شعار قسم مدونات

هل يشكل ارتداء النقاب خطرا أمنيا؟!

مدونات - النقاب

الأمر أشبه بمحاولة منع بيع السكاكين والحبال والأكياس السوداء، أو حظر التجول في الأماكن العامة بالكمامات الطبية ومساحيق التبرج بحجة استخدامها في التخفي أو الأعمال الإجرامية. ينتشر في الآونة الأخيرة جدل حول مشروعية ارتداء النقاب في الأماكن العامة في مصر وطفت القضية على السطح بعد قيام أحد نجوم البرامج الدينية بانتقاد المنتقبات ووصفهن بمعدومات الأنوثة، ورغم اعتذاره لاحقاً إلا أن حدة الجدل لم تنخفض بل تصاعدت بسبب مشروع قانون تبنته نائبة في مجلس الشعب يقضي بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة قبل أن تعلن هي الأخرى التراجع عن قرارها لاحقاً.. لمنع حدوث انقسام في الشارع المصري.. وفق تعبيرها.

وبغض النظر عن الأزمات الاقتصادية والأمنية المتلاحقة، إلا أن لسبب ما مجهول برزت هذه القضية دون غيرها وكأنه لم تبق لدينا مشاكل سوى النقاب. أعداء النقاب هم أشخاص حرصوا في كل مناسبة على وصف أنفسهم بالتحرر ولطالما ملأوا الدنيا صراخاً ضد كل من يدعوا النساء للحشمة، ويعتبرونه منتهكاً لحقوق المرأة ومُقللاً من شأنها مرددين مقولة أن (الإنسان حر مالم يضر). لكن يبدو أنهم يقصدون أنه حر فقط في تعرية جسده، أما الحشمة فهي محظورة عند هؤلاء لدواع أمنية. صاحبة مشروع القانون هي النائبة غادة عجمي التي دائماً ما تحاول لفت الانتباه بمشاريع قوانينها الألمعية المثيرة للجدل منذ انتخابها نائبة بالبرلمان المصري في ديسمبر 2016 من أبرز هذه القوانين:

 – تبنيها تشريعا لقانون يجبر المصريين بالخارج على تحويل 200 دولار لدعم الاقتصاد المصري، وهو ما قوبل برفض قاطع من المصريين بالخارج.

– دعوتها السلطات الأمنية لإيقاع عقاب رادع على كل متحرش ألا وهو قص شعره فبينما يطالب البعض بتغليظ عقوبتي الحبس والغرامة تطالب غادة بقص الشعر.

 – دعت المصريين العاملين بالخارج لتأسيس نقابة لهم وأكدت أنها ستعلن عن تأسيسها رسميًا في الوقت المناسب، وهو ما عرضها لانتقاد لاذع من اتحاد المصريين بالخارج الذي أعلن رفضه التام لهذا المقترح مؤكداً أن المصريين بالخارج لن يكونوا حزبيين.

النقاب هو سنة تاريخية تدرج إلينا منذ عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- عبر العصور وهو ليس بدعة العصر فزوجات الرسول -عليه وعلى آله الصلاة والسلام- وهن أمهات المؤمنين قد التزمن به.

 – كما تقدمت بمشروع قانون آخر يقضي بحرمان الطفل الثالث من دعم الدولة وعدم توفير الخدمات الأساسية له مؤكدة أن ذلك سيسهم بشكل كبير في الحد من الزيادة السكانية أو ربما يسهم في إعادة إنتاج اطفال الشوارع لو تفكرت غادة.. فهي تجهل أو ربما تتجاهل أن الموارد البشرية هي أهم الموارد على الإطلاق.. موارد إذا ما تمت إدارتها بصورة مناسبة، فإنها ستشكل كنزاً حقيقياً للدولة وليست الصين عنا ببعيد، وإن بعدت عنا في المسافة فهي قريبة بمنتجاتها التي بين أيدينا من الإبرة إلى الصاروخ وكل ذلك بسبب مواردها البشرية الهائلة.

