شعار قسم مدونات

القومية في أوروبا.. إرثٌ ممتد على مدى 200 عام

blogs الاتحاد الأوروبي

القومية في أوروبا هي هوية متكاملة صنعت المواطن من خلال الحقوق والواجبات ضمن تطور مفهوم الدولة الحديثة والانتقال من الدولة في العصور الوسطى، وحققت القومية في أوروبا شرط النعت أو المصطلح في أن تكون قومية صنعت الدولة الحديثة ومنعت من تعميم تجربة الثورة الفرنسية التي حدثت في القرن التاسع عشر. وبدأت القومية الأوروبية كفكر سياسي بارز جاءت من الثورة الفرنسية عام 1789م، والتي حملت المبادئ الثلاثة العدالة، الأخوة، المساواة، ولاحقًا أي بعد 200 عام تبنت الأمم المتحدة مبادئ حقوق الإنسان، وكانت الثورة الفرنسية ضد تشكل القوميات لأنها أوضحت ذلك من خلال الولاء يكون للحاكم أو الأمير في النظام الملكي المطلق في أوروبا، إلا أن ما حصل بعد الثورة الفرنسية كان لصالح تطور مفهوم القومية.

 

وكل قومية في أوروبا شكلت دولة بمسار معين وكان هناك أثر للحروب على ذلك، وفي القرن الثامن عشر لم يكن هناك قومية عند الأوروبيين الموجودين في النظم الملكية، بجانب أنه لم يكن هناك هوية جامعة، لذلك كانت السيطرة تتم من الملك أو الأمير والنبلاء والإقطاعيين بجانب أن الآخرون هم العبيد المقموعين، ولم يكن هناك مصلحة للمزارع الذي يعمل بالأرض الزراعية مع الدولة، لأن النسب كانت تذهب للنظام الملكي بجانب تراكم الديون من جهةٍ أخرى.

 

لذلك قامت الثورة الفرنسية على مبادئها الثلاثة، وجعلت من المواطن الذي يعيش تحت النظم الملكية المطلقة والاستبدادية "ثوري"، والارتفاع في نسب هذه الإجراءات القمعية للشعب وسلب الرفاهية والحقوق منهم أدت إلى تدخل نابليون الذي استطاع احتلال دول أوروبا من خلال حنكته العسكرية، وإقناع الشعوب التي تعاني من الأنظمة الملكية المطلقة بفكر التحرر، والذي من شانه خلق نظام جديد يحقق مبادئ الثورة الفرنسية، وسط مساعيه للتذويب المتلاصق بين المجموعة البشرية والبقعة الجغرافية في نظام أوسع، ويتم بذلك تذويب الحدود. لذلك كانت الثورة الفرنسية لها أثر كبير في تذويب الحدود كليًا وهذا ما شكَّل خطورة واضحة على النظام الأوروبي، لذلك بدأ الحديث في النظام الأوروبي الحديث عن صنع القومية بمفهومها الحديث من خلال أن يكون ولاء المواطن للملك من خلال إدخاله في الحياة والمشاركة السياسية بشرط أن تكون السلطة للملك.

 

دول أوروبا الشرقية التي كانت تحت الاتحاد السوفيتي لم تمر بمرحلة التطور للدولة الحديثة، ولم يواكبوا تطورها لذا تحفظوا على أن القومية فقط متمثلة في اللغة والدين والتاريخ والعرق

والقومية التي نُبذت من أوروبا هي رد فعل نقيد لمبادئ الثورة الفرنسية للحفاظ على نهج ما قبل الثورة، رغم أنها لم تحافظ على نهج النظام الملكي المطلق إلا أنها استطاعت بعد الثورة إدخال فكرة الدستور من أجل إدخال الشعب في الحياة السياسية لضمان ألا يكون هناك ثورات من جانب، وأن يكون هناك سلطة قضائية من جانب أخر، وعلى هذا الأساس كانت القومية في أوروبا نتاج ما تعرض له نابليون خلال الثورة الفرنسية، وكان الملك يريد إدخال الشعب في السياسة ليعطيهم طرقًا للولاء له من أجل إدخالهم في الجيش، وإذا لم يكن كذلك فهذا يعجل من الانقلاب عليه، لذلك تم خلقهم في نظام سياسي وتم استبدال مبادئ الثورة الفرنسية بالقومية التي أعادت تجميد الحدود بجانب أنها مصنع وماكنة وُظِفت لعمل علاقة ما بين المواطن والدولة والجيش وبناء الدولة.

