شعار قسم مدونات

أسئلة لم تطرح بعد حول قضية خاشقجي!

blogs خاشقجي

لا مرية أن ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة، يقود بلاده باستبداديةَ مطلقة حيث ألغى نهائيا هامش حرية التعبير النسبي الذي كان موجودا قبل توليه ولاية العهد وانتهك حرية تعبير المجتمع السعودي من أكاديميين وناشطين سلميين وصحفيين ومن أشهرهم جمال خاشقجي الذي يمثل اغتياله، من قبل فرقة موت مكون من عناصر في الجهاز الأمني والاستخباراتي السعودي، ذروة انتهاك حقوق الانسان والقانون الدولي.

وبديهي أن النظام السعودي لن ينجو بسهولة من عواقب هذا الاغتيال الداعشي حيث تكالبت الدول الغربية ضده لأول مرة في التاريخ. كما ينبغي أن يكون هذا الحادث البشع سببا لإطلاق الحريات المدنية والسياسية في المملكة ووقف خنق النظام السعودي لشعبه. لكن من يتابع قضيّة شهيد الكلمة جمال خاشقجي بدقة يكاد يسبح في حيرة كبيرة منذ أكثر من شهر حيث إن هناك أسئلة كثيرة لم تطرح بعد وتتمحور في الجانب الأخلاقي للقضية. 

يجري الحديث، وبحق، عن ضرورة محاكمة المتورطين في قتل خاشقجي، وترى الحكومة السعودية أن المتورطين هم من باشروا عملية الاغتيال وبعض المسؤولين الأمنيين والحكوميين الذين تم إبعادهم عن مناصبهم، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصرّ على رفع مستوى المسؤولية إلى أبعد من ذلك، لكن وإن لم يحدد المدى فقد استثنى الملك السعودي. ومن هنا يجب أن نتساءل: أليس للملك سلمان مسؤولية أخلاقية بكل ما جرى ويجري في السعودية منذ اعتلائه العرش؟ ألم يغير مسار الحكم بإقصاء أخيه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز ومن ثم إبعاد ابن أخيه الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد واختيار ابنه المفضّل والمدلّل محمد الذي لا يتمتع بأية خبرة تُذكر في إدارة شؤون البلاد؟ أليس من الاجحاف التركيز على نقد وتعقب الأمير محمد بن سلمان متناسيا من أوصله إلى منصبه كولي للعهد وكوزير دفاع يخوض حربا مدمرة لليمن وأهله منذ أكثر من ثلاث سنوات؟ ألم يحن وقت مناقشة أهليّة الملك سلمان للحكم أصلًا بسبب كل ما حدث في حكمه كحصار قطر وغيره؟ 

قضية مقتل الشهيد خاشقجي رفعت بصورة ملحوظة أصوات المعارضة السعودية في الخارج لاسيما بعدما ثبت للقاصي والدَّاني أن النظام السعودي يعيش في ورطة كبيرة بسبب تكالب الدول الغربية ضده خلافا للمعهود

للمرة الأولى في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، منذ عام 1932 إلى الآن، تتغير المملكة السعودية إلى مملكة مُحْمَانِيَّة، نسبة إلى محمد بن سلمان، الذي يجمع حاليا جميع السلطات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بين يديه خلافا للمعهود في النظام السعودي حيث كانت الأدوار موزّعة بين كبار الأمراء وأسرهم، لكن منذ أن تولى الملك سلمان الحكم في يناير 2015 تمَّ إبعاد جميع المتنفذين وذوي الخبرة من آل سعود وغيرها عن إدارة شؤون البلاد. إن ثبت تورّط ابن سلمان في مقتل خاشقجي ينبغي محاسبته لكن يجب عدم نسيان المسؤولية الأخلاقية لمن أوصله إلى مناصبه العديدة. 

إن قضية مقتل الشهيد خاشقجي رفعت بصورة ملحوظة أصوات المعارضة السعودية في الخارج لاسيما بعدما ثبت للقاصي والدَّاني أن النظام السعودي يعيش في ورطة كبيرة بسبب تكالب الدول الغربية ضده خلافا للمعهود. وهذا الظهور الملحوظ للمعارضة السعودية يمكن فهمه وتقبلّه بسبب ما عانت من قبل السلطات السعودية كالسجن وأصنافا أخرى من المضايقات التي قد تمسّ حتى أقرباءهم في المملكة. لكن اللافت هو أنّ هناك إجماعا شبه تام من قبل رموز المعارضة السعودية أنّ نظام آل سعود لا يمكن إصلاحه من الداخل بل لا بد من إسقاطه. وهذا الطرح العاطفي مخيف جدًا إذ إنه يمثل نفس ما طرحه مناهضو نظام صدام حسين ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح. والجميع يعرف ما آلت إليها العراق وليبيا واليمن بسبب أنّ رموز المعارضة في هذه البلدان دعوا إلى إسقاط هذه الأنظمة ونفذوه دون استعداد مسبق لإدارتها. ورموز المعارضة السعودية تسير الآن على النهج نفسه.