 – ثم أخيرا قررت النائبة تقديم مشروع قانون يقضي بحظر النقاب.. هذا المنع الذي اعتبرته الأمم المتحدة في وقت سابق.. انتهاكاً لحقوق الإنسان.. جاء ذلك في سياق تعليق المنظمة على منع النقاب في فرنسا. ورغم تراجع غادة عن هذا المشروع، إلا أن صدى الجدل الذي أثارته لا يزال يتردد في أوساط المصريين بين مؤيد للنقاب ومعارض له. يرى جمهور الشافعية والمالكية والحنفية وجوب ستر المرأة وجهها ليس لأنه عورة بل خوفاً من الفتنة وسداً للذرائع الموصلة إلى المفسدة المترتبة على إظهار الوجه.. فإذا آُمِنَت الفتنة جاز للمرأة كشف وجهها وكفيها غير آثِمَةٍ على ذلك. أما الحنابلة فيرون وجوب ستر الوجه والكفين حتى وإن آُمِنَت الفتنة.

أضف إلى ذلك أن النقاب هو سنة تاريخية تدرج إلينا منذ عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- عبر العصور وهو ليس بدعة العصر فزوجات الرسول -عليه وعلى آله الصلاة والسلام- وهن أمهات المؤمنين قد التزمن به وأكدت ذلك النصوص الواردة عن عائشة -عليها الصلاة والسلام- وغيرها من الصحابة -عليهم رضوان الله. ثم استمرت هذه العبادة من جيل إلى جيل وأكدت عليها أيضاً المذاهب الفقهية الأربعة المعتبرة.. فكيف يُلام نساء في زماننا على التزامهن بالحشمة واتباعهن لفعل أمهات المؤمنين وآل بيته – عليهن جميعاً صلوات ربي وسلامه.

المنتقبات في واقع الأمر يحاولن الاندماج في مجتمعات دول كفرنسا وبلجيكا والدنمارك التي تضع القيود حول ظهورهن بالنقاب في الأماكن العامة.
المنتقبات في واقع الأمر يحاولن الاندماج في مجتمعات دول كفرنسا وبلجيكا والدنمارك التي تضع القيود حول ظهورهن بالنقاب في الأماكن العامة.

النقاب إذاً مظهر من مظاهر الحشمة.. إلا أن البعض في تهافت واضح يصرحون بأن النقاب آفة من آفات العصر ويمضون مبررين بالقول إن النقاب يساعد المجرمين على التخفي ويعوق عملية الاندماج في المجتمع. وهي حجج يسهل دحضها والرد عليها، فالنقاب ما هو إلا قطعة من قماش وما سمعنا في التاريخ أبداً عن قطعة قماش تقف حاجزاً بين البشر ومجتمعاتهم. بل كذلك تفعل العنصرية وعدم تقبل اختلاف الآخرين وعدم احترام معتقداتهم.

والمنتقبات في واقع الأمر يحاولن الاندماج في مجتمعات دول كفرنسا وبلجيكا والدنمارك التي تضع القيود حول ظهورهن بالنقاب في الأماكن العامة. تلك العنصرية ضدهن وعدم الاعتراف بحقهن في اختيار الملبس هو ما يقف عائقاً أمام اندماجهن في مجتمعات تلك الدول.. وهي دول تتغنى بحرية البشر.. لكن كما ذكرنا سابقاً فالحشمة ليست من الحرية في منظور هؤلاء.. وأما حجة استخدام النقاب في التخفي فيتساءل البعض عن عدم معاملة الكمامات الطبية ومساحيق التبرج بالمثل فهي أشياء تساعد على إخفاء الهوية أيضاً وتسهل ارتكاب الجرائم بنفس المنطق!

نهاية نقول لمن يسعون لحظر النقاب إن الأمر أشبه بمحاولة منع بيع السكاكين والحبال والأكياس السوداء أو حظر التجول في الأماكن العامة بالكمامات الطبية ومساحيق التبرج بحجة استخدامها في التخفي أو الأعمال الإجرامية.. في عصر كثيراً ما تستخدم فيه أجساد النساء وجمالهن كوسيلة لترويج السلع والمنتجات المختلفة.

وفي بعض الدول يتم عرض النساء في منصات عرض يشاهدها المارة، وتنتشر تصرفات بربرية كهذه في دول تتغنى بالدفاع عن حقوق المرأة، ولا نرى منتقدا لمثل هذه التصرفات التي تهين المرأة وتجعل من جسدها سلعة في واقع لم يتغير كثيراً عن واقع القرون الوسطى. الحشمة فقط هي ما تثير حفيظة هؤلاء فترتفع أصواتهم منددين بالحجاب والنقاب، وترى صوراً مخزية في فرنسا مثلاً لرجال شرطة يجبرون سيدات على كشف حتى الأذرع وليس غطاء الرأس أو الوجه فحسب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.