شعار قسم مدونات

هكذا تكون مقتديا حقيقيا بالنبي محمد

مدونات - المسجد النبوي

للقدوة دور مهم في حياة الأفراد والجماعات، وهي أحد المؤثرات الأساسية في مسار حياة الناس، ودافع مهم نحو التغيير والإصلاح، وعنصر مهم في إعداد الأجيال عبر الأزمان، وتكوينهم تكويناً علمياً وتربوياً، بما يؤهلهم لتحمل مسؤولية التكليف وأداء أمانة الاستخلاف وعمارة الأرض. وبالنظر إلى حال المسلمين اليوم، نجد الحاجة ماسة إلى القُدوة الصالحة، لتقتدي بها الأجيال الناشئة من أبناء المسلمين، وتكون عوناً للمشتغلين بالتربية والإصلاح.

خير قدوة هو النبي صلى الله عليه وسلم، لِما اتصف به من صفات الكمال البشري، حتى أثنى الله تعالى عليه في القرآن الكريم، وزكى أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" وزكى دعوته صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ". إذا كانت القُدوة في القرآن محصورة في الأنبياء والصالحين، فأهم نبي من الأنبياء السابقين جاءت الدعوة إلى الاقتداء والتأسي به، هو نبي الله إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، ومن المتأخرين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جُمع فيه ما تفرق من فضائل السابقين واللاحقين، وشَكّل نموذج الكمال البشري، كما جمعت رسالته ما تفرق في الشرائع السماوية السابقة.

فاستحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون القُدوة الحسنة لكل باحث عن الحق، ولكل باحث عن الكمال، فقال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا". وإذا كان قدوتنا صلى الله عليه وسلم بهذه المكانة والمنزلة، كان حري بالمؤمن المقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، والمتبع له أن يسلك المنهج السليم في الاقتداء به. ذلك أن المنهج الصحيح للاقتداء، يجعل الاتباع والاقتداء سليماً وموزوناً بميزان الشرع، لا غلو فيه ولا تفريط. وكم زلت أقدام وّأخطأت الطريق، لا بسبب النية والقصد، ولكن بمجانبة الصواب في المنهج والطريقة. ولذلك معرفة منهج الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، يقي السالك من الوقوع في المهالك.

ونقترح هنا خطوات منهجية في الاقتداء السليم، جملها في: الإيمان والحب والاتباع والدعوة. وتفصيل ذلك فيما يلي:

أ‌- الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم معرفة شمائله

محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه مرتبة عليا من الإيمان، وهي نتيجة لمعرفة: أخلاقه العظيمة، وسنته الطاهرة، ورسالته الرحيمة، وحبه لأمته وفضله على البشرية جمعاء.

أول خطوة في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به نبياً مرسلا من عند الله تعالى، وتصديقه فيما أتى به من شريعة وعقيدة وأخلاق، قال تعالى: "فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِى أَنزَلْنَا" وهذا أمر صريح من الله تعالى بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه فيما جاء به، وقد تتوعد الله تعالى مكذبي النبي والكافرين به بالعذاب الشديد يوم القيامة فقال تعالى: "وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا". ولا يتم الإيمان به صلى الله عليه وسلم ألا بمعرفته حق المعرفة.

فمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم شرط واجب في الاقتداء به، وعلى قدر المعرفة يكون الحب ويكون الاتباع ويكون الاقتداء. والوقوف على أخلاقه صلى الله عليه وسلم، يجعل المرء في غاية الإعجاب والانبهار والانجذاب إلى شخصيته صلى الله عليه وسلم. كيف لا وقد مدح الله تعالى أخلاقه فقال عز وجل: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وقالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه القرآن". فمن تَعرّف على أخلاقه وشمائله يُعجب به ويحبه، وكثير من المواقف تصدر من الناس نتيجة الجهل بسيرته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.

ب‌- طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم

وهذه ثاني خطوة في طريق الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وهي علامة صدق الإيمان به صلى الله عليه وسلم، وطاعته واجبة بالقرآن حيث قال تعالى: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" وقرن سبحانه وتعالى طاعته بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: "مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم تتجلى في التزام سنته والتسليم لما جاء به. وما يقال عن طاعته صلى الله عليه وسلم يقال عن اتباعه، فالاقتداء يكون بالاتباع والامتثال للسنة الشريفة، والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم. وقد أوجب الله تعالى اتباع سنة نبيه، فقال تعالى: "فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىِّ ٱلْأُمِّىِّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" وجعل سبحانه وتعالى اتباع نبيه سبب لنيل محبة الله تعالى "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ".

ج- محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم

محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه مرتبة عليا من الإيمان، وهي نتيجة لمعرفة: أخلاقه العظيمة، وسنته الطاهرة، ورسالته الرحيمة، وحبه لأمته وفضله على البشرية جمعاء، فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير. محبته صلى الله عليه وسلم نتيجة لاتباع سنته والسير على منهاجه والعيش في ظلال الإيمان والطاعة، حتى تصفو النفس وتسمو الروح، وتتعلق بالعالم العلوي، فتتعلق بالله تعالى، وبنبيه صلى الله عليه وسلم، فيذوق المؤمن المحب حلاوة الإيمان.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه ألا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار". ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم أهم شرط الاقتداء وأقرب طريق الاهتداء، فالمحب يقتفى أثر الحبيب ويسير في طريقه، ويلزم سنته، ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تستلزم تعظيمه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، وتعظيم سنته وأصحابه رضوان الله عليهم.

د- النصيحة له ونشر دعوته صلى الله عليه وسلم

إذا حصلت المعرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتحققت محبته، وتمت طاعته واتباعه، لزم نشر دينه وإحياء سنته، ونصرته صلى الله عليه وسلم، ورد الشبهات عنه. وهذا من تمام الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. وقد أوجب الله تعالى على المسلمين المتبعين للنبي صلى الله عليه وسلم نشر دعوته، فقال تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي". وفي زمننا هذا نرى أن الحاجة ماسة والكفاية لم تتحقق بعد، فوجب على المسلمين بذل الجهد في نشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والتعريف سيرته وسنته، وتوظيف وسائل التواصل الحديثة في الدعوة والتبليغ. وهذا دَين على المقتدي والمتبع وفاء للحبيب النبي القُدوة صلى الله عليه وسلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.