شعار قسم مدونات

هل قررت "أمريكا العميقة" التخلص من ترامب؟

blogs ترامب

منذ تسلم دونالد ترامب مقاليد رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في بدايات 2017م، وهو لم يهنأ بيوم في جلوسه على ذلك الكرسي؛ إذ هو في ضغط مستمر ومتابعة حثيثة لكل ما يقوم به، مع إحاطته بحملات من النقد والرفض بل والاستهزاء على كافة الأصعدة، شعبيًّا وإعلاميًّا ونُخبويًّا وسياسيًّا، والواقع أن هذه الضجة التي تحيط بترامب لم تبدأ معه حين غدا رئيساً؛ وإنما منذ أن ظهر اسمه في عالم المال والسياسة، وهنا السؤال:

 

لماذا ترامب بالذات؟

نسبة من سبب ذلك هي أن ترامب ليس ابن المؤسسة الرئاسية الأمريكية والمتمثلة في الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري؛ فهو بالرغم من انتمائه للحزب الجمهوري، إلا أنه لا يُعتبر ممن ترعرع في مهد الحزب وتجرع قواعده، وبالتالي فإنه لا يتصرف وفق ضوابط حزبه التي تربى عليها غيره. النسبة الكبيرة ترجع إلى شخصية ترامب نفسه؛ إذ ليس من السهل أن تتواجد شخصية بهذه التركيبة الفريدة كما شخصية ترامب، شخصية تتميز بالغباء والعنجهية والنرجسية في آن واحد، ما يجعلها ترى نفسها الأعلى على العالَمين؛ وبالتالي فمن حق صاحبها أن يكون سيد العالم! هذه التركيبة تجسدت في تصرفات وتصريحات شعبوية إقصائية عدوانية تغرس الكراهية والحقد في النفوس قبل جعلهما واقعاً يمارَس.

وإذا أضفنا إلى ما سبق الثروة التي سهلت له أموراً كثيرة، منها وصوله للرئاسة، ندرك تماماً لماذا كان مثار رفض كافة فئات المجتمع، وكان أضحوكة الجميع منذ أعلن عن نيته خوض انتخابات الترشح في الحزب الجمهوري ليكون بعد ذلك مرشحاً في انتخابات الرئاسة. وفي موضوع ثروة ترامب بالذات نتوقف لنعلق على سؤال تبادر بالتأكيد في أذهان الملايين:

 

كيف أصبح ترامب بهذا الثراء؟

للإجابة سريعاً على هذا السؤال نذكر أن ترامب اعتمد في بداية عمله الاقتصادي على ما كوَّنه والده فريد ترامب من ثروة وسمعة أهَّلت دونالد ليبدأ عمله؛ ثم اقتراضه أكثر من 100 مليون دولار من البنوك والتي أمَّنها له والده، وحوَّل دونالد القروض إلى سلسلة مشاريع عقارية، وبمنطق أن المال يأتي بمال، وفي بلد هي عماد الرأسمالية عالميًّا، بدأت ثروة دونالد ترامب في النمو.

ربما كان النواب الجمهوريون على علم أكيد بأن ترامب سيتعاطف مع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان؛ لذلك كانت مواقفهم واضحة منذ البداية

ولكن لأنه محدود القدرات فإن استثمارات ترامب تعرضت لأزمتين حادتين كادتا توديان بكل ما يملك؛ الأولى عام 1990م، والثانية عام 2005م، ولم ينقذه من هاتين الأزمتين إلا المنطق الرأسمالي الأمريكي الذي يمجد المال، ولا يعرف للمبادئ أو القيم مكاناً، وهو ذاته منهج ترامب؛  إذ ورد عنه قبل بزوغ نجمه بكثير عام 1987م قوله: "لو أخذت صفحة كاملة من نيويورك تايمز لأعلن فيها عن مشروع؛  فإن ذلك سيكلف 40 ألف دولار، ولكن في حال كتبت الصحيفة حتى مقالة عمود واحدة إيجابية حول إحدى صفقاتي؛ فلن يكلفني الإعلان أي شيء"، فالأمر إذن شراء الذمم.

