شعار قسم مدونات

حينما تُستباح الحريات.. هل تتزوج دمية؟!

Nourelyakin Meghrich, an Ennahar TV News anchorwoman is seen at a TV news studio in Algier May 8, 2012. In the past few months, several independent Algerian television channels have started broadcasting, undermining the monopoly of state television. The new stations were set up after President Abdelaziz Bouteflika, under pressure to reform after the ?Arab Spring? uprisings in neighbouring states, promised to open up the country?s tightly-controlled electronic media. REUTERS/Zohra Bensemra (ALGERIA - Tags: POLITICS MEDIA)

لطالما أمنت بالحريات.. لطالما أمنت أن الإنسان يجب أن يتبع قلبه وهواه في معظم الأحيان دون النظر إلى أراء الأخرين في حدود المعقول والمنطق وأن يقوم بالوصول إلى أهدافه للحصول على السعادة. لطالما أمنت بأن لا شيء مستحيل وأن الأحلام يمكن الوصول إليها إذا ما تمسكنا بها وعملنا جاهداً من أجلها. لطالما أمنت بالحرية الشخصية في اختيار المستقبل وشريك العمر والدين والعديد من الأشياء التي لا يعرفها أحد عنك إلا الخالق، إلى أن شاهدت فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

إلى أن رأيت أكيهيكو كوندو، شاب ياباني في زهرة شبابه، يبلغ من العمر 35 عاماً. قام باتخاذ القرار الأهم في حياته.. قرار الرابطة المقدسة التي تجمع بين اثنين حتى يكملوا سُنّة الحياة بإنشاء عائلة وإنجاب ما وصفه القرآن بزينة الحياة الدنيا. ولكن للأسف الشخصية التي اختار الارتباط بها لا يمكن أن تعطيه العائلة.. ليست لأنها كبيرة في العمر وليست لأنها لا تستطيع الإنجاب بل لأنها ولمهزلة القول ليست بإنسان ولا حتى بكائن حي من جنس أخر أو من فصيلة أخرى.. هي دمية وصورة ثلاثية الأبعاد.. نعم دمية!

قام بإلباسها الخاتم الذي انتهكت قدسيته وقام بحملها بين يديه بفخر مذل أثناء مراسم الزواج. وبالإضافة إلى النسخة المتمثلة بالدمية، قام بشراء جهاز من أجل عرض صورة ثلاثية الأبعاد لها.. هي شخصية ميكو الغنائية التي يستطيع التواصل معها عن طريق الجهاز. وللعلم، هاتسوني ميكو هي عبارة عن برنامج ياباني متطور يسمح لمستخدميه بإنشاء أغاني أنيمي (رسوم متحركة يابانية) خاصه بهم حيث يقوم المستخدم بكتابة وتلحين الأغنية وتقوم ميكو بغنائها بصوتها الحاد والمميز وبصوت فتاة عمرها يناهز ال 16عاماً. شعرها فيروزي اللون ولون بشرتها فاتح وعيونها زرقاء اللون.

الحرية ثمنها غالي ولكن هنالك أشخاص استباحوا الحريات وأصبحوا يتخطون المنطق والخطوط الحمراء من أجل سعادتهم.. هذه الأنانية واستباحة الحريات سيكون لها وقع لا تحمد عقباه

ولم يكتفي هذا الشاب بإعلان زواجه بهذه الشخصية. بل قام بإقامة مراسم زواج بتكلفة 17600 دولار ومن المطمئن أن عائلته لم يحضروا هذه المناسبة المستفزة من نوعها. فقامت أمه برفض دعوته للزواج قائلة أن الأم لا تستطيع أن تحتفل بهكذا نوع من الزواج الذي يجمع بين انسان وصورة ثلاثية الأبعاد. وعلى الرغم بأن هذا النوع من الزواج غير مشروع بالقانون الياباني، إلا أن الشركة المزودة للصورة ثلاثية الأبعاد أصدرت له شهادة زواج. وللأسف قامت نفس الشركة بإصدار أكثر من 3700 شهادة من أجل الزواجات متعددة الأبعاد. كيف لشركة أن تقوم بترويج هذا النوع من الزواج من أجل الأرباح على حساب المصلحة العامة وكيف سمحت الحكومة اليابانية لها أن تقوم بإصدار هذا النوع من الشهادات في ظل ما تعانيه البلاد اجتماعياً؟ 

عدا عن الخرافات اتي يتم نشرها عن اليابان والتي تظهرها وكأنها دولة مثالية ليس لها نظير.. هناك جانب أسود يحيط بها وقلما نقرأ عنه. هذه الهالة المظلمة متمثلة بمشاكلها الاجتماعية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. من أسوأ المشاكل الاجتماعية هي قلة عدد المواليد الذي أدى إلى تراجع النسمة السكانية بمعدل 400 ألف سنوياً.

