شعار قسم مدونات

عندما قررت أن أقرأ في مفهوم الحركة النسوية ومعناها!

BLOGS النسوية

قبل سنتين من الآن كنت أنا من أشرس مهاجمي النسوية، بحجة أنها حركة تدعو للتحرر من الأخلاق أولا ومن ثم الدين، وأنه إن كنا نحن النساء نطالب بحقوقنا فهذا يعني بأننا لا نملك حقوقا من الأساس. كنت أرفض أن أقترب لأخذ فكرة واضحة عن مفهوم الحركة النسوية ومعناها، بعيدا عن التزامي بالدين، كان لا يمكن بالنسبة لي أن تكون هناك مساواة لنا مع الرجال، أولا لاختلافنا الكبير عنهم، وثانيا لأن المحيط الذي نشأت فيه واعتدت على أن أثق بأفكارهم وآرائهم، كان أبعد ما يكون عن النسوية، ونصحني أشخاص بأن لا أقرأ كثيرا عنها إن كنت سأظل في نفس المحيط، حتى لا أكون "مستفزة" منهم طوال الوقت.

كان الأدب والكاتبات الرائعات أمثال فرجينيا وولف التي كتبت عن الحركة النسوية في القرن التاسع عشر وتحديات الكاتبة لتحرر الصورة التي أخذها العالم عن المرأة لقرون عدة بواسطة الكتابة التي كانت محتكرة للرجال (كأفلاطون صاحب فكرة المدينة الفاضلة التي لم يكن بها مكان للمرأة المساوية في فكرها ومنزلتها الأطفال والعبيد)، وذكرتها في كتابها (غرفة تخص المرء وحده)، بالإضافة لجين أوستن، مي زيادة وسيمون دي بوفوار، وبالطبع العقلانية المنبوذة من الكثيرين نوال السعداوي، هم من أرسوا قواعد فهمي للحركة النسوية وتقديري لضرورة أن يكون للنساء مكانة ورأي وتقدير أكثر.

أولا وقبل كل شيء الحركة النسوية لا تدعو لكره الرجال ونبذهم، بل تنتقد المجتمع الذي يعامل المرأة على أنها درجة ثانية مهمشة وغير مهمة، الذي يضطهدها بأساليب غير منطقية ولا تمت للإنسانية بصلة، الذي يحقرها ويسلب حرية اختيارها للطريقة التي تستطيع عيش حياتها بها، ناهيك عن التعنيف المفرط، عقدة العار والنقص، وأنها كائن شيطاني لا يستحق شيئا.

هنالك نساء في بقاع مختلفة فقيرة وغير منفتحة، لا تمتلك المرأة حتى حرية جسدها وتفكيرها، تغدو مسلوبة الإرادة ولا يحق لها حتى أن تقرر مصيرها

وعلى الرغم من أنهم يحتاجونها ولا يستطيعون العيش دونها إلا أنهم يتذرعون بأتفه الأسباب حتى تبدو المرأة مخطئة، فإن تحرش بها شخص فغالبا هي السبب لأن المرأة المحترمة لا تمشي في الشارع أصلا، وإن اغتصبت فعليها أن لا تخبر أحدا ولا تطالب بحقها لكي لا تكون قد جاهرت بالمعصية!، وإن ساءت أخلاق أبناءها يقولون تربية امرأة، وعجبي!، كل خطأ يلصقونه بالمرأة. وليس ذلك فحسب بل على المرأة أن تتصرف بطريقة معينة، لا تخرج في الليل، لا ترفع صوتها، لا تجلس بطريقة معينة، لا تقول لا، لا ترفض لا تنتقد لا تعبر عن رأيها، لا تتطلق من زوجها، لا تعيش لوحدها. كل ذلك التحامل غير المنطقي، ويعيبون على المرأة أن تطالب بحقوقها.

