شعار قسم مدونات

لا أمل يطفوا فوق بركة عكرة!

مدونات - الريف

"لا أمل يطفوا فوق بركة عكرة" ظلت مطالبنا حبيسة أوراق، عجزنا عن تحقيقها كعجز رجل مسن قد ضاقت به الدنيا، زهرة شبابنا تذبل وتضمر في وطن أقل ما نقول عنه أنه فشل في إيلائنا وحضننا. زهرة شبابنا ضمرت كتضاؤل فرص العمل، كتضاؤل قدرة نبات على التنفس وبالتالي عجزت عن الوقوف، كعجوز اضمحل بصره وخارت قواه البدنية بعد طول عناء. زهرة شبابنا قد دب فيها اليأس، نكبات الدهر أصابتنا، نوائب الزمان وصروفه، شدائده الموجعة كوجع الألم.. كوخز إبرة حين توجعك بشَكَتها.

"لا أمل يطفوا فوق بركة عكرة"، هو عنوان له عدة دلالات، رغم مقولة "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" لكن أملنا يحترق كاحتراق ورقة يوماً بعد يوم، لا أمل يصمد حين يزداد ضيق عيشنا، حيث تتحطم كرامتنا.. كرامة قد بلغت أقصى درجات الحضيض، حياة قاسية لا تنبث غير الشوك. قد عصف بي الألم في وطن مكسورة أجنحته، اغتصبوا بكرته.. ظل مرتعاً لنشالين فاسدين استنزفوا ثرواته، آمالي فيه ذابلة سقيمة كفصل الخريف حين ينثر أوراقه اليابسة الصفراء. فلا تستغرب حين ترى مناطق مهمشة قد كتب اسمها في الهامش.. نساء قرويات بدويات تعرضن لظلم الحياة وقهرها.. قسوة العيش ومرارتها.

كفانا من الشعارات الزائفة التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، فالتنمية تتحقق بتظافر جهود الدولة باعتبارها المسؤول الرئيسي عن هذا التدهور والتأخر التنموي.

بيوت من قصب وطين، تأوي عائلات تقطن أعالي الجبال الشامخة بعلوها وضخامتها، جبال شامخة تجاوزت التل ارتفاعاً، مناطق منسية تشتد برودتها من كثرة الثلوج التي تغطيها فتتجمد ساكنتها، تعيش زخات برد قارس إثر أمطار كثيفة باردة كبرودة أمطار "موسكو" حيث تنزل من السحاب. نساء شامخات بالصبر وقوة الإيمان وتحمل قسوة الحياة، نساء ضاقت وجعاً وتعسرت أمامهم السبل، نساء اعتراها ضجر، مهملات منسيات.. أهملهم الوطن وتركهم في الهامش دون أدنى رحمة. فك العُزلة عن العالم القروي هو شعار حَملتُه كافة الأحزاب واتخذته وعد من وعودها الزائفة في الانتخابات، شعارات يتم ترديدها بشكل ببغائي. محاربة الأمية وتحقيق التنمية وحل مشكل التوظيف.

خطابات سياسية لا طعم لها ولا لون خصوصاً الخطابات المتعلقة بالعالم القروي وفك العزلة عنه، أما بعد انقضاء الحملات الانتخابية فتعود المياه لمجاريها. ينكمش السياسيون على كرسيهم الرئاسي، والبدوي المسكين، والمقهور يعود إلى بيته وتقليب تراب أرضه لعل الله ييسر أمره ويرزقه نعمتها التي ينتظرها بعد كل فصل شتاء. هذه حياة البدويين الذين لا حق لهم في الدراسة والتعليم والتنمية وإصلاح الطرقات، فهم لا يستفيدون بتاتاً من ثروات البلاد وعائداتها. العالم القروي عالم مهمش في المغرب، خصوصاً في المناطق غير المعروفة، العالم القروي عالم يجب إخراجه من الظلمات إلى النور.

معظم المشاريع التنموية المخصصة للنهوض بالعالم القروي تبقى حبراً على ورق، أو معلقة لدواعي انتخابية كما سلف الذكر. سئمنا من هشاشة البنيات التحتية وتفشي الرشوة حيث عم الفساد جميع القطاعات فاستفحل كفيروس قاتل. ناهيك عن رداءة الطرقات ومشاكل الحفر والوديان العميقة التي تحول دون وصول ساكنة الدواوير والمناطق المهمشة إلى الأسواق الأسبوعية أو وصولهم إلى الطرق الرئيسية. فبالله عليكم هل المواطن هو من تتحطم كرامته يوماً بعد يوم، يعيش في عوز وحاجة، حقوقه مسلوبة. فكفانا من الشعارات الزائفة التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، فالتنمية تتحقق بتظافر جهود الدولة باعتبارها المسؤول الرئيسي عن هذا التدهور والتأخر التنموي.

فلا يجب طمس حقائق تكشف مدى عوز وحاجة هذه المناطق إلى مستشفيات وخدمات ومدارس وتنمية القرى النائية. نحن بالفعل بحاجة إلى تدخل اضطراري لفك العزلة، نحن بحاجة إلى تدخل فوري لإصلاح المسالك الطرقية غير المعبدة. فكيف يعقل أن ساكنة دوار ما في حاجة إلى إدارة معينة قصد قضاء أغراضها أو الحصول على وثيقة فلا يجدون معبراً ولا طريقاً مؤدية. كيف يعقل أطفال صغار يقطعون مسافات طويلة على أرجلهم للوصول إلى المؤسسات التعليمية والمدارس، ساكنة المناطق في حقيقة الأمر مهما قدمت من شكايات ومهما صرخت لا يستجاب لمتطلباتها وصرخاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.