شعار قسم مدونات

"مزرعة الحيوان".. الزعيم دائما على حق!

blogs ثورة

انتهت حياة الحصان بوكسر المتفاني في عمله، والذي لم يكن يكف عن ترديد جملة "الزعيم نابليون دائما على حق" في رواية "مزرعة الحيوانات"، على يد زعيمهم نابليون هذا بنفسه، حيث قام ببيعه، لكبر سنه وتدهور صحته، لجزار الحيوانات بائع اللحوم دون أن يرف له جفن. امتعضت الحيوانات لما حل بالحصان، فحدثت فوضى واختل القانون لبعض الوقت في المزرعة، لكن سرعان ما قام الزعيم والموالون له بنشر إشاعات وأكاذيب وأحداث وهمية حول مصير الحصان لتضليل الحيوانات عما حل حقا بالكائن المسكين.

 

وهكذا تم تلخيص السيناريوهات الكلاسيكية التي نكاد نعيشها كل يوم في كتاب عبقري بصورة ساخرة لكن مطابقة للواقع. أهكذا يجب أن ينتهي المطاف بالمخلصين للقضايا الوطنية وبالمؤمنين بحكمة وصدق زعمائهم؟ لا يخفى عن كل مواطن عربي أن ما آل إليه مصير مجتمعاتنا في العقود الأخيرة عامة وفي السنوات الأخيرة خاصة ليس بالمختلف جدا عن مصير هذا الحصان.

 

فنحن نعيش السيناريو الكلاسيكي عينه الذي عاشته الحيوانات في المزرعة والذي تعودنا على عيشه ألاف المرات في أوطاننا، حيث تقوم القيامة ولا تقعد بعد الحدث الفظيع مباشرة أكان جريمة أو سرقة أو حادث مروع أو ظلم أو إلى ما غير ذلك، يستنكر الجميع، كبيرا كان أم صغيرا، ويشجب بشدة الفعل المخزي ويطالب بضرورة معاقبة المسؤولين عن هذا الفعل، يستمر الغضب أسبوعا إلى شهر تقريبا حسب ضخامة وفظاعة الحدث، في الشوارع، على مواقع التواصل الاجتماعي، في الجرائد والصحف، بعض المواقع الإخبارية، "نادرا" على التلفاز، ثم يهدأ غضب الجماهير رويدا رويدا دون حدوث أي تغيير أو إصدار قرارات تثبت لنا حقا أنه تم تحقيق العدالة على أكمل وجه في قضية هزت لأسابيع مجتمعا بأكمله وأحيانا العالم بأسره، تماما كما حصل في مزرعة الحيوانات بعد اقتياد الحصان المسكين للمقصلة.

الواعي يظل أخرسا، والحاكم يظل مستبدا، والذين لاحول لهم ولا قوة يظلوا سجنا في غياب تام لمن يرشدهم إلى الحقيقة وينير ظلمات وعيهم

ربما يعوز سبب هذه الظاهرة الرتيبة لكون أصابع الاتهام توجه، في أغلب الأحيان، لكيانات غير ملموسة من منظمات أو أجهزة سياسية، أو ربما لأن الكل يتملص من المسؤولية بشكل غير إرادي محملا المسؤولية غيره من الناس في ظاهرة سيكولوجية تعرف باسم تشتت المسؤولية، أو ربما لجهل المواطنين بالمنهجية الفعالة التي يجب اتباعها للتنديد بالفعل، أو ربما لضعف الوعي والارادة لدى المواطنين القادرين على إحداث التغيير من الفئة الواعية والنخبة المثقفة من المجتمع.

 

ففي الكتاب، كان الحمار بنيامين من بين الفئة المثقفة والنادرة في المزرعة التي تعرف القراءة والكتابة ولكنه أبى أن يتدخل في الشؤون السياسية والقرارات اللاعقلانية التي يتم اتخاذها من قبل الزعيم نابليون بحكم أن لا شيء يستحق أن تزعج راحتك من أجله فلا شيء سيتغير حتما، لكنه حينما أراد إنقاذ بوكسر، قام أخيرا، لكن متأخرا، بالخروج عن صمته، فكان الأوان قد فات. وحتى بعد الحادثة المخزية، استسلم للواقع كما استسلمت الحيوانات الأخرى بعد برهة من الزمن وبعد استنكار طويل ورفض لتقبل ما تم سرده من قصص وهمية عن حادثة الحصان بوكسر، وازداد انطواء وسكوتا. فالواعي ظل أخرسا، والحاكم ظل مستبدا، والذين لاحول لهم ولا قوة ظلوا سذجا في غياب تام لمن يرشدهم إلى الحقيقة وينير ظلمات وعيهم.

 

على الفئة الواعية في المجتمعات، من أساتذة وأطباء ومهندسين ومفكرين وعلماء وسياسيين أكفاء، التي بإمكانها قيادة التغيير بشكل فعلي واستراتيجي أن تتحرك وتبذل قصارى جهدها لإيقاف هذه المهازل التي باءت تحرك إحساس الملل والروتينية في داخلنا أكثر من تحريكها للإحساس بالمسؤولية ومشاعر الغضب. فكل واحد منا يتحمل مسؤولية كل ظلم وخرق للعدالة نعيشه، يبقى التفاوت فقط في طريقة المساهمة في التغيير، فعلى السياسي مثلا أن يخاطب بشكل مباشر المذنب وعلى المفكر أن يكتب ليوصل الحقيقة للجماهير دون مكياج أو زينة وعلى الناشط الجمعوي أن يطالب بتحقيق العدالة وهكذا دواليك إلى أن يقوم كل فرد في المجتمع بالمساهمة في التغيير وإنارة الوعي حتى لا ينتهي بنا المطاف كمزرعة الحيوانات. وكل التقدير لصناع التغيير للواقع السياسي المرير في مجتمعاتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.