شعار قسم مدونات

لماذا أمر الله بقطع يد السارق؟

blogs سرقة

إن أمعنت جيداً ودرست جميع جوانب هذا الحد العاطفية والنفسية والعقلانية وحتى الأخلاقية، ستجده عن دراية وعلى أعلى درجات الإدارة والحكم ويكفي أنه حكم رباني على كل حال، وقبل أن أبدأ بالإحاطة لجوانب هذا الحد يجب أن أذكر بشكل عابر أن هناك شروط صارمة التي لابد منها ولا غنى عنها، أمر الله بإتباعها قبل الإقدام على تطبيق هذا الحد، لكنني لا أريد أن أدخل في تفاصيل فقهية كي أزيد من تعقيد هذا الحد الواضح وسأكتفي بذكر المضمون الذي لا اعتراض فيه، وهو أن يكون السارق بالغ وعاقل ليس مجنون، ويجب أن يكون الشيء الذي قام السارق بسرقته يتعدى مبلغ رمزي محدد، وقطع يد السارق من الكوع يعني من عند الرُّسْغين.

 

وقد يسقط هذا الحد في فترات مثلاً انتشار المجاعة فمن غير الممكن أن نقطع يد سارق قام بسرقة شيء ليأكله هذه الشروط متفق عليها بين العلماء، نأتي الآن لدراسة الجوانب التي كنت قد ذكرتها سابقاً، نبدأ بالجانب العاطفي، إنك ومهما ادعيت أنك إنسان عاطفي ومحب للإنسانية لا تستطيع أن تسامح إنسان سرق شيء تملكه خصوصا عندما تكون هذه السرقة مرفقة بالضرب أو الخداع والمكر والتسلّط ولااسيما إن كان هذا الشيء الذي سُلب منك غالي ومحبب إليك، ستحزن كثيراً وربما ستبكي سيُسبب لك ذلك نوع من الغيظ المكبوت كافي بأن يجعلك لا تنام لليالي.

 

إن كل من يدعي التزام النزعة الإنسانية وكل من يغالي في العطف على السارق فإنه على الأرجح لن يعطف على المسروق. لذلك فالله أدرى بمن يعطف، إن الذين يعتقدون أن هذا الحد يخلو من العاطفة، هم بشكل او بآخر ينحازون للسارق أكثر منه إلى المسروق، سيسأل البعض أليس السجن كفيل بأن يريح ويطمئن المسروق؟ لكن لننظر للأمر بموضوعية، ولابأس بضرب مثال كي يتضح المشهد أكثر، لنفترض أن سارق سطى على منزل أحدهم، ولا يمكننا أن ننكر أن بعض اللصوص يدخرون المسروقات لينعموا بها عند خروجهم من السجن، تُرى كيف سيكون إحساس المسروق عندما يرى ذلك اللص فور خروجه من السجن يتنعم بما نهبه منه وهو يعلم بيقين أن كل الرفاهية والترف التي حققها ذلك السارق هي من ثروته وهي ملكه، وهذا لا ينعكس عليه فحسب بل على المجتمع بأكمله، هل سينطفئ غليل الحنق المتوقد في نفسه إنه أخد ثمرة أتعابه سلباً؟ هل تحقق العدل بالسجن؟ أين الحكمة من العاطفة على السارق في هذا الموضع؟

 

الصفات الرئيسية للسارق تنموا طرداً عند السارق مع مقدار النجاح الذي يحققه في كل سرقة إلى أن تصبح عادة وهذه العادة القذرة لا يستطيع أن يستغني عنها بل ويستحيل عليه ذلك، إلا بإجراء ردعي

إن العاطفة الربانية دائماً تنسجم مع حكمة العقل، ونأتي الآن للجانب النفسي، وهو جانب غريب إلى حدٍّ ما، هناك أناس مهوسين بالسرقة، يسرقون بلا خجل وبلا حياء، وسهل على القارئ ان يتصور براعة بعض اللصوص، أحيانا يكون الربح او المال والحاجة ليست دائماً في المقام الاول في نظر السارق! تلك حقيقة مع ذلك، وقد يسرق أشياء لا يكون بحاجة إليها إطلاقاً، مع أنه لديه المقدرة المادية لكي يحصل عليها، تجده يجازف، ويعرّض نفسه لأشد المخاطر، ويمكر ويحتال ويبتكر، ويخرج من المآزق، حتى لكأنه أحيانا يجعلك تحس أنه ملهم فيما يعمل، إن هوى السرقة لا يقل قوة وعنفاً عن هوى القمار.

