شعار قسم مدونات

كيف استطاع أردوغان اللعب على تناقضات القوى العظمى؟

blogs أردوغان

أعطت الولايات المتحدة حق اللجوء إلى رجل الدين الصوفي فتح الله كولن الذي يتآمر ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم فألقت الحكومة التركية القبض على القس أندرو برونسن رجل الكنيسة الكاثوليكية. جمدت الولايات المتحدة أملاك وزيري العدل والداخلية التركيين تجميد وهمي لبث الفتنة حيث أنهما ليس لهما أملاك أو عقارات في أمريكا لكنها عقوبة وهمية لإثارة الشبهات حولهم فرد أرودغان بالمثل وجمد أملاك وزيري العدل والداخلية الأمريكيين.

هددت أمريكا بفرض عقوبات اقتصادية فهدد أردوغان بالمثل فبدأ المركزي الأمريكي بالتلاعب في سعر صرف الليرة بشكل مثير للريبة سحب أردوغان غطاء عملة بلاده من الذهب لدى المركزي الأمريكي وكان هذا بداية الصدام الحقيقي مع ترامب. طالبت السلطات الأمريكية بتسليمهم القس برونسن فصمم أردوغان على تسليم كولن أولًا ففرضت أمريكا عقوبات اقتصادية على تركيا برفع الضرائب على الواردات التركية بنسبة 50 بالمائة مما سبب تراجع حاد في سعر الليرة إلى ما يقرب الضعف.

براعة أردوغان

تركيا مقترضة ما يقرب من 220 مليار دولار على سبيل الاستثمارات من دول الاتحاد الأوروبي وأي عقبة في طريق نمو الاقتصاد التركي ستشكل خطرًا على تلك الاقتصاديات بيد أنه صمم على عدم تدخل البنك المركزي التركي لإنقاذ الليرة وترك الأمر يشتعل ليستشعر الأوروبيون الخطر. حاول أن يستغل وجود بلاده في حلف الناتو واستخدام ذلك كوسيلة ضغط على دول الحلف التي من ضمنها أمريكا دفع دول الحلف إلى التدخل لإنقاذ الوضع حتى لا تتأثر اقتصاداتهم أيضًا ومن ضمنها دول تعاني اقتصاديًا مثل إيطاليا وإسبانيا.

نجح في إشعار الجميع بالخطر وإيصال رسالة أن تركيا لن تتأذى وحدها فالخطر سيطولهم أيضًا استطاع أن يخرج من عباءة التسليح الأمريكي والبحث عن مصادر أخرى للتسليح تخدم مصالح بلاده وقام بشراء منظومة الصواريخ الروسية المتطورة على غير رضا أمريكا وهي تقنية لا يملكها غير تركيا من ضمن دول الحلف. طلب من المواطنين الأتراك تغيير العملات الأجنبية إلى الليرة التركية وطلب ذلك من رجال الأعمال حول العالم وبالفعل استجاب عدد كبير للنداء وترتب على ذلك تراجع سعر الصرف فورًا بنسبة لا تقل عن 30 بالمائة في رسالة للمجتمع التركي بأهمية الوحدة والتكاتف ضد المؤامرات الخارجية.

في صراع أردوغان الأخير مع أمريكا هددهم بتحالفه مع الروس وبتواجد بلاده في حلف الناتو NATO أي أن الحرب بين دول الحلف غير جائزة ففي حال تمت تؤدي إلى انهيار الحلف بأكمله مما يضر بمصالح أوروبا

بحث عن أسواق تجارية أخرى وعن حلفاء آخرين أهمهم روسيا والصين والمحادثات تجري على قدم وساق مع مجموعة النمور الآسيوية والبريكس وعمل على كسر قاعدة التعاملات التجارية بالدولار الأمريكي وقرر أن عملة بلاده هي البديل وحلفاء تركيا إذا أرادوا دعمها يقبلون بعملتها بديلًا للدولار وبالفعل أبدت بعض الدول العظمى رغبتها في ذلك. قرر فرض ضرائب على الواردات الأمريكية بنسبة 100 بالمائة أي الضعف الذي قررته الولايات المتحدة الأمريكية وأمر بتشكيل لجان مختصة لمناقشة سبل تصنيع المنتجات التي يستوردونها من الدول الأخرى والاهتمام بجودتها وكفاءتها وتقديمها بأسعار أقل للمواطنين والمستوردين على حد سواء.

