شعار قسم مدونات

غياب القدوة.. تخلص من التقليد الأعمى أم تفكك للمجتمع؟

blogs الشباب

تعتبر القدوة أساسا هاما في حياتنا خاصة إذا كان الشخص في أول عمره، لم يخض كثيرا من التجارب أو يعارك الحياة بصعوباتها والمشاكل، هنا يبدأ بالبحث عن قدوة يتخذها مثلاً وأسوة تساعده على اتباع الطريق القويم وتمده بالتجارب والخبرات التي تصقل شخصيته وتساعد في تكوينها، من هنا تأتي أهمية القدوة في الحياة إذ أنها تسهل على الشخص جزءا من المهام التي يسعى من خلالها لرسم طريق نجاحه، واتباعه للآليات التي ساعدت القدوة على الوصول إلى ما هو عليه من نجاح وتقدير ومنزلة رفيعة.

وفي هذا الصدد لا بد أن نتساءل ما هي القدوة؟ ما هي الصفات الواجب توافرها فيها لنتمكن من اتباعها والاقتداء بها في حياتنا؟ هل يمكننا الاقتداء بأي كان واتخاذه مثلا في حياتنا؟ بالرجوع إلى القرآن الكريم وتتبع الآيات التي تتحدث عن القدوة، نجد أن "القدوة الحسنة نموذج إنساني حيٌّ، يعيش ممثِّلاً ومُطبِّقًا لذلك المنهج الرباني الذي جاء به القرآن"، فالقدوة الأحق بالاتباع هي القدوة التي تنتهج الشريعة الربانية طريقا للعيش والتعامل، وبناء عليه نرى الصحابة الكرام يتأسون برسولهم الكريم ويتبعون منهجه، إذ يخاطبهم تعالى في سورة الأحزاب بقوله: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، وفي قوله (لقد كان) نرى أنها -أي القدوة- شيء فطري عند الانسان يسعى إليه منذ بدء الخليقة، فهي الدافع لوصول الشخص للمعالي والارتقاء بذاته ومجتمعه.

وفي هذا أقول أن الرسول –عليه السلام- كان منذ عهد الصحابة وما زال إلى يومنا هذا المثل الأعلى في القدوة الحسنة، والأحق بالاتباع والتأسي به قولا وفعلا وعملا، فمن اتبع قدوة حسنة علا وارتفع بدينه وأخلاقه وفاخر بها ودعا إليها أينما ذهب، ومن اتخذ قدوة سيئة هوت به إلى الحضيض بالانحطاط والجهل وبتقليدها الأعمى ليصير مضربا للسوء أينما حل وارتحل.

تكمن المصيبة في الاقتداء ببعض الأشخاص الزائفين في جعل الشباب ينحرفون عن المسار الصحيح إذ تصبح تصرفاتهم وأفعالهم شبيهة بتصرفات من اقتدوا بهم، مما يؤدي إلى دخولهم في متاهات الحيرة والضياع

ومن هذا المنطلق نرى أن القدوة لها صفات خاصة –كالنجاح، واتباع المنهج الصحيح، والهمة والعزيمة- يجب أن تتوافر في الشخص تؤهله لهذا الأمر الجلل، وفي هذا السياق يعتبر البحث عن القدوة إحدى مشاكل العصر الحديث خاصة لدى الشباب، فالمشكلة التي يواجهها ليس في غياب القدوة فحسب، بل إنها تتمثل في غياب القدوة الحسنة الصالحة التي تكون عونا للمرء على النجاح والتفوق، هذا إذا استثنينا الفئة التي يمكن أن تصنع لنفسها دربا وتشق طريقا للنجاح دون الاقتداء بشخص معين، وفي هذا –أي الاقتداء بالنفس- نوع من الاعتداد بها والاعتماد على الذات لا يكون إلا عن أصحاب العزيمة والهمة العالية، أضف إلى ذلك ما يحتاجه هذا الأمر من يقظة وحذر لا يتوافران عند الكثيرين من شبابنا الذين غرقوا في دوامة الانفتاح المعرفي والثقافي، الأمر الذي جعلهم مؤهلين ومهيئين في كثير من الأحيان لاستقبال ثقافات ومعارف مناوئة لمعتقداتهم ومبادئهم، لتفضي بهم في نهاية المطاف إلى الاقتداء بشخصيات قد لا تحمل أيا من صفات القدوة الحسنة مما يعود بالسوء والوبال على حياتهم وتصرفاتهم وشخصياتهم.

البعض تراه يقتدي –على سبيل المثال – بممثل أو مغني أو شخصية مشهورة ظنا منه أن كون هذه الشخصية معروفة أو مشهورة يجعلها تصلح لأن تكون قدوة ونموذجا يحتذى به، وأنها قد توصل المقتدي لعرش الشهرة التي وصل إليها ذاك الشخص أو جعله معروفا بين الناس، غافلا في ذلك عن الطرق الملتوية والأساليب المشوهة التي يكون الممثل أو المغني قد سلكها في سبيل الوصول إلى غايته وشهرته الزائفة.

وتكمن المصيبة في الاقتداء بأشخاص كهؤلاء في جعل الشباب ينحرفون عن المسار الصحيح إذ تصبح تصرفاتهم وأفعالهم شبيهة بتصرفات من اقتدوا بهم، مما يؤدي إلى دخولهم في متاهات الحيرة والضياع التي تؤدي إلى تشتتهم وانحرافهم عن المسار الصحيح بالابتعاد عن أهدافهم، أضف إلى ذلك التقليد الاعمى الذي يجعل من المقلِّد نسخة مغيبة عن الشخص المقلَّد، ليصير إمعة يقول بقول قدوته ويفعل فعلها دون أن يدرك عواقب ما يقوم به أو يقبل عليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.