شعار قسم مدونات

أداة للمتعة.. هكذا يتعامل الشخص النرجسي مع علاقاته العاطفية

blogs sad couple

قالت لي يوما صديقتي: لاحظت أن زميلنا فلان يعيرك اهتماما خاصا..! تبدوان معجبان ببعض! ابتسمت "خجلا" فقالت: إنه لأمر جلي فأنت محور نظراته في جل المناسبات. لا أنكر أنني في تلك اللحظة شعرت بفخر كبير، وهو بداية "استوطان" قلب شخص كنت أستلطفه. لم أكن على دراية بالفخ الذي ستقع روحي حبيسته لأحيا اليوم جسدا بدون روح، لم أكن لأتخيل أن "أميري الساحر" إنسان عابث سولت له نفسه التلدد في تدميري. العلاقة مع النرجسي المنحرف تتخذ طابعا شيطانيا، ففي البداية، يتعامل مع فريسته بأساليب جيدة، توحي لها كل الإيحاء أنها محور حياته وأنه لا يمكنه الاستغناء عنها. إنها جد فخورة بأن تكون الفتاة "المختارة" الحائزة علـى اهتمامه من بين الكم الهائل من الفتيات اللواتي يحيطهن به ويحرس طبعا النرجسي المنحرف على إبقاء رصيده التعارفي مع العنصر النسوي في تصاعد لأن هذا يشكل جزء من الخطة.

لم تكن تدري أن البريق البريء المشع في عينيها، ما كان يملأه سوى بالنرجسية المريضة. استنادا لما قرأته من مقالات حول الموضوع، أن المنحرف النرجسي السادي هو ذو تركيبة نفسية غير سوية، وبالتالي علاقته بالأنثى هي علاقة مرضية عقيمة: إنه يسعى لإعادة إنتاج التعايش الضائع والمفقود في حياته معها في حين يخشى الإدمان عليها لأنه وحسب أخصائيين علم النفس هاته الشخصية تجدها لم تتجاوز عقدة أوديب بعد. إنه إنسان فارغ المحتوى، وليس له هوية خاصة به، فيحاول أن يملأ نفسه بمضمون فرائسه التي يختارها بفائق الدقة.

لديه حاجة حيوية من شريكه / شريكها، والذي لا يعتبره "كائن"، إنما "شيئًا" للاستغلال أو "وسيلة" لتحقيق مراده مهما كانت دناءته فهو ميكافيلي في غاية الإيمان بمشروعية ما يقوم به لكي يصل إلى غاياته وبالتالي لا يجدي الجدال معه نفعا نصيحة وفري طاقتك ولا تقنعيه بالعكس. يستخدم بعض "أجزاء" ضحيته عند الضرورة (بعض صفاتها، أفكارها، رغباتها، شغفها، مشاريعها.. عندما يناسبه) جل نجاحاته هي محصول علاقاته الاستغلالية لا تعكس قدراته أو مجهوداته.

النرجسي يفرض وجوده فقط من خلال صورته، لذا ستجدنه لن يفوت الفرص في المحافل التي تشهد حضور مهم فتلك فرصته الذهبية كي يفرض سيطرته على الجميع ويكون محط الأنظار

فهو حينما يختزل "ضحيته" في مجرد "أداة مفيدة"، يتلدد نشوة الإحساس بالسيطرة في العلاقة. ما أذكره لأميري الساحر أنه أقحمني حياته كي يثير غيرة عشيقته السرية ويضعفها لترضخ لنزواته الدنيئة.. اضطراب شخصيته دفعته لتلاعب بأكثر من فتاتين في الآن نفسه.. يال الدناءة! تصارع الضحية لإدراك أنها "لا غنى عنها" فقط طالما أنها تؤدي دورها. ما إن يستشعر بداية هذا الصراع حتى ينهال عليها بالحسابات واللوم فأنتي لم تفعلي كذا وكذا من أجل إحباطها وإحساسها بالفشل في العلاقة، ليدفعها أن تؤمن بوهم "التكامل المثالي" ومسؤوليتها تجاهه. قد يستغرق الأمر سنوات منها حتى تفهم أنها مجرد كائن قابل للتغيير، سيتم استبداله بمجرد أنه لم يعد غاية لإبقائه.

كما سبق وذكرت المنحرف النرجسي ليس على وعي بتصرفاته. الإنكار (هي آلية دفاعية مميزة للنرجسي)، تسمح له بعدم رؤية الحقيقة. فأما إذا كان الشخص النرجسي تورط في تأسيس عائلة، فذلك لأن الأعضاء (الزوجة / الأبناء) سيشكلون فقط صورة جميلة للجمهور كوسط إعلامي مزخرف. إنهم يساهمون في تثمين شخصيته الضعيفة أمام المجتمع لذلك فاختيار المواصفات الخارجية لزوجة لن يكون من عبث سيبحث عمن تفوقه سلما وأجرا وجاها فهو إنسان مادي سطحي تغريه الأشياء النفيسة.

مع ذلك، فهو قادر بكل بساطة التخلي عنها وعن الأبناء كذلك تجاهلهم أو حتى تدميرهم دون أدنى تردد، إذا لم يقوموا بدورهم بشكل جيد بما فيه الكفاية. النرجسي يفرض وجوده فقط من خلال صورته، لذا ستجدنه لن يفوت الفرص في المحافل التي تشهد حضور مهم فتلك فرصته الذهبية كي يفرض سيطرته على الجميع ويكون محط الأنظار فهو المندفع الجريء بامتياز يبدي حبا استحواذي "ليبرز" كأنما يلقي "عرض". إنه لا "يشعر" بحب شريكه / شريكها، مجرد "الحاجة" التي يمكن أن تجلبه له. النرجسي المنحرف "لا يحب"، بل "يمتلك".

