شعار قسم مدونات

لم أنهي متطلبات نجاحي ولكنني نجحت!

blogs تخرج

كانت مجرد دقائق قليلة، لكنّها ذات ثُقل كبير، كانت تدق عقاربها بصوتٍ رنان، يثير في قلبي أجراس الرعب والخوف، فيزيد توتري أكثر، لأقضم أظافري واحد تلو الأخر مع حركات اهتزازية بالقدمين متتابعة بسرعة كبيرة، توتري كان ملحوظ وكأني مدانةٌ بأمرٍ ما وسَيُعْلَنَ في حقي قرارٌ حتميّ، كانت ثلاث دقائق فقط ولكنهم كثلاثين سنة عجاف، ثلاثين سنة وقرن من الهروب من الواقع واللجوء إلى عالم الأحلام ذلك الممزوج ببعض من الأحداث المرسومة والمرجوة بداخلي منذ نعومة أظافري، لطالما كانت تكبُر مع كل ثانية من عمري والتي كانت قد مرت والآن أصبحت تقبع بين عداد الماضي.

 

مرّت كل تلك الآمال والأحلام كالسراب، فأمسكت بظلها لأتشبث بها، لتتلاشى بلمح البصر لأسقط على واقعي فأرتطم بخيباتي الموجعة، هَربَتْ من بين أناملي بسرعة البرق فلم أعد أراها حولي تحوم كالفراش، فهطلت أول دمعة من عيني، وكأن فصل الشتاء كان قد أُعلنَ بداخلي منذ تلك اللحظة، وأقسمت دموعي على الانهمار لمدة ثلاثة أشهر متتاليات دون انقطاع، وكأن الحياة صفعتني بكل قوة فألقت بي بعيدة كل البُعد عن أمنياتي، فكانت صفعاتها كسكين غدرٍ في ظهر مسيرة نجاحي السابقة، لطالما كنت أحظى بالمراتب العُليا في صفوف عمري.

أُعلنت النتائج وانا أناجي الله بيني وبين نفسي، مهيئة ذاتي لقفزةٍ طويلة تصل بي إلى أعالي الغيوم من فرط فرحتي المنكوسة، ظللت أردد بدعواتي حتى انهارت قواي وخارت قِوى نفسي هامدة حين أخبرتني شقيقتي بأنّي لم أنجح كالبقية، وألفٍ من الخطوط الحمراء أسفل كلمة" البقية "،البقية أجمعهم كانوا قد حالفهم الحظ ولكن الحظ غدر بي هذه المرة، وألقاني في زاوية الفشل ورمى بأحلامي بعيدًا، لأراها تطير من نافذتي مودعتني غائرة نحو الغيوم لتتلاشى هناك دون رجوع، لدقيقة من الصمت بداخلي، صفيرٌ حاد بأذُناي، أصواتٌ بعيدة يعلو صداها بنبراتٍ حادة دون استيعابي لمحتواها، نظراتي الهائمة على الهاتف، بإسمي الرباعي يقبع فوق رقمٍ ذو خمسة خانات لتنحدر من أسفلهم جملة (لم ينهي متطلبات النجاح).

ظللت أردد بذاتِ الدعاء فنفسي اليعقوبية تشتاق لحلمها اليوسفي، فأجمعني به يا الله، لحين موعد ظهور نتيجتي، فكانت بكل فخر "ناجح" لأقفز حينها كتلك القفزة المبتغاة منذ أشهر قليلة قد مضت

لم ينهي متطلبات النجاح، جملة من أربع كلمات كانت كافية لأن تفتح للشامتين أبوابًا عِدة، أبواب المواساة بطريقة تُرجعك للخلف بأميالٍ غفيرة لخطواتك القادمة، نظرات الانكسار لِمن حولي، انكسار ذاتي وتحطم رغباتي بالذات، انا التي كنت اطمح للأعلى دومًا، أراني في القاع أجلس هناك دون حِراك. بدايةُ فصلٍ جديد، وبداية الكلام المعتاد ل" لا عليكي ستعوضينها إن شاء الله "، "أُنظري حولك الكثير منهنّ لم يحالفهنّ الحظ "، وكأني لا أعلم بهذا كله، لكني كنت أريد أن أكون برفقتِهنَّ في زاوية المحتفلين هناك، كنت في الخلف أتحاشى نظرات الشفقة وأنظر إليهنّ فأرسم نفسي بينهنّ مخاطبة " ما الضير إن كنت برفقتهنّ الآن؟"، ودوامة من الأفكار المضجرة تبدأ بالدوران بي حول مجرياتٍ لم ولن تحدث، لأصطدم بصوت إحدى المعلمات معاتبة فتزيد فوق قهري أمطارًا أخرى من النوع ذاته، ليزداد ذلك الألم الذي يقبع في منتصف قلبي، فتزيد من فتيل النيران المشتعلة بداخلي، فتزداد حالتي سوءًا عما سبق، لم تمضي سِوى بضعة أيام لتبدأ احتفالات النجاح بهنّ.

