شعار قسم مدونات

تطبيع السنوار.. هكذا تأكدت براءته

blogs حماس

قبل نحو شهرين، تلاهث الإعلام الفلسطيني بنشر ما ادعته وسائل إعلام عبرية بأن يحيى السنوار قائد حركة حماس في قطاع غزة، قد أجرى مقابلة صحفية لصالح الإعلام العبري، الأمر الذي نفته حركة حماس قولاً وفعلاً على اعتبارها رافضة لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث أكدت أن المقابلة كانت لصحيفة إيطالية أجرتها صحفية إيطالية، وكانت قد سبقت الإعلام العبري في نشره للنص الكامل، حيث نشرت حركة حماس نص المقابلة حرفياً فور إعلان الاعلام العبري عن نيته نشر مفاجأة حوارية مع السنوار، وكذلك خرجت الصحفية الإيطالية في فيديو مصوّر تنفي الادعاء الصهيوني وتؤكد أن المقابلة كانت لصالح مؤسستها الإعلامية التي تعمل بها، وليست لصالح الإعلام الإسرائيلي، وأن السنوار تعامل معها بفائق الاحترام والصدق والحنكة.
 
ولكن الإعلام الفلسطيني – على اعتبار غالبيته حزبي ضيّق الرؤية ولا يتحقق من معلومته ويتسارع في تشويه صورة الخصم السياسي له – تسابق في الطعن بأبي إبراهيم السنوار في محاولة لإضعاف صورته التي تخشاها دولة الاحتلال بأكملها، مستنداً بذلك إلى الإعلام العبري، وكأن الاحتلال يصدق في شيء لنصدقه في قوله هذا. ولأن حبال الكذب قصيرة، والأيام كفيلة بإثبات الحقائق، كانت الحقيقة على لسان الإعلام العبري ذاته حيث ظهرت بصورة غير مقصودة قطعاً في مقال نشره الصحفي الإسرائيلي دورون فسكين على موقع كلكست العبري، والذي تحدث فيه عن الأجنحة العسكرية في غزة على رأسها كتائب القسام، مفصلاً إياها عسكرياً ومادياً، في محاولة لطرح رؤيته بأن القطاع بات معقلاً للآلاف من الغزيين الذين يتوزعون في قرابة 50 جناحاً عسكرياً يعملون جميعهم ضد الاحتلال، حيث قال فسكين بأن "السنوار لا يريد الذهاب إلى حرب مع دولة الاحتلال لعدة أسباب وهذا ما قاله لصحيفة إيطالية قبل أشهر"، وهنا نطق بالحقيقة بغير قصد أو ربما بقصد.
 

فشل الاحتلال في الإيقاع بالسنوار، ولكنه أوقع بالإعلام الفلسطيني، فليكن هذا درس للإعلام الفلسطيني والعربي والعالمي ألا يثقوا بالإعلام العبري وكأنه الأصدق قولاً

وهنا ندخل في الحديث عن الصراع النفسي والعقلي التي عملت دولة الاحتلال من خلاله لتثبيت صورة السنوار في ذهن المواطن الفلسطيني بأنه مارس التطبيع مع الاحتلال، وتركت له التحليل إما كان ذلك قصداً أو من غير قصد، وشخص بحنكة السنوار لا يمكنه السقوط في مثل هذا الوحل المشين لعدة أسباب، تتمثل في كونه رجل ذو خلفية عسكرية قوية ومحنّك وأسير محرر أمضى في سجون الاحتلال سنوات طويلة، وكذلك أخذه الحيطة والحذر دائماً من كل كلمة تصدر عنه خاصة في ظل الظروف التي تعصف بالقضية الفلسطينية، عدا عن الحس الأمني الذي يتمتع به السنوار كونه رئيس حركة حماس في القطاع، الأمر الذي ليس من السهل أن يقابله أحد الصحفيين الأجانب دون تأكد الحركة فعلاً من الصحيفة والصحفي وما شابه.
  
وتناطح الإعلام الفلسطيني بالقول بأن السنوار أخطأ، متنافسين مَن منهم سيقدم رؤية تحليلية لواقعة، فاتحين المجال أمام أوهام التحليلات التي أشارت إلى أن السنوار إذا وقع في هذا الفخ – وهو أن يقابله صحفي إسرائيلي معرّفاً عن نفسه بغير ذلك دون تأكد حماس من ذلك – يدلل على ضعف الحس الأمني الذي يتمتع به شخص السنوار، وآخرين ذهبوا بعيداً عندما قالوا بأن حماس بدأت عهداً جديداً في تعاملها وتفكيرها تجاه دولة الاحتلال، حيث أصبحت ليّنة متقبلة لفكرة وجود الكيان الغاصب، على افتراضهم أن السنوار كان يعلم بأن المقابلة كانت لصالح الإعلام العبري.
 
هنا فشل الاحتلال في الإيقاع بالسنوار، ولكنه أوقع بالإعلام الفلسطيني، فليكن هذا درس للإعلام الفلسطيني والعربي والعالمي ألا يثقوا بالإعلام العبري وكأنه الأصدق قولاً، فلو علمنا حجم الرقابة العسكرية التي تفرضها دولة الاحتلال على إعلامها لأدركنا محاولات الاحتلال المستميتة في ضرب البنية الوطنية الفلسطيني من خلال دسّ السموم، وجعل العقل الفلسطيني يتقبل صورة قائد فذ كالسنوار وهو يمارس التطبيع، حتى يسهل على الشعب الفلسطيني كمواطنين قبول التطبيع مع الاحتلال بعد أن كان يعتبرها خيانة وطنية. عذراً منك أبا ابراهيم، إنهم ضلّوا القول فاتهموك زوراً، وجعلوا من الإعلام العبري قولاً فصلاً ونسوا أن الإسرائيليات منذ عهد النبوة كاذبة ومحرّفة، ثم إننا صدّقناك قبل أن تُقال فيك الأقاويل، ولم ننتظر أن يبرؤك أحداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.