 

معظم الشباب الياباني ذكوراً وإناثاً يعزفون عن الزواج وعن ممارسة الجنس فالوقت كله من أجل العمل. ففي دراسة، تبين أن 61 بالمئة من الرجال الغير متزوجين و49 بالمئة من النساء الغير متزوجات من الفئة العمرية ما بين 18 إلى 34 سنة لم يخوضوا أي علاقة رومانسية قط، وذلك في ظل عزوف للنساء عن الزواج والإنجاب سعياً للحفاظ على الوظيفة والمسيرة المهنية وفي ظل توقع وضغوطات من المجتمع بأن تقوم المرأة بالتنازل عن وظيفتها والتفرغ لزوجها وأطفالها.

 

قامت 70 بالمئة من النساء المتزوجات بترك وظائفهن بعد إنجاب أول طفل. أضف إلى ذلك حالات الإجهاض المسجلة في عام 2013 والتي بلغت 168 ألف جنين وذلك خوفاً من التقصير أو عدم القدرة على التربية. مع كل تلك الظواهر الاجتماعية المثيرة للقلق، يأتيك شاب مثل كوندو واثقاً بفعلته ومفتخراً بزواجه من خيال وسراب ليس له وجود على أرض الواقع.

ومن الجدير بالذكر أن وظيفة الشاب هي في القطاع التعليمي. كيف يكون هذا الشاب قدوة للأطفال من حوله؟ كيف وتراه يضرب المثل مفتخراً بما فعل، بل ويقوم بتشجيع الشباب الأخرين بأن تجرأوا للقيام بالمثل. أعرب الشاب الياباني عن حبه لهذه الشخصية التي رافقته أعواماً عديدة أثناء ما مر به من صعاب خاصة مشاكل التنمر التي كان يتعرض لها من قبل زميلاته في العمل حتى أصابه انهيار عصبي قرر من بعده ألا يقدم على الزواج من الأساس. وعبّر الشاب عن ميزات عروسه الجديدة فهي لن تخونه ولن تشيخ ولن تموت إلا إذا انقطع التيار الكهربائي بالطبع…لكن الشاب أصر على أن الموضوع طبيعي للغاية وبأن التنوع في المجتمع مطلوب. فالسعادة بنظره غير مقرونة بزواج تقليدي يجمع بين رجل وامرأة وما يتبعه من تأسيس وتربية أولاد بل يكمن في أنواع عديدة للحب والسعادة.

سعادتك يا عزيزي ستساهم في انقراض اليابان.. سعادتك وبعروسك الجديدة سوف تفتح المجال للعديد من مدمني الألعاب والرسوم المتحركة للمسير نحو نفس المنهج.. سعادتك يا عزيزي سوف تساهم في زيادة نسبة العنوسة والعزوف عن الزواج بين الشعب. أنا أيقنت الأن المعني الحقيقي من وراء مقولة تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الأخرين. هذا الشاب يجب أن تتم دراسة حالته عند طبيب نفسي لا أن يتم تشجيعه من قبل أقرانه أو الشركات الجشعة.. يجب أن تكون هناك أنظمة تحد من هذه الظاهرة التي تنبأ بالدمار الأتي لليابان.. يرافق التطور الاقتصادي والتكنولوجي الذي تعيشه البلاد تراجع اجتماعي قد يشكل خطراً أكبر من الزلازل والتسونامي على حياة اليابانيين أنفسهم.

ومن اللافت بأن الحكومة اليابانية قامت مؤخراً بتقديم مقترح لاستخدام نحو ثلاثمائة وخمسة وأربعين ألف عامل أجنبي حتى العام المالي 2023 للبرلمان وذلك لتعويض نقص العمالة في البلاد. خاصة في قطاع الزراعة وفي قطاع التمريض وقطاع المطاعم وفي قطاع انتاج الغذاء والمشروبات. ومن المتوقع أن يزيد النقص في عدد العمال إلى مليون وأربعمائة وخمسين ألفاً في العام المالي ابتداءاً من ابريل عام 2023. ففي ظل ما تعانيه الحكومة.. هل حقاً يستطيع الأفراد التصرف كما يحلو لهم على حساب المصلحة العامة؟ الحرية ثمنها غالي ولكن هنالك أشخاص استباحوا الحريات وأصبحوا يتخطون المنطق والخطوط الحمراء من أجل سعادتهم.. هذه الأنانية واستباحة الحريات سيكون لها وقع لا تحمد عقباه على بلد لطالما تغنينا به وبأخلاق شعبه. والله المستعان!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.