 

سأسمح لنفسي في هذا المقام أن أروي نادرة قصيرة حدثت معي شخصياً، سبق لي وعملت في شركة مع شخص له سوابق عدلية بتهمة السرقة كنت اعرف هذا مسبقاً، كان مخلص لي كل الإخلاص( أقول هذا بلا ادعاء) قد سطى على كتاب كنت أملكه، وهو الكتاب الوحيد الذي كان بحوزتي، وقد اعترف لي بفعلته في ذلك اليوم نفسه، لا ندماً على ما فعل وليس لمجرد رغبته في أن يصارحني، بل لأنه حين رآني أبحث عن الكتاب مدة طويلة أشفق علي وأخدته بي الرحمة، وبلغ من ذلك أنه أصبح يسرق لي كل ما تتح الفرص أن تمتد يده إليه من أشيائي ولم يكن يشعر من سرقته بأي خجل أو حياء، لأنه كان يرتكب هذه السرقات وهو لا يكاد يشعر بما يعمل، حتى لكأن ما يقوم به واجب.

لقد أوردت هنا هذه النادرة (التي لا تناسب السياق بالمرة كما يبدوا لي) لا لشيء إلا لأنها حدثت معي وهي من قربتني أكثر لفهم هذا النموذج عن قرب، إن هذا النموذج مصاب بمرض يمكن تسميته (نشوة السرقة) أو من أحسن القول (نشوة ما بعد السرقة) أي أنهم يشعرون بالرضى عن النفس والارتياح الروحي بعد قيامهم بالسرقة، ويوجد أيضاً نوع آخر لا أتوانى عن ذكره وهو أنهم يسرقون ويحتالون لا لشيء إلا لكي يتمكنوا بعدها من سرد قصة مسلية تستحق أن تروى، أي أنه عندما يتمدد في فراشه ليلاً لينام، يتذكر بسرور كيف كان يروي لهم سرقته وكيف استولت على مستمعيه الدهشة، إن نشوة هذا الانطباع المبهج هو هدفه وإلا لما كان سرق بالأساس، وهناك لصوص أشبه بالحيوانات المفترسة يسرق ضربا ونهباً بالإغارة على الناس ولا يتجنب إراقة الدماء في سبيل الحصول على ما يريد.

هذه الصفات الرئيسية للسارق تنموا طرداً عند السارق مع مقدار النجاح الذي يحققه في كل سرقة إلى أن تصبح عادة وهذه العادة القذرة لا يستطيع أن يستغني عنها بل ويستحيل عليه ذلك، إلا بإجراء ردعي، إن حد قطع اليد يستطيع أن يقهر شهوة المال ويستطيع أن يساهم بشكل كبير في الاستقامة والتوبة، لأن هذا الحد سيكشف السارق ويفضح أمره بين الناس ولا عبرة أعظم من قطع يد السارق فهي تفتضح بها صاحبها طول حياته، ويوسم بميسم الخزي والعار الذي سيلاحقه حتى مماته، أليس هذا كافي لردع السارق، في الختام لا ننسى الفوائد التي سنجنيها من هذا الحكم إن هذا الحد هو صيانة للأموال وحفضاً لها وليس الأموال فقط إن نسبة السرقة ستتقلص جداً وسينتشر الأمان بين الناس وهذا هو جوهر الحكمة الربانية، وإلى الذين لم يفقهوا هذا الدين الذي جاء شاملاً كاملاً بالمنفعة لبني الإنسان، ولأجل هذا أردت أن أكتب هذه المقالة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.