شعار قسم مدونات

بين عبد الناصر والسيسي.. ما الذي تغير تحديدا؟!

blogs عبد الناصر و السيسي

ربما تشابُه المشهد يجعلك تقول أن التاريخ يعيد نفسه، لمَ لا وهى سنة الله في أرضه "وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا"، ففي الماضي كان فرعون وهارون وهامان وبالأمس كان عبد الناصر ومبارك واليوم السيسي وجنوده. منذ انقلاب السيسي في يوليو ٢٠١٣ والكثير من المحللين السياسيين وأصحاب الرأي يرون أن هذا الانقلاب يشبه إلى حد كبير انقلاب ٥٢ وأن السيسي يخطو خطى عبد الناصر، ولكننا لن نعقد مقارنة مفصلة بين نظامين أو بين انقلابين كلاهما أتى بالدمار والخراب على مصر ولكن هناك فروق جوهرية اختلفت من حقبة عبد الناصر إلى السيسي.

صحيح أن طرفي الصراع ما زالوا كما هم العسكر ومعهم مؤسسات الدولة من جانب والإخوان وانضم إليهم شباب الثورة وباقي التيارات الإسلامية من جانب آخر، لكن تُرى من الذي استفاد من أخطاء الماضي وأصبح يمتلك أدوات لم يكن يمتلكها من قبل؟! في أدبيات الإخوان يسمونها "المحنة" والمحنة هذه المرة اختلفت اختلافا جذريا فبعيدا عن الأسباب والنتائج التي أدت إليها تبقى الغلبة لمن فهم الماضي ووعى الحاضر وخطط للمستقبل.

فالنظام في حقبة عبد الناصر كان يمتلك كل الأدوات التي تجعل من الحق باطل ومن الباطل حق، فكان يمتلك الجيش والشرطة والقضاء كما هو الآن إضافة إلى الإعلام وبشكل كامل وبالتالي كان يمتلك الشارع والرأي العام الذى لم يكن يعلم ماذا يحدث حتى في أثناء الحرب فبينما كانت الهزيمة تضرب الجيش المصري كان إعلام عبد الناصر يتحدث عن توجيه ضربات للعدو، ولكن الآن ربما الوضع اختلف إلى حدٍ كبير، صحيح أن السيسي يمتلك أبواقا إعلامية ذات إمكانيات ضخمة لكنها لا تسمن ولا تغنى من جوع وفى نفس الوقت هو لا يمتلك تلك الوسيلة بالشكل الكامل الذي كان يمتلكه عبد الناصر فهو يسيطر على جزء لا بئس به بينما ذهب الإخوان ولأول مرة لامتلاك هذه الوسيلة لما وجدوه من عظمة تأثيرها.

الشعب يعيش الواقع كل يوم وإن حاول إعلام النظام تغييب العقول وتزييف الحقائق. هذا الوعى لم يتولد محض الصدفة ولكنه نتيجة التقدم والتطور التكنولوجي الهائل واختلاف الأجيال

هذه الوسيلة التي تأخر الإخوان كثيرا في اللحاق بها لا تقتصر فقط على قناة تليفزيونية أو جريدة يومية أو مجلة أو محطة إذاعية بل أصبحت فضاءاً شاسعا هو الفضاء الإلكتروني الذي يسبح فيه كل ذلك، بل أن العسكر لم يستطع حتى الأن السيطرة على هذا الفضاء رغم أنه كان سببا من أسباب سقوط نظام الابن مبارك وخبرتهم به محدودة بعكس الإخوان وشباب الثورة الذين لم يكن لهم إلا هذا الفضاء قبل ثورة يناير. ومن جهة أخرى فتأثير الإعلام المعارض أصبح أوقع وأقوى بكثير من الإعلام النظامي الذي ملّ الشعب من كذبه وتضليله وتطبيله.

الأمر الثاني هو مدى وعى الشعب نفسه، فالشعب يعيش الواقع كل يوم وإن حاول إعلام النظام تغييب العقول وتزييف الحقائق. هذا الوعى لم يتولد محض الصدفة ولكنه نتيجة التقدم والتطور التكنولوجي الهائل واختلاف الأجيال، فالأجيال الجديدة أصبح لديها وعى أكثر من جيل الخمسينيات الذي لم يكن يمتلك سوى الجرائد والراديو والتليفزيون وجميعها كان في قبضة النظام وحده ولم يكن هناك مجال لسماع صوت آخر.

