شعار قسم مدونات

فى فقه الثورة.. هذا ما قاله أبو حامد الغزالي!

blogs أبو حامد الغزالي

في مقدمة الطبعة التي أصدرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية لكتاب (تهافت الفلاسفة) يُلقي الدكتور محمود إسماعيل الضوء على جانب كبير من الأهمية لفكر حجة الإسلام أبو حامد الغزالي؛ فيقر بأن الغزالي كرَّس مشروعه الفكري لخدمة السلطة السياسية المتمثلة في الخلافة العباسية أولا والدولة السلجوقية ثانياً.

بمعنى أن الغزالي كان صاحب مشروع فكري (أيديولوجي) لخدمة هذه المنظومة السياسية، وأن حملات الغزالي الفكرية على الشيعة والفلاسفة وعلوم الفلسفة والتاريخ والطب ما كانت إلا أثراً من آثار خدمة هذا المشروع السياسي؛ ما يعني أن الغزالي لم يكن يوماً مفكراً يحس بآلام الأمة ورُقِيّ فكرها. لم يكن الدكتور محمود إسماعيل هو أول مَن يوجه انتقادات للمشروع الفكري لحجة الإسلام، بل سبقه أعلام من قبله توجهوا بالنقد لهذا المشروع الفكري؛ بل من العلماء من توجهوا بالنقد للفكر الأخلاقي ذاته الذي تبناه الغزالي. على كل حالٍ نحن سنحاول في هذا المقال أن نتعرض لجزء بسيط من الفكر الأخلاقي لحجة الإسلام، وهو جزء له علاقة بالنقد الذي وجَّهه الدكتور محمود إسماعيل لعلاقة الغزالي بالسلطة السياسية.

عقد حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه القيم (إحياء علوم الدين) فصلاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الباب الأول منه بَيَّن فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والآثار الواردة فيه كقيمة وفضيلة اجتماعية تجب على المسلمين وذلك بإجماع الأمة. وفي الباب الثاني حدَّد أبو حامد الغزالي أركان الأمر بالمعروف أيضا كقيمة اجتماعية إلى أربعة أركان: المحتسِب، والمحتسَب عليه، والمحتسَب فيه، ونفس الاحتساب. وصل أبو حامد الغزالي إلى قمة فكره الاجتماعي حينما جعل الحِسْبة (الأمر بالمعروف) تجب على آحاد الأمة: المسلم، والمُكَلَّف، والفاسق، والعبد، والمرأة؛ فلم يوجبها على الرجل دون المرأة بل ألزم المرأة بها وأوجبها عليها.

اكتفى الغزالي بتحريم الدخول على السلاطين الظَّلَمة والجلوس معهم وأشياء أخرى لا ترقى أن تكون قِيَماً تتعامل بها الجماهير مع المستبدين بهم، ولا تصلح أن تكون أساساً لشعوب ضاق بها الظلم أن تتحرك تجاه هذا العدوان من حكامهم

وبذلك اعتبر حجة الإسلام المرأة جزءاً أصيلاً وقيمة في مجتمعها، وأوجبها أيضاً على الفاسق وإن جعلها مستحيلةَ الحدوث، إلا أنه حينما أوجبها عليه كَسَرَ بذلك فكرةَ الكهنوت الفكري والديني اللذين ارتبطا بالوعظ في المجتمع الإسلامي عبر تاريخه والذي نعيش تحت وطأته إلى الآن في أن الإصلاح والوعظ حِكْر على أشخاص بعينهم؛ ما كان له أثر كبير في إفساد المجتمع. بلور أبو حامد الغزالي كل هذه الأركان في صورة الحفاظ على حياة الشخص، واحترام حقه في الحياة، وضرورة إبعاد نفسه عن التهلكة بمبدأ "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ".

فإن علم المحتسِب أنه لا ينفع كلامه ويُضْرَب أن تكلم فلا تجب عليه الحِسْبة، وإن علم أن المنكر يزول بقوله وفعله ولا يقدر له على مكروه وجب عليه الإنكار، وإن علم أنه لا يفيد إنكاره لكنه لا يخاف مكروهاً فلا تجب عليه الحِسْبة لعدم فائدتها، وإن علم أنه يصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر بفعله فليس بواجب بل مستحب فعله ويثاب عليه. كل هذه الأشياء صاغها حجة الإسلام في مجتمع مستقر وبعيداً عن السلطة، فلا علاقة حتى الآن فيما يحدث بين الجماهير والسلطة.

انتقل بعد ذلك حجة الإسلام إلى الكلام عن السلاطين والأمراء وذلك في بابه الرابع تحت عنوان "في أمر الأمراء والسلاطين بالمعروف ونهيهم عن المنكر". وقد حدد من قبل درجات الأمر بالمعروف إلى التعرف، ثم التعريف، ثم النهي، ثم الوعظ والنصح، ثم السبّ والتعنيف، ثم التغيير باليد، ثم التهديد بالضرب. ثم إيقاع الضرب وتحقيقه، ثم شهر السلاح، ثم الاستظهار فيه بالأعوان وجمع الجنود، لكنه عند الكلام عن السلاطين قال: "والجائز من جملة ذلك مع السلاطين التعريف والوعظ لا غيرُ"، معللاً ذلك بأن استخدام أيّ شيء آخر مع السلاطين قد يؤدي إلى حدوث فتنة. يبدو أن الغزالي وقع تحت تأثير قوة الفقيه الصوفي وعادة الفقهاء أنهم لا يجيدون الحديث في كل ما يتصل بالسلطة.

وكأني بحجة الإسلام وهو يصل إلى قمته في تغيير مجتمع وتنظيمه بعيداً عن السلطة، إذا به ينحدر من القمة الفكرية عند الكلام عن تنظيم هذا المجتمع في كل ما يتصل بالمجتمع والسلطة. فكيف لمجتمعٍ أن يغير سياسة ظالم بالوعظ والتعريف!؟ أكاد أقول: إنني أتممت الباب ولم أكد أفقه جديداً في فقه تغيير ظالم او مقاومة مستبد. اكتفى الغزالي بتحريم الدخول على السلاطين الظَّلَمة والجلوس معهم وأشياء أخرى لا ترقى أن تكون قِيَماً تتعامل بها الجماهير مع المستبدين بهم، ولا تصلح أن تكون أساساً لشعوب ضاق بها الظلم أن تتحرك تجاه هذا العدوان من حكامهم على ممتلكاتهم وحقوقهم السياسية والاجتماعية والدينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.