شعار قسم مدونات

رسالة حياة لمن كسرت قلوبهم

blogs حزن بكاء

إلى أولئك الذين كسرت قلوبهم:

أما بعد؛

 

فالسلام عليكم وعلى حُطام قلوبكم البائسة، وأمان الله على ضَجيج وصَخباتِ أحوالكم، لتحفكم بركات الله، لتُحيط رَحمتُه ذاكرتكم؛ ليعمَّ النِسيان هُناك بين تفاصيل ذكراكم المميتة، لتَحيوا بقية ما تبقى لكم آمنين وهادئين، غير مُبالين لِما حولكم، أعاد الله عليكم نوره وسدد الله خطاكم بعيدًا عمن كانوا سببًا في أذيتكم..

 

حسنًا، لن أواسيكم كالبقية فأُرَّبِت على أكتاف أوجاعكم وأمضي، فأزيد من جراح الماضي حاضرًا طالما كانت نيرانه قد هدأت، سأكون ذلك الضِماد الذي طالما جفت قلوبكم انتظارًا له، سأكون ذلك الكتف لاتكائكم عليه، وسأكون صِمام هذا القلب المرتجف، سأجمع شظاياه المتناثرة وأضخ فيه الأمل بحذرٍ شديد، سأكون هنا بجانبكم حيث الطريق قد قُطعت بكم أوصاله، سأمد لكم من شرائع كلماتي حروفًا تبحرون فيها بعيدًا متناسين لحظة فراقكم، سأكون ساعدكم الذي كان قد قطع، سأكون عينكم التي كانت قد غفت في صراع البكاء سأكون حالكم هذه التي كانت قد ذبلت، سأكون ظلكم الذي كان قد خان اشراقك.

 

استشعروا بأمانه في قلوبكم، استجمعوا قواكم، والصقوا انكسارات ارواحكم، ثم هَلِمّوا إلى أقرانكم فعانقوهم بالأمل، بثوا الخير في أرواحهم

فإني هنا قد جئت إليكم مسعفا لأرواحكم، لن أُعاتِب سذاجتكم عند معارضتكم قولي وحديثي، مقاطعة نصيحتي بلامبالاتكم المضجرة، فكنتُ ذات مرة قد أخبرتكم بأنها مجرد مسرحية وستنتهي أحداثها بالمأساة، ستكونون أبطالها الخاسرين، ستُجَرجِرون خيباتكم خلفكم على أعتاب مسرح جريمتكم مصفقا لكم البعض خيبة وشماتة، شاركتم فيها أغنياء مشاعر القلب والروح، -لطالما كنتم تضخون الحب بين أزقة الحياة وأروقتها، تنثرون عبق عفويتكم بين ربوع خبثهم -، لتَخرجوا منها خاسرين ببقايا حطام آمالكم، تتخللها موسيقى انتحابكم وآهاتكم معلنة انتهاء ما كان قد بدأ قبل فترة وجيزة.

 

ساد الصمتُ حياتكم، فاسودت، واحتل الظلام جزءًا منكم، انطفأت أرواحكم واحترقت أضواء ابتسامتكم، بتُّم اجسادًا متحركة بلا روح تحرك ثنايا ابتهاجاتكم، كنتم على العهد ولا زلتم منتظرين رهن الإشارة لتعيد بشائر الحياة لكم، لكنكم في نهاية المطاف تعانقون الخيبة من جديد وكأن أرواحكم تواقة للموت ورائحته، كم من مشاعر كانت قد فاضت هباء منثورا، تنقلت مع الرياح في صحراء الخيبة، وأمطرت السماء عليها بتفاصيل الألم فانبتت صبار اوجاعكم توخز من يحاول العودة إلى أماكنهم.

 

كم من أرواح هالكة تقاسمت الحزن مع أمثالها فزادت على جروحها نزيف آخر ففاضت إلى خالقها راحة وأمل، كم من رسائل كانت قد كتبت بخط اليد المرتجفة المنحوتة بتفاصيل دمعات الشوق لأحدهم، فكان مصيرها إما التلف في لحظتها وإما تمزيقها فوق قبور يابسة، أصابها القحط من وجع أحبائها، كم من ذكرى تركت على رصيف الملقى تنازع الموت رجوعا إليكم،  كنتم قد اضللتم الطريق هاربين نحو اللاشيء بعيدا، لتجدو أنفسكم بين أذرع طالما كانت قد ألقت بكم في هاوية البعد، فبتم ليال عجاف منتحبين وصارخين، تطردون أوجاعكم لتزحف هي الأخرى على أقدام الذكرى فتهوى بين تفاصيل حاضركم سرطانا، يقتل قوتكم فتتغلغل بين حنايا الروح لتسلب منها الحياة.

 

انحنت قاماتكم واعوجت استقامة ظهوركم، واحتل الحزن الجزء الأكبر من أجزاء أجسادكم فأصبتم بأمراضٍ لازالت تٌذكر، أمراض التفكير المقيت وتآكل أفكاركم الغائرة نحو الهاوية، سرطان الذكرى دون كيماوي النسيان ذلك، استحال شفاؤكم واستاءت أوضاعكم، فأصبحتم ها هنا تعشقون الوحدة في غرفة ظلماء تضمكم زواياها بعطف، تخاطبون أنفسكم علكم تفهمون ما بدواخلكم، تكرهون من حولكم، ترسمون أحلامكم في الهواء كالصغار، ثم تلوحون لها مبتسمين رغم ألم الفراق، بات أقربهم أكبر انكساراتكم، وبات ابعدهم أقربهم قلبا وروحا، حاولتم التظاهر باللاشيء، لكن آثار صفعاتهم كانت تتجلى على ملامح ابتسامتكم، حتى صوت ضحكاتكم باتت تعزف الحان حزينة يصدح صداها في جوف معذبيكم، كنتم أرواحا جميلة، لكن قبح تنهيداتكم قد احتلت جزءا من حسن معالم وجوهكم.

 

حسنًا أظن أنني قد أوفيت حق انكساركم وصفًا، فالآن عدلوا اعوِجاج حياتكم واستقيموا، وقفوا هناك بين يدي الله مناجين رحمته، وأفرغوا غلال دموعكم في سجدة، خاطبوه وكأنكم ترونه أمامكم، أخبروه بما فعل بكم الأخرون، أطلبوا قربه حبا، استشعروا بأمانه في قلوبكم، استجمعوا قواكم، والصقوا انكسارات أرواحكم، ثم هَلِمّوا إلى أقرانكم فعانقوهم بالأمل، بثوا الخير في أرواحهم، علموهم الحب والسلام، اطردوا مشاعر الكره من حولهم، اقتلوا اليأس بسكين أحلامهم، واتركوني هنا أمسح آثار خيباتكم وأمضي إلى الآخرين هناك في أقاصي العالم الغارقين في غياهب الألم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.