شعار قسم مدونات

الحياة للقساة.. ولليّنين الحب!

Blogs- sad

كمريض بالسكري يرى حلواه المفضّلة يتساقط أمامها ويبكي حظه العاثر، قبل فترة من الآن كنت سأقول، سأتناولها وأموت بها وفيها وعلى الحياة السلام، فنحن نعيش حياة واحدة لذا يجب أن نعيشها كما نريد ومع من نريد، ولو كلفنا الأمر الموت في سبيل هاته الغاية، ألم يقل جيفارا، "لن يكون لدينا ما نحيا من أجله، إن لم نكن على استعداد من أن نموت من أجله"، هذا ما كنت أؤمن به، كنت أعيش يوتوبيا في تفكيري، يوتوبيا أفلاطونية، حيث المثل العليا، والقيم الأخلاقية والمشاعر الصادقة، كنت ألعن العالم إن لم تتحقق على أرض الواقع، وأدافع عنها بكل ما أتيت من قوة.

نكبر وندرك أن اندفاعنا الزائد لن يجدي.. ندرك أن هناك أشياء لم تخلق لتدوم، وأن الأشياء الجميلة قد تغدو عادية في عينيك أو في عينيها، نكبر ونضحك على حماقاتنا السابقة، وعلى تفكيرنا الساذج، ندرك أن هناك أمورا تستوجب منّا تفكيرا عميقا.. فقد علمتنا الفلسفة أنها ليست ردود أفعال أنها إعادة نظر وتأمل وتأويل.. صحيح أن المشاعر لا تعتبر العقل، لكنها تصنع لنفسها فلسفتها الخاصة والتي قد تكون خالية من كل تعقُّل، وبالرغم من ذلك نجهدها في البحث عن الرفيق الأمثل.

يمر العمر ونحن نبحث عن ذاك الشخص الأنسب وننتظره، الشخص الذي يجب عليه أن يفهم طريقة تفكيرنا انطلاقا من حركات أعيننا أو إيماءتنا الظاهرية، ذاك الشخص الصادق في مشاعره الذي لا يكذب ولا يخون.. ثم نبدأ في لعن العالم والوجود لانعدام هذه القيم في مجتمعاتنا.. فجأة يرسل لنا القدر شخصا يخبرنا أننا بالنسبة إليه العالم الذي كنا نلعنه قبلا، أننا الحياة وما يملك.. ندرك صدق مشاعره ولا نصدقه، نضع له شروطا تقيده من كل جنب، بتصرفاتنا نخيّره بين كرامته وحريته وبيننا نحن، يختارنا نحن، لأننا اختياره الأول الذي أراد، نستمر في القسوة عليه، ولأنه الشخص الأنسب سيختار كرامته التي لن يجرأ على خسارتها مجددا، وسيرحل عنا ولن يعود لأنه مدرك وواعٍ من أنه لا فائدة من البقاء..

 

رغم كل هاته القسوة التي يسبح فيها العالم مازلنا نبحث عن ذاك الشخص المحب الصادق، قد نكون اكتسبنا شيئا من القسوة بحكم أننا نتشارك نفس الكون، لكن سنعمل على أن يلين في سبيل إنصاف الاخر

ثم سنكرر كالخرقى مقولتنا الشهيرة؛ لو كان خيرا لي لظل معي.. كلا عزيزي ربما نحن الشر الذي أزاحه الله عنه من طريقه.. نستمر في خسارة الذي أحبنا فعلا دون شرط، ولن نجيد بعدها إلا التذمر من غياب الغير المحب الصادق الذي لا وجود له في هذا الكون وندور في حلقتنا المفرغة إلى أن نتعود على الوحدة القاتلة.. ذلك الغير المحب سيدرك أن اندفاعه لن يُثمِر، سيذبُل أو يتساقط فقط، لكن في المقابل سيبتعد سيصبح تفكيره أكثر نضجا وسيدافع عنه بكل ما أوتيّ من قسوة، ثم سيعانق روحه، ويقول بعدها؛ منا إلى الحياة ألف سلام.

