شعار قسم مدونات

المفكر العربي.. من النضال ضد السلطة للنضال ضد المجتمع!

BLOGS مثقف

في زمن أصبح فيه النضال السياسي ضد السلطات مكلفاً وباهظاً على جميع المستويات، قرر جانب لا بأس به من النخبة العربية التحول إلى امتهان النضال السهل ضد المجتمع وأفكاره، فالنضال ضد البخاري وابن تيمية، وحتى ضد شخصيات تاريخية مثل صلاح الدين، لا يكلف صاحبه السجن، بل العكس تماماً، فهو غالباً ما يجعله مشهوراً ومتابعاً، وفق المبدأ الشهير "خالف تعُرف"!

 
وإن كان يمكن لنا أن نتفهم تحت ظرف معين، الهجوم الشرس التي تقوده ثلة تدعو نفسها بـ "المتنورة" ضد البخاري وابن تيمية، بدعوى تنقية "التراث"، ومراجعة الأفكار القديمة التي أودت بنا إلى ما نحن عليه اليوم، فكيف يمكن لنا أن نفسر الهجوم غير المبرر على شخصية تاريخية مثل صلاح الدين، باتهامها بأشنع الأوصاف، عبر استدعاء قصص كانت ولم تكن، عن سرقة الأهرامات، وحرق مكتبة الاسكندرية، بل وحتى بيع القدس التي حررها صلاح الدين نفسه!

 
ولغايات الإجابة عن هذا السؤال البسيط، فليس علينا أن نكلف أنفسنا عناء البحث في كتب التاريخ أو في سيرة صلاح الدين، فهذه الثلة التي تحاول التدثر بغطاء الفكر والثقافة، لا تبحث عن الحقائق، ولا على الحجة لتقارع الآخرين بها، فأغلب المنتمين لها، هم شخصيات باحثة عن الشهرة والمال، ومستعدة لبيع مداد الحبر الذي تكتب به لأول شخص مستعد لدفع المال، بل إن بعضهم لا يجد حرجاً أن يكذب ويناقض نفسه عشرات المرات إذا لزم الأمر.

والمتتبع لسيرة هؤلاء، سواء كان يتنمون إلى التيار الديني كعدنان إبراهيم ومحمد شحرور أو العلماني كيوسف زيدان ويونس قنديل، سيلاحظ أن العلاج الأمثل لمثل هذه الظواهر، هو تركها لتفضح نفسها بنفسها مع الوقت، ذلك أن هذا النوع من الشخصيات لا يستطيع العيش في الظلال بعد ما تذوق طعم الشهرة، ولذلك تجده دائم البحث عن الطرق التي تجعله محطاً للجدل والأنظار، ولهذا غالباً ما تتنوع أساليب السقوط الفكري والأخلاقي لهذه النماذج بحسب الوضع الذي وصلوا إليه.

إننا لسنا أمام نموذج كلاسيكي من المفكرين، بل نحن أمام مجموعة لا تبحث سوى عن مصالحها، ولذلك فقد وجد هؤلاء في النضال ضد المجتمع والدين، السبيل الأسهل للوصول إلى مرادهم ومصالحهم

فقد يكون سقوطاً سريعاً ومريعاً، كأمين عام مؤسسة مؤمنون بلا حدود، يونس قنديل، الذي وجد نفسه مجبراً على اختطاف نفسه، وتعذيب جسده، من أجل الحصول على الشهرة والأضواء، وذلك بعدما فشلت كل أساليبه السابقة في النيل من المقدسات والأديان في استقطاب هذا الأضواء وقد يكون بطيئاً قليلاً، كعدنان إبراهيم، الذي اكتشف مع الوقت أن خطب ومحاضرات "اليوتيوب" قد تمنح صاحبها الشهرة، ولكنها لن تمنحه المال الكافي، ليعيش برفاهية، ولذلك قرر الانتقال من أحضان الجماهير إلى أحضان أصحاب الأموال.

ورغم ذلك، فإنه في الوقت الذي لا يجد فيه أدعياء الفكر والثقافة هؤلاء، حرجاً من بيع مبادئهم وأفكارهم مقابل حفنة من الدولارات والشهرة، نجد دوماً بعض البسطاء الذي يطالبون المجتمع بعدم شخصنة الأفكار، والرد على الحجة بالحجة، ومقارعة المنطق بالمنطق، فحسب قولهم الفكرة في المبادئ وليست بالأشخاص، وبالتالي فإن الرد على هؤلاء يكون بنقاشهم وإبطال حججهم، وليس بالنظر إلى الأخطاء والهفوات التي يقعون بها. والحقيقة أنه وإن كانت هذه الحجة صحيحة جزئياً، فإنه وعند النظر إلى صورة بشكل كامل، فإن هذه الحجة هي فخ، يراد منها استجرار أصحاب الفكر الحقيقي، والثقافة الحقة، إلى جدال عقيم ودفاعي مع مجموعة من الكذبة والزعران، الذين يجيدون قلب الحقائق، وإلقاء كميات هائلة من الأكاذيب، تحتاج سنوات وربما قرون للرد عليها.

فهذه الزمرة من الناس تجيد تماماً فن إثارة الجدل، وتعرف كيف تقحم نفسها في مجالات ليست من اختصاصها، لتقنع العوام في كل شيء، فلو بحثنا بحثاً مبسطاً في تخصصاتهم، لوجدنا أن أغلبهم دخيل على علوم التاريخ والدين، ولا يجد مشكلة في إقحام نفسه في العلوم الأخرى، أو منح نفسه ألقاب علمية قبل أن ينالها. فعدنان إبراهيم مثلاً، يضفي على نفسه لقب الدكتور منذ 2010، رغم أنه لم يحصل على شهادة الدكتوراه إلا في 2014، بل إنه بعدما فرغ من أمور الفلسفة والدين، بدأ بإلقاء محاضرات في علوم الفيزياء والأحياء، ولا أعتقد أن لديه مشكلة في أن يدخل مستقبلاً مجال الشعر والروايات الأدبية، فهو ينظر إلى نفسه على أنه جامع لعلوم الكون.

حتى يوسف زيدان، وهو أستاذ جامعي متخصص في التراث العربي ومخطوطاته، لم يجد أي مشكلة في برنامجه "رحيق الكتب"، مع الإعلامي المصري عمرو أديب، في الحديث عن كتب الفيزياء والأحياء، ككتاب موجز تاريخ الزمن لستيفن هوكينغ، وكتاب أصل الأنواع لتشارلز داروين، وكتب أخرى في الاقتصاد والطب. وهكذا نجد، أننا لسنا أمام نموذج كلاسيكي من المفكرين أو الباحثين الأكاديمين، بل نحن أمام مجموعة لا تبحث سوى عن مصالحها، ولا تجد حرجاً في الحديث عن أي شيء، ولذلك فقد وجد هؤلاء في النضال ضد المجتمع والدين، السبيل الأسهل للوصول إلى مرادهم ومصالحهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.