السيادة

تركيا محور من محاور القوى العالمية دولة صاحبة قرار وسيادة تستطيع القيام بتدخل عسكري في دولةٍ أخرى دون إذن من دول الڤيتو دولة تستطيع إسقاط طائرة حربية لثاني أكبر قوة عسكرية في العالم روسيا دولة تستطيع تحدي أكبر دولة في العالم. ماذا فعل بوتين لتركيا بعد أن أسقطت المقاتلة الروسية وبعد تدخلها العسكري في سوريا حليفتها الأم في الشرق الأوسط عليك أن تتخيل أن دولة عربية هي التي أسقطت المقاتلة الروسية؟!

الاحتراف.. مضاربة القوى العظمى بالقوى العظمى

أولاً: روسيا
عند إسقاط جيش بلاده المقاتلة الروسية هدد روسيا بعضوية بلاده بحلف الناتو وبتواجد قاعدة أنجرليك العسكرية الأمريكية على أراضيه وأي عدوان على بلاده هو تهديد باندلاع حرب مع أمريكا والاتحاد الأوروبي أي حرب عالمية فترتب على ذلك تراجع بوتين عن مواقفه والروس معروف عنهم الجلافة في الموقف والرد فسلاحهم يسبق لسانهم وبدأوا في التفاوض ملمحين إلى دفع تركيا تعويض مالي إلا أن الرئيس التركي رفض التفاوض بشكل كلي متمسكًا بحق بلاده في حماية سيادتها مستندًا إلى موقف قوات الدفاع الجوي باختراق المقاتلة الروسية الأجواء التركية.

ثانيًا: الاتحاد الأوروبي
عند أزمته مع الاتحاد الأوروبي بعد رفض ضم تركيا إلى دول الشينجن استعرض القوة قائلًا إن قوات بلادنا العسكرية من جنود المشاة تشكل ثلث قوات المشاة بحلف الناتو بأكمله ففي حال انسحبت تركيا من الحلف سيفقد ثلث قوته العسكرية من المشاة أي أنهم في حاجة ملحة إلى الأتراك وفي حاجة إلى موقع تركيا الجغرافي المهم بالنسبة لأوروبا. هدد بفتح حدود بلاده لعبور اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي في ضربةٍ قاسمةٍ منه إلى إنسانيتهم المزعومة فهم لا يرحبون باللاجئين على عكس ما يحاولوا أن يصدرونه إلى العالم واستطاع أن يبتزهم بمليارات الدولارات لإيواء اللاجئين بتركيا وبالفعل أجبرهم على الدفع كنوع من أنواع التأديب لهم على رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

في صراعه الأخير مع أمريكا هددهم بتحالفه مع الروس وبتواجد بلاده في حلف الناتو NATO أي أن الحرب بين دول الحلف غير جائزة ففي حال تمت تؤدي إلى انهيار الحلف بأكمله مما يضر بمصالح أوروبا وبالتالي دول الحلف ستتصدى لترامب أي أن تركيا ليست وحدها بالإضافة إلى مساعدة روسيا لبلاده لكسب حليف قوي وفعال في المنطقة ولم يتردد في تعديد فضل الأتراك على الأمريكان على مدار أكثر من ستين سنة من التحالف المشترك. في العلوم العسكرية نظرية تدعى معادلة توازن القوى من هذا المنطلق يبدو أهمية القواعد العسكرية للدول العظمى في الدول الأقل قوة أو محدودة التسليح حيث أن العلاقة طردية بين القواعد العسكرية والاقتصاد وهما لازمان من أجل تحقيق السيطرة لذلك يسعى أردوغان لخلق البدائل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.