 

وبدأت معها مرحلة أخرى من الانهيار والبكاء الليلي برفقة الوسادة، كم كنت أتمنى أن أكون هناك ولو للحظة، أن يُنادى بإسمي فيضمني والدي بين ذراعيه فخورًا، لكن ذلك لم يحدث، فعهدت على نفسي مواصلة حياتي وكأن شيئًا لم يحصل فترافقني دمعاتي وبعض من الكلمات الشامتة بطريقة تغلف بداخلها كل ذلك الحقد المخبأ منذ سنين عِدة، نفذت الدموع وتهالكت قوتي فأصبحتُ روحًا هالكة تحوم بداخل جسدٍ ميت مليءٌ بآثار الحزن والخيبة، وتتابعت الأيام والأشهر لأجدني أجلس في زاوية الغرفة ذاتها وأناجي الله بيني وبين نفسي بصوتٍ خفي أخاف أن يسمعه الشامتون فيضحكون على رجائي المستحيل -كما قاموا بوصفه من قبل- ( ربي ولا تفجعني بفرحتي هذه المرة).

 

ظللت أردد بذاتِ الدعاء فنفسي اليعقوبية تشتاق لحلمها اليوسفي، فأجمعني به يا الله، لحين موعد ظهور نتيجتي، فكانت بكل فخر "ناجح" لأقفز حينها كتلك القفزة المبتغاة منذ أشهر قليلة قد مضت، فاحتضنتهم فردًا فردًا وأصرخ قائلة "نجحت نجحت"، لقد فعلتها وصنعت من انتقاداتهم سلم أصعد من خلاله فوق آفاقهم المحدودة لأصل أنا إلى ما أريد ويبقون هم ذاتهم هناك حيث مكانهم يلقون بكلماتهم الساذجة دون حراك، أعزائي ابقوا حيث أنتم، فأنتم لستم سِوى حجارة الطريق وقد أمطناكم أذى، كُتبت لنا أجر الصدقة وأكملنا طريقنا بنجاح.

كانت دقائق هذه المرة ترسم لي طريقٌ آخر من الفرح بعيدًا عن الحزن والإنكسار، لا أنكر ذاتي في ذلك الوقت،  ولا أدّعي بأني الآن بين أحلامي هناك أتربع مفتخرةً، بل أنا الآن أحقق بأحلامٍ جديدة، أحلامًا ليست بمتناول الجميع، لربما يُذهب الله عنا بعض الأشياء التي لطالما حَلُمنا بها منذ الصِغر، لشرورها إن تحققت، فيعوض الله صبر قلوبنا بأشياءٍ أخرى تُبكي الروح خجلًا من كَرَمِ الله، لتسجد حينها في ذات اللحظة مرددًا الحمدلله الحمدلله الحمدلله، لتغلق باب الشامتين وتوصده بكل قوة أمامهم وتكمل طريقك نحو النجاح لتلتفت خلفك فتراهم ما زالوا يصارعون ألم الفشل في الخلف، لطالما كانوا يحطمونَك بكل قوة يملكونها فتصيبهم القشعريرة إن شاهدوك في حالٍ كما لم يتمنوها لك من قبل، لن تضحكك عليهم كما فعلوا ولن تغلف مواساتك بخبثهم المعهود، بل ستفتخر بأنّك كنت قد سبقتهم بآلاف الأميال، فحطمتَ آمالهم الخبيثة كما حطّم إبراهيم -عليه السلام- أصنام قومه .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.