شعار قسم مدونات

عقاب رباني تحت غطاء علمي!

blogs تلوث

لا شَكَ أنَنَا وَصلنَا إلَى مَرحَلَة مُتَقَدِمَة فِي كُلِ المَجَالات العلمِية أو إلى حَد التَشَبُع العِلمي الذِي تَخَطَى حُدُود كُلِ عَقَائِدِنَا الإيمَانِية، وكَأن هَذا التَطَور يُعِيدُنا إلَى الوَرَاء فَصِرنا مِمِن نَسَوا الله فَأنَسَاهم أنفُسَهم. فَعَلى الرغم مِنَ النَجَاحَات المُحققة في استكشاف الأسْرَار الكَونِية إلا أَنَنَا نَتَفَنَن وَبِشَكل عَجِيب فِي سَرد التَفَاسِير العْلمِيَة بِطَريقَة إِلْحَادِيَة مَحْدُودَة. فَإنَ التَنَوع البيُولوجي الذِي نُوَاكِبه فِي عَصْرنا هَذَا، مَا هو إلا اكتشاف جَدِيد لِخَلْق قَدِيم عَلَى الأرض أَو قَدْ يَكُون أَقدم مِن خَلقِنَا بِمَلاين السنِين، مِثل وُجُود كَائِنَات حَية لا يُحْصِيها وَلا يَعْلَمُهَا إلا الله. كائنات صَارَعَت الإنْسَان عَلى مَر الزَمَان وتَسَبَبَت فِي هَلاك الحَيَاة البَشَرِية عَبْرَ العُصُور، ولَكِن تَفْسِير تَوَاجدها وانتشارها خَرَج عَن دَائِرَة التَفَكر والتَمَعُن فِيهَا إلى مَقَال عِلْمي بَحْت مُجَرَد تَمَاماً مِن أي احتمالية لِلقُدرَة الإلهية الخَفِيَة.

وَمِن بَدَائِع الخَالِق سُبْحَانَه وَتَعَالَى تَوَازُن هَذَا العَدَد الهَائِل مِن مَخْلُوقَاتِه بِنِظَام دَقِيق وَمُتْقَن فَقَالَ الحَق سُبْحَانَه: "وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)" (الحِجر) فكُل مَخلًوق مُكَمِل لِمَخْلُوق آخَر، وَكُلٌ بِقَدْر مَحْدُود كَكَفَتَي مِيزَان إِنْ سَادَ العَدل وَالقِسْط تَزيَّن الأرْض وتَزْدَهِر، وإن طَغَى الظُلْم والجُور تَتَدَهْوَر إلَى مَا نَحْن عَلَيه فِي زَمَنِنَا هَذَا. يُقَال أَنَه فِي زَمَن الخَلِيفة العَادِل عمر ابن عبد العزيز كَانَت الذِئَاب تَرَعَى بِالغَنَم لا تَأكُلُهَا ولا تُؤذِيهَا، وحِينَمَا مَات الخليفة انقضت الوُحُوش عَلى الغَنَم وهذه الصُورة تَعكس التَرَابط الوَطِيد لِلتَوَازن الرَبَانِي فِي سُنَنِه الثَابِتَة. حَيْث أن التَوَازن البِيئي وَالطَبِيعِي مرتبط بِشَكل مُتَنَاسِق مَع سُلُوكِنا تجاه طبيعة الأرض.

الغَرِيب أنَنَا صِرنا نُفَسِر أَي انْتِشَار لأي آفة بالتَغَير المُناخي الحَالي الذِي بِدَوره فٌسِر بِثقب طَبَقَة الأوزون التي هي الأخرى فُسِرَت بِالتَلوث البِيئي الحَاصِل بِمَا كَسَبَت أَيدي النَاس.

كَمَا قِيلَ أنَه فِي آخِر الزَمَان عِنْدَما تُمْلأ الأرض عَدَلا ًوإِحْسَانا سَيلْعَب الأطْفَال بِالحَيَايا وَلا تَلْسَعهم وتَجُوب الوُحُوش بَيْنَ الغَنَم ولا تَنْقَض عَلَيهم ومِن هَذا المَنظور رُبَما يَتَوَجَب عَلى البَاحِثِين دِرَاسة السُلوك العدواني للكَائِنَات في ظِل الاتزان البِيئي والسَلام الفعْلي. فَغَالِبا مَا نَلْمَح صُورا نَادِرة لإنسانية حَيوان شَرِس اتجاه فَرِيسَته مِمِا يقلب موَازِين كُل مَا أعتَدناه. ومِمَا يَدُل أيضاً عَلى هَذا التَرابط بَين التَوازن البِيئي وسُلوكنا على الأرض، قول الله تعالى لسيدنا نُوح عَلَيه السَّلام: "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ" (هود 40). فَتَصْفِيَة الأرض بِفِئَة صَالِحَة تَستَصْلِح الأرْض يُرَافِقُه تَصْفِيَة لِجَمِيع الكَائِنَات لِيَحْدُثَ التَوَازن المَطْلوب وهَلاكهم إن ظَلموا غَالباً مَا يَكُون بِإحْدَاث خَلَل فِي هذا التَوَازن الكَوْني.