 

بالإضافة أنها استطاعت أن تصنع من كل نعت وظيفة "التفكير بالسبب"، وكل دولة معينة مثل فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، ألمانيا، سويسرا، هي أداة لإعادة جلب الشعب لنظام الملك والولاء له مع شراكة ومقايضة، واضطر النظام السياسي في أوروبا أن يوسع الشراكة من أجل الانتقال من نظام ملكي في العصور الوسطى إلى نظام ملكي حديث "الدولة الحديثة"، وخلال القرن التاسع عشر تم بناء مفهوم المواطن من خلال الأخذ بنموذج بروسيا على مدى 90 سنة عند العمل على تفعيل المواطن بالمفهوم الأوروبي ليعيش حال معين من ترتيب جديد فيه جبايات وضرائب وقوانين والمشاركة السياسية، والمشاركة هذه لا تكون متعلقة في المشاركة في المصير السياسي.

 

وكان هناك تحذيرات بمضمون القومية في أوروبا بأنها تعزز من النعرات الطائفية في الوقت الذي صنعت فيه الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر وفق تيلي، والقومية أساسًا كانت بالمفهوم الذي أنقذ النظم الملكية المطلقة من تداعيات الثورة الفرنسية وإعادة توجيه ولاء الشعب للنظام الملكي الدستوري، وهذه التحذيرات جاءت في ظل الحديث عن قومية مُضادة للقومية التي بُنيت على إرث 200 سنة والتي جاءت كتضاد ضد تداعيات الثورة الفرنسية بحيث لا يتم إحداث ثورات أخرى في أوروبا.

 

 بيّن الرئيس الألماني جاوك بأنه غير معني بالقومية السطحية المتمثلة في اللغة أو الدين أو التاريخ بقدر أن أوروبا بُنيت بعد حروب ومسار طويل من أجل بناء نظام سياسي حديث أوروبا الغربية
 بيّن الرئيس الألماني جاوك بأنه غير معني بالقومية السطحية المتمثلة في اللغة أو الدين أو التاريخ بقدر أن أوروبا بُنيت بعد حروب ومسار طويل من أجل بناء نظام سياسي حديث أوروبا الغربية
 

ودول أوروبا الشرقية التي كانت تحت الاتحاد السوفيتي لم تمر بمرحلة التطور للدولة الحديثة، ولم يواكبوا تطورها لذا تحفظوا على أن القومية فقط متمثلة في اللغة والدين والتاريخ والعرق، بينما أوروبا العميقة طورت من القومية ليكون لها دور فعّال حتى يتم منع تكرار الثورة الفرنسية وأن يكون هناك جمهورية أوروبية غربية، وإعادة تغيير النظم على مستوى إقليم، وهذا ما أوجد حقوق الإنسان وغيرها من القوانين والمعاهدات والمبادئ، وهناك مصلحة استراتيجية للحفاظ على القومية الأوروبية بعد ضيق الأفق من التخوف والاستغراب داخل الموطن والذي يؤدي إلى عدم عقلانية التخطيط والتصرف.

 

لذلك بيّن الرئيس الألماني جاوك بأنه غير معني بالقومية السطحية المتمثلة في اللغة أو الدين أو التاريخ بقدر أن أوروبا بُنيت بعد حروب ومسار طويل من أجل بناء نظام سياسي حديث أوروبا الغربية، القادر للوصول إلى اتحاد أوروبي في فترة الخمسينات، أي مستوى متقدم بالنظام السياسي، لذا وجود النعرات يفكك إنجاز 200 سنة، لذلك العنصر الموجود في النظام الحديث يحمل مبادئ راقية وسامية، وما هو مُمَأسس لا يُنعر، والقومية الأوروبية صنعت الإنسان بالمفهوم الحديث وكذلك تطور الدولة الحديثة وصنعها، وأوجدت الحرية دون أن يشعر الإنسان بالانتقاص من هويته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.