شعار قسم مدونات

مهد البطولة والنقاء.. وستبقى غزة للعدو بالمرصاد

blogs غزة

مضت ليلة يوم الاثنين على غزة، ليلة جريحة، لكنها ليست بغريبة الهيئة والحس فكثيرا ما شهدنا مثيلاتها، بل أشد ايقاعا بسوادها القاتم على نفس تلك المدينة الفاضلة الذي لا يمل قلمي بمخاطبة ودها، حيث عاشت الألم والأمل بصباح يعم فيه النور على جزيئاتها ويلفح نسيم الهواء الصباحي البارد وجوه صغارها وكبارها. ليلة أمس كانت فريدة بامتياز ليست لأننا قدمنا قرابين لله وفاء للقسم الذي أقسمناه على أنفسنا، أننا سنبقى باقين واقفين.

 

بل لأن غزة تلك التي أصابتها سهام الاتهامات من هنا وهناك ممن ساءت وجوههم وأحزنت قلوبهم انعاش غزة ودعم صمودها الذي طال في سنوات اثني عشر عاما عجاف، حيث منعوا عنها منابع الحياة، ففتحوا كنانة سهامهم وشرور نفوسهم وأمطروا مواقع صحافتهم الصفراء بالأقوال والتصريحات بأن "غزة نزلت عن الجبل لجمع غنائم المرحلة" ذاك الجبل التي حمت الديار من على مشارفه، ولكن عدوها الغادر وجدها متزندة بسلاحها، متيقظة لغدره الأبدي الذي سجلته كتب الأديان والتاريخ ذاك العدو الذي أخطأ التقدير وأقدم على فعلة لا يقوى على نجاحها في شوارع غزة، الشوارع التي في صمتها حياة وفي سكون ليلها ترقب وعيون ساهرة لا تعرف النوم إلا حين يتجلى النهار.

غزة تلك التي لم يستطع أحد أن يواريها التراب أو يصلي عليك صلاة الغائب فسيف حاميها سيسبق عزمه.. يا مهد البطولة والنقاء ستبقين بالمرصاد وسيبقى كل غازي يرى حتفه من حروف اسمك وصلابة رجالك

أقدم العدو وتغابى على تجاوز حدود الموت ذاق الوجع مراتٍ فيها ولكنه لم يفهم الدرس جيدا فأقبل على خطيئة أخرى، لينال من شر أعماله ويهرب بمساعدة وحماية قوته الجوية بعد أن أُدرج بالدماء ليعود لقيادته منددا: "قد أثقلتم علينا العيار وأخطأتم تقدير الواقع، فنحن لم نتلصص لدخول مدينة إنما دخلنا عش دبابير أتقنت حراسه تصرف النبيه في حدوث المباغتة والمفاجئة" سيعود جاراً ذيول خيبته وخيبة كباره والذين خسئوا في توقعاتهم حيث بانت سوءتهم وسوءة أجهزتهم الاستخباراتية والميدانية كما عصفت في حجورهم حقيقة أن الحرب على حدود غزة ليست رحلة صيد كما يحلُمون.. فغزة لم تكن يوما لقمة صائغة أو أنها سهلة يسرة على الكسر والمنال من القريب أو البعيد ومن لم يعلم ذلك، فليسأل كتب الزمان التي لم يصيبها تشوهات التحريف وسيجد فيها الخبر اليقين.

أما شهداءنا فرسان المرحلة هم ذاك الوقود التي يشحن به السائرون هممهم وحبهم للمضي حتى الثأر والوصول إلى الأماني، الأماني التي أرتقى على أعتابها الكثير من أرواح ثرياتنا ولا زال الصوت قويا هادرا في وجه كل خنوع وخضوع وتنسيق أمني، مؤكدا أن الأماني نجوم علياء، لا تُصيبها سوى الأيادي الحمراء.. ذهب شهداءنا ورحلوا وأبقوا أثراً نُحت على صخر صفحات أعمارهم القصيرة، امتلكوا العقيدة وروح الجهاد لحمل مفتاح الوطن ولكن مداد سنين عمرهم قد قُصر.. فمنهم العالم المجاهد، الذي عايش القرطاس والسلاح وزَاوج بينهما وأدرك كل الإدراك أن الحياة بهما لا بأحدهما.. رحل بجسده وترك قرطاسه لزملاء محبرته. ووضع سلاحه أمانة عند رفقاء المعركة فما زال فيه الكثير من الرصاص ليزغرد في ساحات الفصل المقبلة.

ومنهم من كان عريسا دُقت له طبول الزفاف قبل أيام وغنوا له "يا زين العرسان" وهم لا يدرون أن زفافا أكبر في انتظاره ليكون من زين الشهداء وليودع عروسا ما بات لقاءه بها طويلا ومازالت خضب حناءها منقوش على ذراعيها تلك التي كانت تهمُ لاحتضان حب الحياة فيهما.. لم نبكي شهداءنا لأننا وهنا أو ضعفنا أو لأن عدونا أصابنا في مقتل لا والله، إنما لأننا كنا نود أن يكونوا شركاء معركة النصر كما كانوا شركاء معركة الإعداد والتجهيز. غزة يا مدينة الأحلام والدماء.. غزة يا وطن الخير والأخيار.. غزة تلك التي لم يستطع أحد أن يواريها التراب أو يصلي عليك صلاة الغائب فسيف حاميها سيسبق عزمه.. يا مهد البطولة والنقاء ستبقين بالمرصاد وسيبقى كل غازي يرى حتفه من حروف اسمك وصلابة رجالك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.