شعار قسم مدونات

هل تسبب لعبة البابجي الانحلال الأخلاقي؟!

لعبة البابجي

اجتاحت لعبة بابجي مجتمعاتنا العربية وأصبحت هذه اللعبة محور حديث وسائل الإعلام والناس على صفحات التواصل الاجتماعي وحتى في الجلسات العائلية وداخل منازلنا. ولم تتوقف وسائل الإعلام المختلفة عن الترويج التهويل للإشاعات المختلفة والقصص المحبوكة حول هذه اللعبة وآثارها وأنها المسببة للانحراف ووقوع حالات كثيرة من الطلاق والمشاكل الأسرية.

تلك اللعبة التي لا تختلف وتتشابه مع الكثير من الألعاب الموجودة والمتداولة بين الشباب والكبار والأطفال ولا تضيف شيئاً ولا تتطلب التزام للعبها ويمكنك الدخول للعبة متى أردت وتركها متى أردت ولكن الذي حصل في مجتمعاتنا وإن كان صحيحاً ليس بسبب هذه اللعبة. إن مجتمعاتنا العربية بشكل عام ومجتمعنا الفلسطيني بشكل خاص مجتمع هش لا يقوم على أسس سليمة ولا يتم فيه تربية الأبناء بطرق سليمة وصحيحة وإنما هي مظاهر وأخلاقيات كاذبة وأساسات مستوردة ومطبقة بطريقة غير سليمة ومتبناة ومدخلة في مجتمعاتنا بدون دراسة.

إن التكنولوجيا ووسائلها المختلفة لا تغير من طباعنا ولا أخلاقياتنا إنما تظهرنا على حقيقتنا والفرد السوي الذي نشأ على أخلاقيات سليمة وأسس صحيحة لا يتأثر بأي شيء ولا يمكن للعبة بسيطة أن تجعل حياته جحيماً، أن الزائر للدول الأوروبية سيرى التنوع والتعدد في وسائل الترفيه والإمكانيات المتاحة أمام الشباب هناك والأطفال حتى أن الحشيش وبعض المواد المخدرة تباع في المحال التجارية الصغيرة وقابلة للتداول ويسمح لهم بشرب الكحوليات والذهاب للنوادي الليلية والدخول في علاقات مختلفة ولكن نسبة الثقافة والتعليم والإبداع مرتفعة بين هذه الشعوب وهناك العديد من المخترعين والكتّاب والشباب المنتج والذين يعملون لتحقيق أنفسهم ولم تتسبب لعبة أو غيرها في انحرافهم ولم تصبح ظاهرة عامة وعلى النقيض تجد أن مجتمعاتنا المحافظة والتي تدعو للفضيلة يتأثر أبنائها بأقل نسمة حضارية أو متغيرات تحصل لهم، تراهم ينساقون وراء ما هو رائج ما يدعو إليه الإعلام وما يتم التسويق له من أقرانهم أو المؤثرين.

يجدر بنا الالتفات للمشاكل الأخرى في حياتنا ومجتمعاتنا وألا نتوقف أمام صغائر الأمور ولكنني أعتقد اننا أصبحنا نعيش في حالة من النكران ولم نعد نريد الاعتراف بالأخطاء والمشاكل التي نعاني منها

إن شبابنا العربي لا يعي أهمية طاقاته ولم يتم تربيته على احترام وقته وعقله، فيتعامل مع المواد التعليمية كفرض واجب ولا يجد في القراءة مبتغاه ولا ينكب على التفكير في المستقبل والتغيير وإن لم يكن جميعهم هكذا إلا أن النسبة الأكبر تنطبق عليها هذه المواصفات. أصبحت هذه اللعبة حديث الشارع حتى وصل الأمر لتحريمها والنظر فيها من ناحية دينية على الرغم من أن هناك الكثير من المظاهر الاجتماعية والمشاكل التي تنخر مجتمعاتنا والتي تستحق الاهتمام وأن نعطيها وقتنا وأن نسلط عليها الضوء. ولكن وسائل الإعلام في مجتمعنا الفلسطيني لم تعد لنقل الخبر وأصبحت تفتقد المصداقية وقد فقدت بوصلتها وبدأت توجهها نحو الإشاعات ونشر الأكاذيب لجمع أكبر قدر ممكن من التفاعل والإعجاب من الجمهور الفيسبوكي الذي لا يتوانى عن مشاركة أي خبر دون التأكد من مدى مصداقيته.

 

هل نحن أكثر حساسية من غيرنا؟ هل نتأثر بشكل أكبر من أي شيء؟ هل يمكن للعبة أن تدمر بنية مجتمعية وأن تسبب بانهيارنا؟ إن كان الجواب نعم، فإن الأسر التي تأثرت نتيجة لعبة فهي لا بد ان تكون أسر قائمة على قواعد متخلخلة، إن الزوج الذي يقوم بتطليق زوجته بسبب خلاف على لعبة لا بد أن يكون تفكيره محدوداً وهذا الطلاق كان سيقع لو على سبب أتفه من اللعبة ولكنه كان ينتظر الحصول.

 

يجدر بنا الالتفات للمشاكل الأخرى في حياتنا ومجتمعاتنا وألا نتوقف أمام صغائر الأمور ولكنني أعتقد اننا أصبحنا نعيش في حالة من النكران ولم نعد نريد الاعتراف بالأخطاء والمشاكل التي نعاني منها وقمنا بصب جل تفكيرنا على نظرية المؤامرة وأن مجتمعاتنا الفاضلة أمام هجوم غربي لتدميرها، بدلاً من أن نعترف أننا انهزمنا أمام التطور الذي كشف مشاكلنا وعيوب مجتمعاتنا ومظهر المثالية الذي كشف وتم تعريته أمام أقل التحديات. لا بد لنا أن نقف أمام أنفسنا وأن نحاول جاهدين أن نبحث عن أسباب تأخرنا وأن نعمل على خلق حلول منطقية لمشاكلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.