ولكن الواقع أسوء من ذلك بكثير والمشاكل التي تتعرض لها المرأة بسبب تلك المنظومة أجل وأعظم، فالأمر لا يتعلق فقط بحرية اللبس والخروج والكلام، بل هنالك نساء في بقاع مختلفة فقيرة وغير منفتحة، لا تمتلك المرأة حتى حرية جسدها وتفكيرها، تغدو مسلوبة الإرادة ولا يحق لها حتى أن تقرر مصيرها، يتم ختانها حتى لا تجلب العار لعائلتها فتدنس شرفهم، شرفهم الذي اختزلوه بين ساقيها، فيمنعونها من التعلم أو الخروج من المنزل لأنه لا حاجة لها لفعل ذلك إن كان مصيرها بيت زوجها،-وأنا لا أقول هنا أن على المرأة أن ترفض مبدأ الزواج عامة، بل يجب احترام عقلها وجسدها ويكون لها هي القرار في اختيار مسارات حياتها-. ويتم كذلك ضربها وتعنيفها إن خالفت هذا المسار، يتم تزويجها من طاعن في السن وهي لم تتجاوز العاشرة، تنجب أطفالا وهي طفلة، هذا إن عاشت لتراهم، لأنها قد تتوفى أثناء ولادتهم.

الإحصائيات المتعلقة بهذه الأمور كثيرة، ولكن هل هذا يهم إن كن ضحايا، نساء لهن أرواح يتقن للحرية، لهن أماني بسيطة، لا تتجاوز أن يكن آمنات في بيوتهن، دون خوف من المجهول، دون ذعر أن يفتح الباب ليدخل منه رجل يشبعها ضربا نكاية في كل الظروف. في الشرق الأوسط حقوق الإنسان تكاد تكون معدومة للجنسين، ولكن المرأة يقع على عاتقها ظروف المنطقة والأوضاع المزرية، وتحامل المجتمع مسلوب الحقوق.

كل شخص في هذا العالم يرغب في أن يكون إنسانا حرا سليما معافى متعلم وحاصل على جميع الحقوق، وكذلك أطفاله، ولكن إن كان نصف هؤلاء الأطفال يكبرون ليجدوا أنهم إناث، لا يهم تعليمها ولا حتى ما تفكر به، تكبر لترى الفروق الشاسعة في المعاملة والحرية والامتيازات التي يحصل عليها الذكور في مقابل ما تتحمله من مسؤوليات لا تعكس رغبتها في الحياة، تتوق بعدها لأن تصبح ذكرا حتى تتنفس وتحظى بالحرية، تقدس الذكور، فتتقمص اضطهادهم لها، تكبر تلك الفتاة لتصبح أما، تنجب إناثا وذكورا، تربي الإناث بنفس ما ربت عليه، يزداد تقديسها للذكور لكونهم أبناءها، يصبح هؤلاء الذكور مضطهدين للمرأة، لا يقبلون أي صورة لا تعكس صورة المرأة الوحيدة التي عرفوها وهي والدتهم، وتتكرر هذه الدورة لتكون مجتمعا كاملا من مضطهدي النساء. هنالك أسباب عدة لتكرار هذه الدورة تبدأ بالفهم والتفسير الخاطئ للدين حتى تصبح في النهاية عادات وتقاليد مجتمع (مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) لا يستطيعون التنصل منه، ومن يخرج عنها متمرد ومارق عن دينهم الذي ابتدعوه.

لا بد لنا أن نضمن مستقبلنا إن كنا لا نستطيع تغيير حاضرنا، يبدأ ذلك التغيير بكسر دورة الحياة العقيمة تلك التي تستمر في تجريد المرأة من حقوقها مانعة إياها من التنفس، متناسين أن تلك المرأة تربي كل المجتمع، ناسين أن التحامل عليها يولد نساء مشوهات لا يفهمن معنى أن تكون الواحدة منهن امرأة، وما أسوء من امرأة ضعيفة لا تتفهم ولا تعرف معنى أن تكون امرأة! فلتترفع النساء عن تفاهات الأمور ولتبحث داخل نفسها عن حقيقة أن تكون معجزة تحوي معنى الحياة كلها وسببها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.