 

نحن قساة القلوب نزرع في قلوب الأخرين القسوة، وهذا ليس بغريب أو ببعيد عنّا فقد ربينا منذ الصغر أن الشخص الفد، الناضج والعاقل، هو قاسي القلب الذي لا تحركه المشاعر العابرة الذي يظل شامخا أمام الجميع، الذي يجيد تجاوز كل الأزمات العاطفية منها خاصة دون إكثرات دون تدهور دون تأثر حتى، ماذا تنتظر من ثقافة إذا أفصح فيها الرجل عن مشاعره نعته بالمرأة، وإذا كتمت المرأة ما تشعر به وتجهالته، مدحها بألف رجل، وكأن المشاعر، الإحساس، الرأفة، البكاء.. مفاهيم رهينة بالمرأة فقط، على اعتبار أنها ذم ينعت به الرجل. لا نعيش لحظاتنا بكاملها، فالحزن إحساس لا ضير إن عشناه كاملا والفرح كذلك، والبهجة، والبكاء. كبرنا ونحن نردد أن الحزم هو سوء الظن بالناس، والمساواة مع الاخر هو انتقاص من شخصك أنت، وخذلانه انتصار، والرأفة ضعف، ونحن ننشد الشخص الحازم القوي الذي يسعى للاقتراب من الكمال. كبرنا نحن وكبرت بداخلنا القسوة، منذ الصغر، منذ نعومة أظافرنا، ونحن ننظر لمشاهد العنف على أنها مشاهد لا تغني ولا تذر، مشاهد لاعتيادنا عليها أصبحت عادية.

 

على القنوات التلفزيونية كنّا نمعن النظر في مشاهد العنف والقتل والدماء وأشلاء الأطفال منثورة على أرصفة الشوارع، ونحن على مائدة الطعام وشهيتنا مفتوحة نستلذ الأكل والشرب، نشاهد كل هذا بدعوى أننا يجب أن نعرف أخبار إخواننا في دول الحروب، وأن نتحسر على حال فلسطين ونرثي واقع سوريا، ونتذمم من واقعنا المرير، كنّا نشاهد أخبار الموت والقتل بتركيز كبير ثم نتشدق بعدها بالحديث عن الحلول والتحليلات السياسية التي لن تغني ولن تثمر تغييرا، لكن ما إن يمر مشهد عاطفي بين شخصين، حتى نتلعثم في الحديث ونبحث عن آلة التحكم لتغيير القناة الفضائية، ماذا ترجو من ثقافة تعودت على الدماء والحروب حتى أصبح مشهد رصاصة في قلب طفل لا يحرك ساكنا، وقبلة بين شخصين تقيم الدنيا فنقوم بتغيير المحطة، تمنينا لو أن وقع تلك الرصاصة كان كوقع القبلة في النفوس، لو حقا أزعجتنا بنفس القوة فسعينا لتغيير الحال كما نغير القناة بسرعة.

كبرنا ونحن نُبخس قيمة المشاعر ونردد أن هذه الحياة ملك لقساة القلوب، بهذه السمة ستبتعد عن التعلق أو التأثر، ستعيش رجلا بعيدا عن صفات النساء، ستعيش وأنت تملك زمام أمورك لوحدك دون حاجة للغير. لكن رغم كل هاته القسوة التي يسبح فيها العالم مازلنا نبحث عن ذاك الشخص المحب الصادق، قد نكون اكتسبنا شيئا من القسوة بحكم أننا نتشارك نفس الكون، لكن سنعمل على أن يلين في سبيل إنصاف الاخر، الذي قد يكون هو الآخر قاسيا لكن سنعيش على أمل أن يلين قلبه كذلك. نعم هذا العالم ينقصه كثير من الحب، لذلك أحبوا بعضكم يا قوم فقد أتعبتنا القسوة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.