شعار قسم مدونات

مقتل خاشقجي.. موت أحيا وراءه العقول والقلوب

blogs جمال خاشقجي

تجاوزت الأحداث والروايات والأخبار التي نسمعها في الفترة الأخيرة طاقة استيعاب المواطن العربي البسيط، الذي يعنيه في يومه كسب رزقه وأداء واجباته ورعاية شؤون عائلته. عندما يتوارد لمسامعه اغتيال صحفي يدعى جمال خاشقجي في قنصلية بلاده، أو تقطيع جسده إرباً كوسيلة لإخفاء الجريمة البشعة أو تذويبها لنفس الغرض، أو كذبة أنه خرج من القنصلية بملابسه لكن بجسد شخص آخر. عندما يشاهد فيديوهات متقطعة منتشرة في شبكات الأخبار العربية والعالمية، ويرى بأم عينه المحدّقة وغير المستوعبة مجموعة من القتلة الذين يقومون بأقصر رحلة سياحية لبلاد ذات صيت سياحي وترفيهي عظيم قد يتمناها لنفسه من حين لآخر.

مجموعة تحمل ضمن حقائبها كل مستلزمات المتعة الضرورية في أي رحلة سياحية منشار وإبر مواد تخثير للدم، ولكن لن يقضوا إلا ساعات محدودة قبل عودة تبدو سريعة جدّا. عندها يكتشف المواطن البسيط بتفكيره البديهي والغير مركب، مدى غباء وبلاهة وعدم اتزان فعل دولة بحجم المملكة، أو بالأحرى ينكشف سريعاً عند سرعة عودة طاقم الـ 18 وجه، ولي عهد فضّ يسارع لدفع أي ضريبة مقابل حفظ العرش لحسابه دون غيره.. هذا ما تبادر لذهن المواطن البسيط بعد كم المعلومات الغريبة التي يسمعها الفترة الأخيرة.

ما تحقق فعلاً من هذه القضية الدولية هو درس في إدارة الأزمات قدّمه الطرف التركي الذي أحسن التعامل ونجح في تدويل القضية وجعلها أداة للضغط ومولّدا لآلاف التفاعلات والمواقف الدوليّة عبر العالم.

لكن لنسأل نفس سؤاله: ما هذا الجشع الذي يسطو على عقل أمير بأن يأمر بإنهاء حياة صحفي لا لشيء إلا لأنه عبر عن رأيه بحرية وباتزان ودون عصبية وسلاح؟ أن يتم إرسال مجموعة من القتلة بمهمة محدّدة وبمعدّات لا تدع مجالاً للشك في أن قتلهم لجمال خاشقجي هو قتل عمد مع سابق الإصرار والترصّد والنذالة. أن يتلو إجراء العملية اتصال بمساعد الأمير لتبليغه بأن الأمور تمت بنجاح. أن يعود القتلة السياح بعد إتمام المهمة مباشرة. هذا الأمير الذي منذ طلّ على الرأي العام العربي والعالمي وهو من أزمة إلى أزمة، ولا زال يحاول مسح لطخة الدمّ التي غرقت رداءه الملكي ويريد الآن التضحية ببيادقه مقابل استجداء الثقة من جديد للمحافظة على عرشه الواهن.

بين كل هذه التساؤلات وغيرها بين طرفي الجريمة، نجد هذا الأمير ومن معه من بيادق قد نجحوا في اغتيال صحفي ذاع صيته بين المحافل الدولية منادياً بالحرية والديمقراطية. صحفي يكتب في أكثر من صحيفة عالمية وله محاضرات ودروس في عدّة منابر. ونجد الشهيد الصحفي جمال خاشقجي الذي غرّر به في قنصلية بلاده التي دخلها راغباً في الحصول على ما يمكنه من الانطلاق في حياة جديدة مع خطيبته التي كانت تنتظره خارج المسلخ. ولكنه نجح في فضح فضاضة الحكم العضوض في المملكة ومسح الغبار على ديكتاتورية ترسّخت وفساد استشرى وخيانات تعاظمت وتفاقمت.

في المقابل ما يلفت الانتباه ويستدعي التحية هو الدور الذي لعبه الإعلام الحر في العالم بأن وضح الكثير من اللبس والروايات السعودية الكاذبة، التي تدرّجت في أكثر من حلقة من مسلسل إخفاء الحقيقة والتزوير واستغفال الرأي العام، في محاولة منها لتجاوز هذا الشرخ الذي أحدث في صورة المملكة لدى العالم الحر والديمقراطي. هذا الإعلام الذي حاول الأمير إخماد صوته وإطفاء شعلته وإلهاءه بقضايا أخرى لكي ينشغل عن فظاعاته مما جعل هذا الأخرق يلتجأ لإحداث اضطرابات هنا وهناك (غزة) حتى تستحوذ أحداث ومواجهات أخرى على الاهتمام.

هذا الإعلام الذي استجاب لنداء الشهيد فحقق وصيته واتبع خطاه ولم يشتت تركيزه على هذا الملف أي شوشرة مفتعلة من الأمير. وبقي هذا الأخير مختنقاً بين فعلته التي لم تنطلي على أحد وبين اهتراء التعاقد بينه وبين الرئيس الأمريكي الذي بات متردّدا في خصوص براءة بن سلمان من دم خاشقجي. فقد حاصرته (ترامب) هو الآخر الصحافة الأمريكية التي تقف على نشر التسريبات والقراءات في هذا الملف. وما تحقق فعلاً من هذه القضية الدولية هو درس في إدارة الأزمات قدّمه الطرف التركي الذي أحسن التعامل ونجح في تدويل القضية وجعلها أداة للضغط ومولّدا لآلاف التفاعلات والمواقف الدوليّة عبر العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.