شعار قسم مدونات

أنا ومن بعدي الطوفان.. لماذا نرى أخطاء الآخرين فقط؟!

blogs غير مهتم

قم بإيذاء الآخرين ما دمت تستطيع. أظلم، تجبر وتكبر ولا تنسى أن لا ترحم. فقط حاول جل ما أمكنك أن تحافظ على قوتك، ثباتك وتوازنك أينما كنت. وفور سقوط أحدهم استفد من ذلك واجعل من سقوطه درجة تعلو بها. أو استغل ذكاءك مسرعا عملية السقوط، واعْلُ قدر المستطاع. لكن قم بكل ما سبق بضمير مرتاح، غير ذلك لن تستطيع التقدم. لا ترض بالقليل، اجعل النجاح هدفك كيفما كان ثمنه، ألم، خسارة أو حتى روح، صدقني لا يهم، مع الوقت ستستصغر الأشياء وسيزداد تركيزك على هدفك. وإن حدث وفقدت تركيزك، ردد معي "الغاية تبرر الوسيلة"، وأضف "ليمت الجميع وليعش طريقي". 

قد يحدث أن تسقط، قد تبكي من شدة الألم، أمر طبيعي فأنت إنسان يحس ويشعر، قد يصل بك الألم حد أن تراجع نفسك، لدرجة أنك ستتذكر العديد من ذنوبك، غالبا الأولى قبل أن تُحْجَبَ الرؤية عن ضميرك. إياك أن تضعف، حقا ليس الوقت المناسب. فكر في كل نجاحاتك عندما حكمت أنانيتك عوض أن تحكم عقلك. حتى دعنا لا نسميها أنانية، هي بالأحرى ما كان يجب أن يحدث. أرأيت، كنت على وشك الانهيار، لولا أنك أرحت ضميرك.

خلال سقوطك قد يحدث أن تمتد لك يد المساعدة، تمسك بها جيدا، ذكاءك ومنطقك يحتمان عليك أن تكون من السباقين لاغتنام الفرص. قد يساعفك الحظ وتداوي هذه اليد الرحيمة جراحك، استلق بين أحضانها، وارتح قليلا، لا بأس إن بكيت، أحيانا يبكي الناس لتطهير ذنوبهم. تذكر ماضيك وآلامك القديمة عندما كنت شخصا رحيما غبيا، حدث تلك اليد عنها، أقنعها بمدى صحة نظريتك حول حياتك وإنجازاتك وطموحك، تماما كما أقنعت ضميرك. وإن حدث ولم تقتنع اقطعها لأجل مصلحتها. علمها درس حياتها: "من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه". ثم تابع طريقك وافتخر بإنجازاتك، كونك شخصا مؤثرا في حياة الآخرين.

من السهل الحكم على أخطاء الناس، وفي المقابل يصعب علينا وزن خاصتنا، في حين أننا ندعي الإيمان. ثم يمر الوقت، وتعاد الكرة مرة أخرى، مستصغرين ذنوبنا، محتجين على ذنوب الآخرين

"أنا ومن بعدي الطوفان"، قد تستنكر هذه العبارة لو سمعتها، فكيف لأحدهم أن يكون بهذا القدر من الأنانية الذي يجعله يستصغر وجود الآخرين. العالم أصبح حقا مسيرا من طرف الحمقى. من حسن الحظ أنك لست مثلهم. مهلا ماذا لو كنت مثلهم؟ أمر غير معقول، فأنت تحكم ضميرك وعقلك في كل أمور حياتك. أنت لم تولد وفي فمك ملعقة من ذهب، بل بنيت طريقك لبنة بلبنة. ربما لم تتلافى جميع أخطائك، لكنك دائما ما قمت بالأمر الصحيح، على اعتقادك. أخطاءك من الأساس لم تكن سوى من قلة خبرتك وصغر سنك. ألا يخطئ الجميع؟ المهم أنك تتعلم من أخطائك وتراجعها والأهم لا تعيدها. عقلك يخزن ذكراها ليعيد إخراجها عندما تستدعي الحياة، فيصقلها ذكاؤك لدرجة لا يتعرف عليها ضميرك. أنت نفسك لا تتعرف عليها فقد غلب جشعك أخلاقك، أقصد، فعلت ما يقتضيه الأمر. لكنك لم ولن تؤمن يوما بفكرة أنك لم تكن سوى أنت وبعدك الطوفان.

اليوم أغمضت عينيك من شدة التعب، انتهت أخيرا مسيرة حياتك الحافلة. أنت فخور بما قدمت للناس، بما تركت لعائلتك من ميراث مادي ومعنوي. تستطيع أن تذهب الآن بضمير مرتاح تماما كما كان طول حياتك، أليس كذلك أيها الضمير؟ فجأة يتشنج قلبك، تتداخل ذكرياتك، يبدو أنك ستخسر آخر مراحل مباراتك. أنت الذي لم تعرف للخسارة طريقا، من كثرة نجاحاتك. مهلا عن أي مباراة تتحدث؟ حياتك. أنت من اختار أن يجعلها كذلك. اعتبرت كل من تعارض معك عدوا لك. لم تسمع سوى صوتك، أسكت الجميع حتى ضميرك. غيرت أسماء الأشياء بما يريح نفسك. ولم تعترف يوما لا بأنانيتك ولا بأخطائك، بل بررتها فقط. اليوم، وبعد زوال تحكمك على ضميرك، واستيقاظه حقا، لا تملك سوى أن تشاهد ما كان يجدر بك أن تفعل دون أن تستطيع فعله. ثم تنتهي حكايتك غرقا في بحر من الندم.

تخيل معي لو كنت حقا هكذا. أوتدري، ليتحدث كل عن نفسه. أتخيل أحيانا لو كنت حقا هكذا، أو بالأحرى أحاول أن أفعل. عقلي لا يستوعب، يتدمر من قسوة الأمر. إذا ساعفني الحظ مرة واستطعت أن أراجع خطأ من أخطائي، أغدق على عقلي بكل المرات التي أصبت فيها، مسكتا بذلك ضميري. ولا أظنني الوحيدة التي أعيش هذا الإحساس. هو أمر طبيعي، لأن كلا منا يفعل ما يراه صائبا، ويرى أن معه الحق. وإن لم يكن الأمر كذلك، يستصعب الحقيقة. هو شيء من الضعف الإنساني الذي يستصعب السوء ولا يرتضيه لنفسه ولوكان مضمحلا فيه.

هناك حديث دقيق فيه الوصف، قوي فيه المعنى، مميز فيه التأثير، هو كالآتي: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه." يجعلني دائما ألاحظ أنه من السهل الحكم على أخطاء الناس، وفي المقابل يصعب علينا وزن خاصتنا، في حين أننا ندعي الإيمان. ثم يمر الوقت، وتعاد الكرة مرة أخرى، مستصغرين ذنوبنا، محتجين على ذنوب الآخرين وكأنما نطبق حرفيا دون أن ندرك، مقولة "أنا ومن بعدي الطوفان".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.