ومن الفروق الجوهرية أيضا انتشار الإسلاميين وتأثيرهم في الشارع المصري طوال تلك السنوات الماضية ففي حقبة عبدالناصر تم اعتقال جميع الإخوان وكانوا وقتها الفصيل الإسلامي الوحيد النشط على الساحة ولم يكن هناك وجود في المعتقلات لغير الإخوان إلا قليل من عامة الشعب، بينما نرى الآن آلاف الشباب من غير الإخوان داخل السجون ولا تكاد نسبة الإخوان تتعدى الـ٥٠ بالمائة.

وحتى نعرف كمّ هذا التأثير علينا متابعة الشارع المصري الآن، فمع اختفاء التيار الإسلامي من المشهد ظهرت العديد من المشكلات والظواهر الغريبة على مجتمعاتنا، فعلى سبيل المثال انخفاض الوازع الديني والهروب من أي شيء يمت للتدين بصلة لعدم الاتهام بالأخونة وكذلك تجرؤ بعض دعاة العلمانية للدعوة لمنع النقاب وخلع الحجاب وإباحة المثلية والترويج لها وانتشار موجات الإلحاد. كل ذلك يجعلنا نشعر بالدور الذي كان يقوم به التيار الإسلامي في الوقوف سداً منيعا أمام تلك الدعوات.

يمتلك السيسي وسائل أكثر وإمكانيات أكبر من تلك التي كان يمتلكها عبد الناصر، لكنه لم يفلح في استغلالها الذي يجعل منه زعيما مثل عبد الناصر الذي ظل الشعب يمجده رغم جرائمه التي ارتكبها في حق الوطن
يمتلك السيسي وسائل أكثر وإمكانيات أكبر من تلك التي كان يمتلكها عبد الناصر، لكنه لم يفلح في استغلالها الذي يجعل منه زعيما مثل عبد الناصر الذي ظل الشعب يمجده رغم جرائمه التي ارتكبها في حق الوطن
 

من ناحية أخرى ظهر جليا انتشار الإخوان خارجيا فأصبح لهم تأثير في قرارات بعض الدول وفى دوائر صنع القرار في دول أخرى وهى ليست سيطرة كاملة بالتأكيد لكنه تواجد وانتشار ملحوظ لم يكن موجودا من قبل وجعل النظام الانقلابي في حرج مستمر وكشف كمّ الدعم العالمي لهذا الانقلاب وكشف زيف دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية في الغرب وأمريكا.

ومن النقاط المحورية التي تختلف عن الماضي ان الصراع كان محصورا بين النظام والإخوان فقط بينما الأن أصبح الصراع شعبيا فلم يدفع الإخوان وحدهم الثمن بل الشعب كله يدفع الثمن، صحيح أن الإخوان يدفعون ثمن التصدر في المشهد والشعب يدفع ثمن السكوت عن الخيانة لكن الجميع في النهاية يدفع الثمن. ومن المفارقات أيضا أن عبد الناصر اهتم بالإنجاز الملموس على الأرض الذي يلمسه السواد الأعظم من الشعب فكان يقتطع من الأغنياء ليعطي الفقراء فاستحق أن يلتف الشعب حوله بينما هذا النظام لم يفلح حتى في توفير لقمة العيش ويعمل جاهدا على زيادة الفقراء فقرا وبقيت الحاشية تصفق له وتتغنى بـ"تسلم الأيادي".

إذا فهناك تطور نوعي في امتلاك الوسائل من ناحية الإخوان يجعلهم أكثر صمودا هذه المرة مما أطال أمد الصراع وجعل الكثيرين يتوقعون عودتهم إلى المشهد سريعا. ومن جهة أخرى يمتلك السيسي وسائل أكثر وإمكانيات أكبر من تلك التي كان يمتلكها عبد الناصر، لكنه لم يفلح في استغلالها الذي يجعل منه زعيما مثل عبد الناصر الذي ظل الشعب يمجده رغم جرائمه التي ارتكبها في حق الوطن. ما زال الصراع مستمر ولم تنته المعركة بعد وربما يتفوق طرف على الأخر لاستخدامه الوسائل المتاحة لديه وربما تكون وسائل الطرف الأخر سبب في هزيمته وسقوطه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.