دعوات بإسقاط النظام السعودي من قبل أفراد لم يتمكّنوا منذ سنوات عدة من إيجاد إطار تنظيمي واحد يجمعهم لأسباب شخصية وفكرية وقبلية، بل كل واحد منهم يغرد مِن على غصنه. فكيف يديرون بلدا شاسعا بأكثر من مليوني كيلو متر مربع وذي أهمية اقتصادية واستراتيجية وروحية عظمى مثل بلاد الحرمين؟ أليس من الأحسن بلورة برنامج شامل لتحسين جميع الأوضاع في المملكة مع الملك الحالي أو القادم بدلاً من هدم النظام وإعادة بنائه من جديد كما أرادت من قبلُ رموز المعارضة اليمنية والليبية والعراقية؟ ومن جانب أخر، إن الجميع يُثنِي، وبحق، على طريقة إدارة الحكومة التركية لقضية خاشقجي حيث رفضت مساومتها بالريالات بل فضّل المضي قدما لإظهار كل ما جرى فعلا للصحفي المغدور.

 

هذا الموقف المشرّف يُحسَب للرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته حيث إنه قلّ ما توجد حكومات تصمد أمام البترودولارات. لكن المشكلة تكمن في سبب هذا الموقف التركي النبيل. أهو دفاع عن حرية الصحافة والتعبير؟ أم دفاع عن حقوق الإنسان؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا يَزُجُّ حكومةُ الرئيس أردوغان عددا كبيرا من الصحفيين الأتراك في السجن؟ ألم يحرم الرئيس أردوغان وحكومته آلاف الأطفال الأفارقة من الدراسة بإغلاق مدارسهم الأهلية وحرمان آلاف المدرسين من وظائفهم بحجة أن تلك المدارس تابعة لجماعة فتح الله غولين المحظور حاليا في تركيا؟ يبدو أن الحكومة التركية وجدت في قضية خاشقجي فرصة نادرة للانتقام على النظام السعودي الجديد بسبب مواقفه ضد تركيا وهذا مقبول سياسيا لا أخلاقيا. يمكن أن يكون الموقف التركي مشرفًا أكثر حين تصبح تركيا قدوة حسنة في حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان ويخلوا السجون التركية من صحفيين وينتهي ملاحقة مواطنين أتراك بسبب انتمائهم السابق لجماعة محظورة الآن، ويَتِمُّ لَمُّ شمل جميع الأتراك في الداخل والخارج لأجل بناء تركيا العظمى. 

وإن مما يُحسَب للحكومة التركية أيضا تعقّبها السريع لفرقة الموت السعودي الذي قتل جمال خاشقجي. ففي غضون أيام قليلة تمكّن الأتراك من إعلان هويّات القتلة بدقة متناهية ونشر صُوَرِهم أثناء تحرّكاتهم داخل مدينة اسطنبول. وهذا يدل على مدى دقة النظام الأمني في تركيا ويجب أن يستفيد كثير من الدول من التجربة الأمنية التركية. أضف إلى ذلك أن الأتراك استطاعوا التوصل إلى معرفة جميع تفاصيل عملية قتل الصحفي المغدور داخل القنصلية السعودية وأن بحوزتهم شريطا مسجلا لعملية الاغتيال، وهنا المشكلة، كيف حصلوا عليه؟ قد أفاد كثير من المراقبين أن الحكومة التركية على علم تام بكل ما دارت في القنصلية السعودية مع جمال خاشقجي لكن المشكلة تكمن في أن الأدلة الدامغة التي بحوزتها لن تُقبَل في محكمة بسبب أنه تم الحصول عليها بطريقة غير أخلاقية. ما المقصود بالطريقة غير الأخلاقية؟ أتعني أن حكومة حرب العدالة والتنمية الإسلامي زرعت أجهزة تنصّت داخل قنصليات وسفارات الدول الأجنبية في اسطنبول وأنقرة؟ نرجو الإفادة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.