كَمُؤمنين نَعْلَم أَنَ هَلاك الأمَم الظَالِمَة حَدَثَ بِأشْكَال شَتى فَأهْلَك أَرْض الرَجُل الظَالِم لِنَفسه بِحسْبَان مِنَ السَمَاء وأهْلك قَوم عَاد بِرِيح صَرْصَر عَاتِيَه، وَأهْلَك كَثِيرا مِن القُرى الظالِمَة بِجُنُود مِن عِنْدِه وَمَا يَعْلَم جُنُود الله إلا الله سُبْحَانَه وَتَعالى فَاهلك قَوم فِرْعَون بِالجَرَاد والقُمّل والضَّفادِع كَمَا ذُكِر فِي القرآن الكَريم: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ" (الأعراف: 133). وسَلَطَ عَلى النَمرود حَشَرة مِن أصْغَر خَلْقِه تَسُومُه سُوء العَذَاب وهَذا مِن عَظَمَة الخَالِق عَزّ وَجلّ إذْ أنَه أَهْلك جَبَاِبٍرة خَلْقِه بِأضْعَف خَلْقِه: "إن اللهَ لا يَسْتَحى أن يَضَربَ مَثلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا فأما الَّذيَنَ امَنُوا فَيَعْلمُونَ اَنَّهُ اْلَحُق مِنْ رَبّهِم وأما الَّذيَن كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أراد اللهُ بِهذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثيراً وَيَهدِى بِه كَثيراً وَمَا يُضِلُّ ِبِه إلا الفَاسِقيَن" (البقرة: 26).

وهناك الكَثير مِن الأمْثِلَة عَلَى هَلاك الظَالِمِين فِي الأرض بِكَائِنات مُسَبِبَة للأوْبِئَة كالمَلاريا والفَلاريا والطَاعُون ومَرَض شَاغاس.. والعَدِيد مِن الأمْرَاض المُهْلِكَة لِلْجِنْس البَشَري. حَيْث لَجَأ العِلْم الحَدِيث لِدِرَاسَة نَشَاط هذه المُسَبِبَات وبيُولوجِيَتها وتَصْنيفها، والبَحْث عَن طُرُق مُكَافَحَتِها والوقَايَة مِنْها، متناسيا ً تَمَاما إمْكَانِية أخْذ الأمر عَلَى أَنَه إشعار إلاهي ومتغاضيا تَمَاماً عَن العِبر القَدِيمَة وعَن نَظَرِيَة أَنَنَا تَارِيخ قَدِيم لِمُسْتَقْبَل أَتٍ. فِي مُجْمَل العُلُوم الدنيويَة أَسْرَار رَبَانِيَة وتَرَابط مُحْكَم مَهْما اجْتَهَدْنا لِتَفْسِيره بإبْدَاع العَقْل اللامَحْدُود يَحد تَفْكِيرنا قُدْرَتنا عَلى الاستيعاب لِهذا التَنَاسق فِي خَلْق الله الذي فَاقَ عِلْم كل عُلَمَاء الأرض مِن إنْسٍ وجن، قَالَ الله تَعَالى: "عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا" (الإسراء 8) فالعَوْدَة لِسُنَة الله فِي خَلْقِه هِي العَوْدة لِحَياة الأرض بَعْدَ مَوتِها وهي العَودة للتَوازن الطَبِيعي الذي بُعِثْنا بِه أَوَل مَرة.

لَسْنا ضِد البَحث العِلمي والتَغَلْغُل فِيه ولَكن أن نَبْحَث عَن تَفْسِير لهذا الخَلَل البْيُولوجي المُتَكَرِر يُغْرِقنا في مَتَاهَات شَاسِعَة واحتمالات غَير مُنْتَهِية تَسْتَوْجِب دِرَاسَة العَدِيد مِن الاحتمالات، لنَقف في الأخِير لِنُفَسِر هذا الخَلَل بِتَدَخل الأيدي البَشَرية. ويُسَمُون هَذا التَدَخل البَشَري بِالتَلَوث البِيئي أو الصَيد الغَيْر شَرْعي والعَشْوائي أو إِتِبَاع أَسَالِيب زِرَاعِية خَاطِئة أو استعمال الغَازَات السَامَة أو غَير ذَلك مِن التَفَاسِير المُبْرَمَة عِلْميا. وَكَثيرا مَا تَكُون هذه التَفَاسِير مُنْفَصِلة تَمَاماً عَن مَنْطِق السُنَن الكَوْنِيَة، فَقدْ خَلَق الله كُل شيء بِقَدَر فَكَيْفَ لِهذا الخَلَل البيولوجي أن يَحْدُثَ بهذه السُرْعَة إلا أَن يَكُون تَحْذِيراً رَبَانياً بِمَا كَسَبَت أيدِينا كَمَا قَال الله تَعَالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون" (الروم: 41). الغَرِيب أنَنَا صِرنا نُفَسِر أَي انْتِشَار لأي آفة بالتَغَير المُناخي الحَالي الذِي بِدَوره فٌسِر بِثقب طَبَقَة الأوزون التي هي الأخرى فُسِرَت بِالتَلوث البِيئي الحَاصِل بِمَا كَسَبَت أَيدي النَاس. أَلَيْسَ في هَذا حَلَقَة مُغْلَقة مَجَازها أَنْ أبَى العِلم أَنْ يَكُون إلا لله الوَاحِد الجَبَار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.