 

زوجة النرجسي "لا يمكن فقط أن تكون" إلا إنسانة مُكرِّسَة خدومة/ عفوية/ جميلة/ حساسة/ نابضة بالحياة. إنه يرى فيها فقط آداه مهدئة لأزماته اليومية ومصدر يمنحه قيمة مضافة. ولذلك، فإن النرجسي، في بداية العلاقة، وطالما أنه يستطيع استيعاب صفاته، يمنح ضحيته الانطباع بأنها محور حياته. إلى أن تستشعر بعمق "الحاجة الحيوية" التي يحملها المناور المرضي لها، وهذا يتجاوب وحاجتها، لتكريس نفسها له كي يشعر بنفسه هنا تخلق "الثغرة". الانطباع بأنها "ضرورية" من أجل رجل "مثالي" يعكس لها إلهام الحب المثالي. غير أنه، عاجلاً أو آجلاً، لن تعد الفريسة كافية لإطعام المفترس. مستغلة، مستهلكة أفرغت من كل محتواها دون علمها، إلى أن تصبح في نهاية المطاف منتهية الصلاحية. إن مرحلة المثالية الموجودة في معظم العلاقات الرومانسية، والتي هي شديدة للغاية في حالة الوقوع في علاقة مع منحرف نرجسي، تتطور تدريجيًا فتدريجًا لتتحول لجحيم لا يطاق. لم تعد الفريسة محور حياة جلادها كما كانت سابقا، فقد أصبحت شيئًا مبتذلًا، عديم الفائدة أو ثائرًا لم يعد يهم "صاحبه". غير راضٍ ومحبط، يصبح غير مبال، بعيد وقاسي.

 

سيبقى المنحرف النرجسي غامضاً في العديد من الموضوعات حتى يكون قادراً على المناورة بسهولة أكبر. يمزج باستمرار بين الأكاذيب والواقع. يحاول عبر تصرفاته والكلمات
سيبقى المنحرف النرجسي غامضاً في العديد من الموضوعات حتى يكون قادراً على المناورة بسهولة أكبر. يمزج باستمرار بين الأكاذيب والواقع. يحاول عبر تصرفاته والكلمات "القاسية" الغير قابلة للكبح، تخدير "ألمه" بإثارته في شريكه
 

"أذكر تفاصيل أحاسيسي أنذاك، فأنا تلك الشخصية الترابية التي تستهوي الهدوء والاستقرار في المشاعر والعلاقة، قوية الحدس والبصيرة ما إن كان يتقلب في معاملته لي حتى كنت أكشف له زلة قام بها أو حتى كانت له نية للقيام بها حتى أنه وصفني بالذكاء والدهاء وما الحقيقة إلا أنه كان يخطط باللاوعي وبشكل فوضوي لا يستشعر عبره تصرفاته لتنفضح أمامي بكل بساطة، غالبا ما كنت بطبعي العفوي والصادق أواجهه وأستنكر ما حدث أعترف أنني بعد الأحداث الأولى التي لم تستهوني معه فقدت ثقتي فيه وغيرت أسلوبي معه فأصبحت تلك المتمردة الشيء الذي سيزيده جنونا وعصبية ولن يتقبله، والذي سيدفعه للكشف عن الجانب المظلم ليحرر الوحش الدفين فيه الذي سيذيقني شراسته ومرارة الفخ الذي أوقعني فيه".

سيبقى المنحرف النرجسي غامضاً في العديد من الموضوعات حتى يكون قادراً على المناورة بسهولة أكبر. يمزج باستمرار بين الأكاذيب والواقع. يحاول عبر تصرفاته والكلمات "القاسية" الغير قابلة للكبح، تخدير "ألمه" بإثارته في شريكه. وفقا لِسُمِيَّة النرجسي، وسرعته في العثور على فريسة أخرى، يتم طرد الضحية من حياته دون عاطفة بل باضطهاد قد يصل حتى الإبادة. من أحببت قد كان "ينكر" الحقائق، "ينقض" ما أقوله، يجعلني "أشعر بالذنب" في غالب الأحيان، "يهينني" كلما سنحت له الفرصة. ليس لديه أي تعاطف وليس على علم بحماقاته. انه فقط يحتاج إلى إذائي. إنه قاسي بشكل لا يصدق. (القسوة: النرجسية الضارة). كأنما كونه طاغي وسادي يزيده حضورا وإثبات وجود. قد تختلف مدة استمرارية العلاقة من شريك لآخر، وشدة مرحلة التدمير كذلك، لكن النمط دائمًا هو نفسه: فإما تكون الفريسة مكتئبة (علاقة طويلة) أو مدمرة (علاقة قصيرة).

في حين أن القصة تبدأ دائما تقريبا "كحكاية خرافية"، إلا أن اللقاء بين نرجسي منحرف وضحيته، يتحول عاجلا أم آجلا، بشكل غير قابل للإصلاح، إلى كابوس. غير قادر على استجواب نفسه، ومواجهة الاكتئاب والجنون اللذان يحاصرانه، لا يجد المنحرف النرجسي بينه وبين نفسه الارتياح على المدى الطويل. فيستنسخ من جديد مع كل فريسة جديدة نفس النمط في العلاقة. من ناحية أخرى، يمكن للضحية العثور على التوازن النفسي بعد هاته التجربة الكارثية، ذلك بترويض النفس على عدم التسرع وبتالي كبح كل إحساس والتحفظ في المشاعر إلى حين التأكد من استحقاق الطرف الآخر فالبدايات دائما ما تكون الأجمل.. لا بأس من الحيطة والحذر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.