، الذي حاول محمد بن سلمان التقليل من شأنه بوصفه "قضية صغيرة جدًا جدًا جدًا". محاولة صرف النظر عن اغتيال خاشقجي ستُشير إلى أن وليّ العهد لا يدرك خطورة الوضع.

   

إذا أصر على المضي في مثل هذا الطريق، فإن أقلّية من الدول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد تدعمه، لكن المجتمع الدولي لن يفعل ذلك. دول مثل كندا وألمانيا والسويد قد تحاول حتى مقاطعة المملكة العربية السعودية وفرض عقوبات على النفط السعودي، الأمر الذي قد يُعمّق الخلافات ويؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار، علاوة على ذلك، فإن هذا السيناريو سيعطي مزيدًا من النفوذ لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان، الذي لطالما كان منهمكًا في الصراع مع المملكة العربية السعودية على قيادة العالم الإسلامي. إذا حاول محمد بن سلمان أن يتصرف وكأن شيئًا لم يحدث، فإن الرئيس التركي سيواصل الضغط عليه من خلال وسائل الإعلام.

   

ليس من مصلحة أحد أن تعاني المملكة العربية السعودية من عدم الاستقرار، وأن تتعرض لخطر الانهيار الداخلي. لذلك، من الأهمية بمكان أن يتخذ الملك والقصر الملكي إجراءات عاجلة لحل الوضع

لن يؤدي هذا السيناريو إلى حل طويل الأمد. ولكنه إذا ما اتُخذ، فمن شبه المؤكد أنه سيكون خطأً استراتيجيًا رئيسيًا في حسابات الرياض. سينتهي الأمر بالمملكة العربية السعودية مع ولي العهد فُضِح من قِبل تركيا، الأمر الذي من شأنه أن يكشف هشاشة آل سعود وسهولة الضغط عليهم.

 

السيناريو الثاني: تخفيض رتبة محمد بن سلمان

يمكن للملك سلمان أن يأمر بإنزال رتبة محمد بن سلمان إلى رتبة أدنى من ولي العهد، على أساس أنه حتى لو كان مقتل خاشقجي نتيجة عملية مارقة، فقد حدث ذلك في عهده. عندئذ يجب إعادة توزيع الصلاحيات التي حصل عليها بن سلمان خلال السنوات الثلاث الماضية بين أفراد العائلة الحاكمة. قد يسمح هذا للعقول الأكبر والأكثر حكمة بأن يسيطروا على رأس جهاز الدولة، مما يضمن العودة إلى الطرق التقليدية في تسيير شئون السياسة الداخلية والخارجية.

لكن مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار إلى حد كبير، إذ لن يكون من السهل نقل أبناء عموم ولي العهد الأكبر سنًا والأكثر تأهيلًا وخبرة إلى مواقع السلطة، ويمكن أن يغرق ذلك القصر الملكي في صراع آخر على السلطة. كما يستطيع الملك سلمان تعيين أخيه الأمير أحمد وليًا للعهد، لكن هذا سيضع السلطة مجددًا في أيدي الجيل الأكبر سنًا، وينهي الآمال بانتقال السلطة الذي طال انتظاره من أبناء الملك عبد العزيز (1932 – 1953)، إلى أحفاده.

  

أي من هذه التحركات يمكن أن يكون صعبًا للغاية، إذا قرر محمد بن سلمان المقاومة – ولديه الأدوات اللازمة للقيام بذلك، فهو يتمتع بشعبية كبيرة بين جزء كبير من السعوديين، وقد تمكن على مدى السنوات الثلاث الماضية من بناء دولته العميقة، والتي يمكن أن تُخرِّب الجهود الرامية إلى نقل السلطة.

  

السيناريو الثالث: الحد من سلطات محمد بن سلمان

الخطوة الأكثر منطقية للملك سلمان هي إبقاء ولي العهد في منصبه، مع تقليص صلاحياته. هذا من شأنه أن يعلم ابن سلمان أن هناك حدودًا للطموح السياسي داخل القصر الملكي السعودي، وهناك لياقة وذوق ونظام لا يمكن تجاهلها. وحتى إذا لم يكن مسؤولًا عن الأمر بقتل خاشقجي، فيجب على ابن سلمان أن يعترف بتحمله لدرجة من المسؤولية، وأن يبعتد عن أجهزة الأمن والدفاع، ويضع تركيزه على الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي المحلي. من خلال الحدّ من الصلاحيات السياسية لابن سلمان، وإدخال الضوابط والتوازنات على جميع الجبهات، يمكن للملك أن يرسل إشارة إلى العالم بأنه سيشرف على تحول المملكة العربية السعودية شخصيًا ويعيد بناء الثقة الدولية في حكمه.

  

كما أنه سيساعد كثيرًا أن تتحلى الرياض بالشفافية في قضية خاشقجي وتسلم المشتبه بهم الـ 18 إلى السلطات التركية. إذا كان ذلك غير مقبول، يجب دعوة المحققين الأتراك إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في محاكمة المشتبه بهم. سوف يستفيد ابن سلمان أيضًا من القيام بدور صانع السلام على الساحة الدولية. لا شيء يمكن أن يساعد قضيته أكثر من أن ينهي -بنفسه- الحرب في اليمن، التي أوصلت سكانها إلى حافة "أسوأ مجاعة في العالم خلال 100 عام". وبدلاً من أن ينتظر ضغط الولايات المتحدة عليه لإنهاء الحرب، يمكنه أن يتخذ المبادرة ويبدأ عملية سلام من جانب واحد. وعلاوة على ذلك، يجب عليه حل المشكلات المُعلَّقة على الفور مع قطر وكندا، وقبول أن الدول الأخرى لديها الحق في أن يكون لها رأيها الخاص.

   

من الواضح أنه لكي يحدث هذا كله، يجب أن يُقدّر الملك نفسه مدى إلحاح الأمر وخطورته. ولكن حسبما نسمع، فإن هذا لا يحدث، وحتى أقرب مستشاريه -بما في ذلك وزير خارجيته- لا يستطيعون الوصول إليه حسب التقارير. ليس من مصلحة أحد أن تعاني المملكة العربية السعودية من عدم الاستقرار، وأن تتعرض لخطر الانهيار الداخلي. لذلك، من الأهمية بمكان أن يتخذ الملك والقصر الملكي إجراءات عاجلة لحل الوضع.

————————————————————————-

مترجم عن aljazeera.com

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.