شعار قسم مدونات

هل يمتلك الناجحون سرا خاصا؟

مدونات - طريق النجاح

من منا لا يريد أن ينجح في مجالٍ ما؟ من منّا لا يريد أن يكون ناجحاً في نظر نفسه أو في نظر من يريد منهم أن يروه ناجحاً متفوقاً؟ ما هو هذا النجاح الذي يبحث عنه الكل ويريدونه بشدة؟ ماذا يكون هذا الشّيء المقدّس الذي تسعى إليه النّفوس وتتنافس من أجله كل هذه الحشود والرؤوس؟ للنجاح يا سادة تعاريف كثيرة، تختلف منظوراتها من شخص لآخر، فالله لمّا خلقنا جعلنا مختلفين عن بعضنا في تركيبتنا الجسمانية والنفسية، فحتى في التوأم المتطابق هناك اختلاف بيّن ظاهر كاختلاف الليل والنهار.

وكان قد ميّزنا الله بالعقل، وخلق فينا بالفطرة غريزة النبوغ وحب التملّك والتفوّق وبلوغ القمم، وهذه الحكمة الإلهية كان الغرض منها خلق المنافسة بين بني البشر، وتلك المنافسة هي ما تجعل منا أفضل، ومن هذا العالم مكاناً أنفع وأنسب لنا وللأجيال القادمة.. والله أيضاً جعل لكل منا مجالاً ما في هذه الحياة، فمنّا الطبيب ومنا البيطري.. ومنّا الحرفي والتّاجر.. ومنّا ما دون ذلك أو أعلى. وجعلنا نختلف حتى في المجال نفسه، فنجّار الحي ليس كنجّار المدينة، فلكلّ أسلوبه، ولا يتشابه ذو حرفة مع آخر حتى يناقضه في أمور أخرى وهكذا..

أنريدُ نجاحاً حقيقيا نابعاً من قلوبنا عن حب ورضى؟ ليرضينا لاحقاً ويجعل منّا سعداء مسرورين، أم نريده نجاحاً وهمياً غير حقيقيّ كسراب، يخلّف في أنفسنا لاحقاً ندمًا وحسرات؟

فلو سُئِلنا إذاً عن تعريف محدّد لكلمة "النّـجاح" لأجبنا إجابات مختلفة لا تكاد تتطابق حتى تختلف مرة أخرى في تفاصيلها.. فمنّا من يرى النجاح مرهوناً في شهادة أو دراسة.. ومنّا من يراه صعب المنال إلا بامتلاك ثروة أو تجارة.. ومنّا من يراه لا يكون إلا ببلوغ منصب سامي وريادة.. ومنّا من يراه فقط مجرد راحة بال وسعادة.. لذا لا يمكن حصر النجاح في كلمة واحدة أو مفهوم موحّد، حتى لا نقع في فخ المقارنة السخيفة بين البشر، فلا أحد أفضل من آخر، ولكلّ منا نجاحه الخاص الذي يسعى إليه.

وقد تجد من يسعى للنجاح في عدة ميادين معاً، لكن مفهوم نجاحه الأوّلي الذي يسعى إليه لم ولن يتغير، فالساعي إلى المال لن يرضى بغيره تعريفاً لنجاحه، فحتى لو كسب كلّ شهادات الدنيا لن يسعد إلا بعد تحقيق ذلك الاستقرار المالي الذي يبحث عنه.. لذا من يريد النجاح عليه أن يختزله أولاً في تعريف واحد يخصّ شخصه هو، دون أي مقارنات طفولية مع الآخرين. ثم عليه أن يطلق العنان لإبداعه الخاص الذي يميزه عنهم، وأن يقارن نفسه دائماً مع نفسه وفقط، ما كان عليه بالأمس وما صار إليه اليوم، وهكذا.. لكن! هناك دائماً عدوّان يتربصان بمن يطلب هذا الشي المقدّس!

هذان العدوّان أوّلهما الرغبة في الاستسلام، وهي أمر حتمي يحدث لحكمة إلهية لكل طالب أو ساع وراء نجاح. وكأن بالشيء الذي تطلبه يختبر شدّة صبرك وتحمّلك، وحقيقة سعيك وراءه، أهي حقيقية نابعة من جوارحك؟ أم هي وهمية متدفقة من رغبة زائلة، منبعها مقارنةٌ سخيفة مع أحدهم، لتصير نسخة طبق أصل عنه. وثانيهما تلك التحديات والعقبات التي ستصادفك في طريقك والتي سيزداد وقع ضرباتها عليك يوماً بعد يوم، لتزداد الشِدّة كلما كان النجاح المطلوب أعلى وأكبر. وهكذا تتم عملية الفرز والتمحيص طوال تلك الطريق الشّاقة، لتبقى في الأخير فقط تلك الثلّة الصابرة المثابرة، التي ستنال بجدارة ما سعت وتعبت وسهرت من أجله.

وأخيراً لم لا نسأل أنفسنا هذا السؤال! أنحنُ نريد نجاحاً حقيقيا نابعاً من قلوبنا عن حب ورضى؟ ليرضينا لاحقاً ويجعل منّا سعداء مسرورين، لكنّ طريقه طويلة شاقّة سلاحنا فيه الصبر والدعاء وبعض الدعم والمساعدة من محبّينا.. أم أننا نريده نجاحاً وهمياً غير حقيقيّ كسراب، يخلّف في أنفسنا لاحقاً ندمًا وحسرات؟ سلاحنا فيه المقارنة والغش، المنافسة الغير شريفة وحب التقليد. سنجيب عن هذا عندما ننفصل عن جميع البشر، لنبقى مع أنفسنا لنتفكّر ونتدبّر في ماهية نجاحنا وأهدافنا، لنَسعَد ونُسعِد اليوم على هذه الأرض وغداً يوم العرض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.