شعار قسم مدونات

تحرير أستونيا.. الثورة القانونية

تحرير أستونيا.. الثورة القانونية

كانت البلاد في حاجة لإيقاف السوفيتيين من استغلال المناجم الطبيعية في البلاد، ولذلك قرر بعض العمال الاستعداد لحملة لإيقاف المصانع عن العمل من خلال استخدام (الحفاظ علي البيئة والهواء) كشعار لهم، وأيضا كستار قانوني بعيد عن الاشتباك بالمستعمر ولكي لا يعطي الفرصة للحكومة بقمع المحتجين، ونزلت الجماهير في مسيرات سلمية دون تعطيل حركة المرور، أو رفع أي لافتات سياسية بل كان الجميع علي نفس الدرجة من الوعي واستخدام حماية البيئة وسيلة لإحراج الحكومة وإخضاعها لمطالب العمال بغلق المناجم وأتت العملية أكلها بكل سلاسة دون أي اشتباك، وأغلقت المناجم بلا عودة.

عُرفت فترة الثمانينيات تعرف بفترة (براسترويكا)، اتجهت الحكومة في تلك الفترة إلى السماح بالحديث عن الثقافات المختلفة الموجودة في الجمهوريات السوفيتية كمحاولة منهم للترويج للمبادئ الاشتراكية التي يعيش كل الناس فيها سعداء رغم اختلافهم. الأمر الذي استغله الشباب ونظم مسيرة في قلب العاصمة للحديث عن ماضي وحاضر البلاد الذي فهمه الكثيرين أنه يدلل على فترة ما قبل الاحتلال السوفيتي وبعده، كان الجميع على دراية بأن هذه العبارات هي فقط لتقنين الخطاب الثورة، الأمر الذي سمح لهم باعتبار ستالين قاتلا وأن بلادهم كانت بلاد مختلفة في السابق مع عدم الإشارة بأي رأي في هذا الاختلاف كونه جميل أو قبيح بل ترك هذا القرار للجماهير.

 

وفي النهاية كانت هذه المسيرات ثورية بكل ما تعنيه الكلمة وقانونية في نفس الوقت، بل أيضاً تحايل الشباب على قانون تجريم رفع علم أستونيا القديم برفع 3 أعلام مستقلة كلا منهم يحمل لونا واحدا فقط، الأبيض، الأزرق، والأسود، بثلاث أشخاص مختلفين لتكوين علم البلاد مجتمعة، وأيضاً -بشكل قانوني- استمرت المسيرات في الزيادة ومهرجان الغناء السنوي في الزيادة بإضافة فقرات للرقص الفولكلوري، والمزيد من الأغاني القومية باللغة الأستونية بل وصلت إلى إلقاء خطابات سياسية على نفس النهج بالحديث عن الماضي والحاضر المختلفين للبلاد في نطاق واسع و حشود ضخمة في قلب العاصمة، حتي في يوم من الأيام وساعة متأخرة من الليل قبل انتهاء المهرجان السنوي، قام الناس بغناء النشيد الوطني لأستونيا.

 

صرح الساسة من أستونيا في القنوات التلفزيونية باللغة الروسية؛ أنهم لا يريدون الانفصال عن الاتحاد بل فقط الاعتراف بهم كدولة ذات سيادة على الأقل

فانهال الجميع بالبكاء ثم رأوا دراجة مجهولة تحمل ولأول مرة في البلاد العلم الأستوني، الأمر الذي دفع الجميع لرفع نفس العلم في هذا الوقت، فأصبح الناس لأول مرة ينشدون النشيد الوطني، وتحية علمهم منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، وأدرك الساسة أن الشعب وصل لنقطة اللاعودة وأن طريقهم السلمي نجح في قطع شوط كبير في تحرير الأرض.

سارعت الحكومة السوفيتية بتغيير رئيس البلاد للحد من هذه التجمعات ولكن لم يكن للسوفييت سبيلا للحديث عن الأمر فى العلن فالمسيرات قانونية لا تدعو للانفصال هي فقط تعبر عن ثقافة الشعب، الأمر الذي أحرج السوفيتيين أمام العالم وأجبرهم علي التراجع، ثم اتجه الساسة بمطالبة الحكومة السوفيتية بالإفصاح عن اتفاقية "Molotov–Ribbentro-Pact" علناً والاعتراف بأن أستونيا دولة محتلة ليست جزء من الأراضي السوفيتية واتجهت الناس لإقامة سلسلة بشرية علي امتداد مئات الكيلومترات للفت أنظار العالم والضغط على الحكومة السوفيتية بقبول الطلب حتي رضخت الحكومة لهذه المطالب، ولكن توعدت عجائز الكريملن بتكميم أفواه أي محاولة للانفصال عن الاتحاد مهما كان الأمر، وصرح الساسة من أستونيا في القنوات التلفزيونية باللغة الروسية؛ أنهم لا يريدون الانفصال عن الاتحاد بل فقط الاعتراف بهم كدولة ذات سيادة على الأقل.

عندما اعترفت الحكومة السوفيتية بسيادة أستونيا على الأرض اتجه الثوار لمطالبة الناس الذهاب لهيئة التعداد، حاملين جوازات سفرهم الأستونية فقط وليست السوفيتية، وتسجيل أعدادهم، وبياناتهم مدعين أن سيادة الأرض تعني وجود شعب أصلي يسكن البلاد وبناء عليه؛ قاموا بإنشاء برلمان للبلاد مستقل عن الحكومة الشيوعية، فقط يناقش أوضاع البلاد دون وضع قوانين، فرض عقوبات، أو اتخاذ أي قرارات سياسية، بل هو بالكاد لعب على نفس وتر الثوار، فاستخدام الثقافة والتاريخ، وقام بحظر رفع العلم الشيوعي للبلاد، واستخدام العلم الأصلي للبلاد، واعتماد اللغة الأستوني، اللغة الرسمية التي تعبر عن ثقافة الشعب وتاريخه، وصرح رئيس البرلمان بشكل غير رسمي أن أي قرارات بعيدة عن هذا النهج ستعطي فرصة للسوفييت بتدمير كل جهودهم وآمالهم فالاستقلال، وأن كل التحركات يجب أن تكون قانونية وسلمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.