كما أنه تهرب ضريبيًّا؛ حيث كتبت صحيفة نيويورك تايمز عام 2016م عن الإقرار الضريبي لعام 1995م لترامب، وفيه ما يفيد بأنه أعلن عن خسائر بقيمة 918 مليون دولار؛ ليتجنب بذلك دفع ضرائب على دخله لأكثر من 10 سنوات. ومبدأ شراء الذمم هو المنهج ذاته الذي استخدمه للصعود سياسيًّا، وهذا ما ينقلنا إلى الإجابة عن تساؤل آخر:

 

كيف نجح في أن يكون مرشح الرئاسة عن الحزب الجمهوري؟

وللإجابة باختصار نقول: لقد وصل ترامب إلى تمثيله لحزبه عبر فعله الأمور التالية:
– السعي بكافة الطرق وباستخدام كل الوسائل إلى تحطيم خصومه ومعارضيه؛ مرة بالتجاوز، وأخرى بالتشكيك، وثالثة بإلقاء التهم، دون مراعاة لأي أعراف أو أخلاق أو تقاليد، ومن ذلك قوله عن منافسته كارلي فيورينا: "انظر إلى ذلك الوجه! من سيصوت له؟"، وهناك كلمات أقذر من ذلك بكثير قالها عن خصومه ومعارضيه.

– الخطاب الشعبوي التعبوي الإقصائي الذي جمع حوله الأمريكيين ذوي البشرة البيضاء الذين غدوا يخشون أن تتفلت بلدهم -بزعمهم- من بين أيديهم، وساعده في نجاح هذا الخطاب أن الرئيس الذي سبقه أمريكي أفريقي وهو باراك أوباما، ما زاد الرعب في قلوب هؤلاء؛ فالتفوا حول ترامب.

– المال.. المال.. المال.. وهو ما صرح به ترامب أكثر من مرة من أنه أنفق الكثير لأجل أن يصبح رئيساً، وهو ما أكدته كافة التقارير المالية المرتبطة بالإنفاق على الحملات الانتخابية.

وبالأسباب ذاتها التي فاز عبرها ترامب بترشح حزبه؛ نجح في الفوز على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، يضاف إليها أسباب أخرى؛ مثل التدخل الروسي، وأخطاء هيلاري الاستراتيجية، ورغبة الأمريكيين في التخلص من آل كلينتون الذين لم يتركوا الإدارة السياسية منذ تولى بيل كلنتون رئاسة أمريكا عام 1993م، وفق ما قام محللون بذكره تفصيلاً ولا يسع المجال هنا لذلك.

نجح ترامب في أن يكون رئيساً للولايات المتحدة.. فكيف كان تصرف النخبة السياسية بعد ذلك؟

بالنسبة للنواب الديمقراطيين في الكونغرس فالمسألة كانت المعارضة على طول الخط، أما موقف النواب الجمهوريين فقد تراوحوا بين تأييده أحايين كثيرة، ورفض ذلك في أخرى؛ إذ رفضوا مثلاً اعتراضه على المشروع الصحي المعروف بـ"أوباما كير"؛ بينما أيدوه في أمور أخرى أبرزها اعتماد مرشح ترامب للمحكمة العليا القاضي بريت كافاناه والمتهم بتجاوزات جنسية بالرغم من رفض الشارع الأمريكي له، وبالطبع النواب الديمقراطيين في الكونغرس؛ إلا أن النواب الجمهوريين وقفوا إلى جانب ترامب وتم اعتماد الترشيح.

نعت جاك ريد، النائب الديمقراطي وعضو اللجنة العسكرية التابعة للكونغرس، ترامب بالكاذب في ادعائه أن تقرير وكالة الاستخبارات لم يحدد اسم ابن سلمان كمتهم مباشر بقتل خاشقجي
نعت جاك ريد، النائب الديمقراطي وعضو اللجنة العسكرية التابعة للكونغرس، ترامب بالكاذب في ادعائه أن تقرير وكالة الاستخبارات لم يحدد اسم ابن سلمان كمتهم مباشر بقتل خاشقجي
 
ماذا عن موقف الجمهوريين بعد أزمة مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي؟

ربما كان النواب الجمهوريون على علم أكيد بأن ترامب سيتعاطف مع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان؛ لذلك كانت مواقفهم واضحة منذ البداية، حتى قبل أن يبرز اسم ابن سلمان كمتهم مباشر؛ ومن ذلك تصريحات ليندزي غراهام، أحد أقرب النواب لترامب نفسه؛ حين أعرب يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن خيبة أمله في ابن سلمان الذي كان يظنه إصلاحيًّا سيقود السعودية والمنطقة للنهضة؛ إلا أنه خيب ظنه.

كما اتخذ النائب الجمهوري العريق بوب كوركر موقفاً متشدداً من المملكة وابن سلمان منذ البداية، دون انتظار لاستبيان موقف ترامب. وتوالت كذلك تصريحات الجمهوريين الرافضة لموقف ترامب؛ إذ أكد النائب الجمهوري مايك لي أنه لا يتفق مع ترامب في موقفه، وقال بين ساس عن ترامب: "يختلف الأمر بين أن تكون براغماتيًّا وأن تصبح ضعيفاً لدرجة عدم قول الحقيقية"، وقالت جوني آرنيست:"لو أن هناك أي إشارة إلى أن الأمير له علاقة بجريمة القتل تلك، فسيكون علينا أخذ خطوات أخرى"؛ فيما دعت سوزان كولينز الكونغرس للتحرك.

وغني عن الذكر الإشارة إلى مواقف النواب الديمقراطيين، وتشددهم من المملكة وابن سلمان، ومعارضتهم الشديدة لترامب؛ لدرجة أن نعت جاك ريد، النائب الديمقراطي وعضو اللجنة العسكرية التابعة للكونغرس، ترامب بالكاذب في ادعائه أن تقرير وكالة الاستخبارات لم يحدد اسم ابن سلمان كمتهم مباشر بقتل خاشقجي، في إشارة إلى التقرير الذي سربته إحدى مكونات الدولة العميقة، وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ونُشر يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وخلصت فيه إلى أن محمد بن سلمان أمر بقتل جمال خاشقجي في اسطنبول الشهر الماضي، وهو ما تنفيه السعودية.

لم تقف الدولة العميقة من إعلام وقضاء واستخبارات مع ترامب منذ تولى الرئاسة؛ بل إن الإعلام جعله مادة للسخرية منذ رشح نفسه ليكون ممثلاً لحزبه في انتخابات الرئاسة

هذا التقرير الذي أحدث ضجة بين نفي ترامب أنه اتهم ابن سلمان بشكل مباشر، وتأكيد جاك ريد أنه فعل وأن ترامب يكذب، دفع بوب كوركر الجمهوري ورئيس لجنة العلاقات الخارجية مجلس الشيوخ وبوب ميندنيز أكبر عضو ديمقراطي فى اللجنة إلى مطالبة إدارة ترامب بأن تدرس إن كان ابن سلمان مسؤولاً عن قتل خاشقجي وإلى التوصل إلى "موقف" بشأن ذلك، كما طالب كروكر رئيسة الاستخبارات بالإدلاء بإفادتها. أما الديمقراطي آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب المقبل؛ فقد صعَّد مستوى المواجهة حين أعلن أن اللجنة ستحقق مع ترامب ذاته بسبب علاقاته مع السعودية، مؤكداً أن الأهم هو مصلحة الولايات المتحدة لا ترامب.

ولا يمكن هنا إغفال وسائل الإعلام ودورها الكبير في مواجهة ترامب حول موقفه من مسؤولية ابن سلمان في قتل خاشقجي؛ فهي، وعلى رأسها واشنطن بوست التي كان يكتب فيها خاشقجي، تقف موقفاً حازماً وعنيفاً ضد ترامب وابن سلمان والسعودية. وكذا موقف المؤسسات الاقتصادية الأمريكية ورجال الأعمال الأمريكيين الذين اعتذروا عن المشاركة في دافوس الصحراء الذي عقدته الرياض في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لم تقف الدولة العميقة من إعلام وقضاء واستخبارات مع ترامب منذ تولى الرئاسة؛ بل إن الإعلام جعله مادة للسخرية منذ رشح نفسه ليكون ممثلاً لحزبه في انتخابات الرئاسة، وما ذاك إلا لأنه رئيس لا ينتمي للمؤسسة السياسية، ويعتبره كثيرون قد قفز بالمظلة على كرسي الرئاسة مستغلاً أموراً كثيرة ومستخدماً أدوات عدة للوصول إليه، وقد أوضحت أزمة خاشقجي أن الدولة العميقة لم تقف مع ترامب فقط؛ وإنما تقف الآن ضده، وربما ضد بقائه. ومن المنطقي أن يقف الحزب الديمقراطي موقف المعارض لرئيسٍ من حزب آخر؛ فكيف والرئيس هو ترامب؟

أما الحزب الجمهوري فهو محل الحديث كله؛ إذ إن الحزب تراوح منذ تولى ترامب الرئاسة بين الوقوف في صفه غالباً باعتباره ممثلاً لحزبهم وأن عليهم دعمه، بل اضطرارهم لذلك، وبين معارضته في مواقف اشتط فيها كثيراً؛ نظراً لأنه حقيقة لا ينتمي لمؤسسة الجمهوريين السياسية. لكن أزمة خاشقجي هذه تكاد تثير تساؤلاً كبيراً: هل نفد صبر الحزب الجمهوري على ترامب فاتخذ قراراً بالانضمام إلى صف الدولة العميقة والتخلي عنه؛ ما يؤذن بقرب انتهاء ترامب وعهده؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.. وإنا لمنتظرون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.