شعار قسم مدونات

بيريفان وحكاية الدمية وسيّد الظلام

blogs طفلة تحمل دمية

(كنتُ سبيّة عند رجل داعشي كان يُشبه ملامح ذلك الوحش الذي كنت أخافه في حكايات جدتي، بعينين جاحظتين، يعمّ رأسه بعمامة سوداء، ويسدلها على شعره الأشيب المتدلّي على كتفيه، كأنه أحد قراصنة (جزيرة الكنز)، يزنّر خصره بحزام عليه رصاصات مصفوفة؛ تشبه مكعبات أختي التي تصغرني الملونة، إلا أنّ رصاصه كلّه بلون باهت واحد، ينتعل حذاءً تخرج منه أصابع قدميه الغليظتين وأظافر طويلة قذرة، حسبته للحظة بزيّ تنكّري في ألعاب التنكّر التلفزيونية).

 

(لا أستطيع نسيان لحظات استحضاره روحه الشريرة، ويضربني لأدنى سبب، كأنها أطراف سكين مشحوذة تخترق جسدي، وحشرجة متّقدة وغريبة تشبه أنفاس التنين (كريسو) وهو يشرب النبيذ، كنت أهرب منه، واستنجد بأمي التي خطفوها قبل سنة، أو أختبئ خلف لعبتي، منذ تلك اللحظة كلما شممت رائحة النبيذ كنت أشعر بالفزع وأحمّل لعبتي وِزر ما كان يحصل لي، لذلك كنت أضرِبها، أخنقها، وأرميها في خزانة الأحذية المظلمة، ثم أحضنها من جديد).

 

(أحياناً كان يعود إلى بيته وبقع الدم تدنّس ثوبه، سألتهُ والذعر يملأ قلبي عن مصدرها، قال لي بضحكة ساخرة: قتلتُ أطفالاً لطيفين وناعمين مثلكِ ومن في عمرك، هل عندكِ مانع؟ سأقتلكِ أنتِ أيضاً إن لم تفعلي كلّ ما آمركِ به. سألتهُ بمزيد من الخوف: هل ضحاياك سيموتون الى الأبد بلا عودة؟ هل سيرحلون بعيداً عن أمهاتهم ودفاترهم المدرسية؟ ألن يتناولوا سكاكر العيد بعد اليوم؟!

 

عندما أكبرُ، سأعود إلى أمي التي تنتظرني وستناديني أمي وستقول لي كعادتها: بيريفان أين كنتِ كل هذا الوقت لقد تأخرتِ كثيراً يا عزيزتي، سأعود إلى دفاتري المدرسية

لم أكن أصدق ما قاله لي، لذلك مضيت أساله: وهل ستقتل قطتي التي تركتها في المنزل؟ لكنّها لم تؤذِ أحداً. منذ ذلك اليوم، حين كنت أرى ثيابه ملطخة بالدم أرتجف وأبكي لفوري وأسالهُ: كم هو عدد الأطفال الذين قتلتهم اليوم؟ صرخت ذات مرة في وجهه حزناً وأخبرته: أولئك الأطفال لم يموتوا بعد، سيتحوّلون إلى عصافير تنقضّ عليكَ، وتنقر في جسدكَ السمين، حتى تتحوّل إلى فتات تتطاير منها أجسادهم التي قتلتها دون ذنب، ويعيشوا من جديد، عندها صفعني بشدّة، فتورّم وجهي ككرة نارية).

 

(ذات يوم عاد الى البيت باكراً، قال لي: "لن أقترب منكِ بعد اليوم أو أوبخكِ على طعامكِ المحترق الذي كنتِ تعدّينه لي مُرغمة، سترحلين من هنا". شعرتُ بفرح شديد، ونسيتُ غبطة كلّ ما جرى لي منذ سنة منذ حين خطفوني وعمري إحدى عشر سنة، صرتُ أتطاير فرحا في خاطري من شدة سعادتي، واعتقدت أنه سوف يتركني لأعود إلى أهلي وأصدقائي وقطتي في شنكال. سخر مني مقهقها كضحكة "سيد ظلام" لتظهرَ عتمة فمه الوسيع، فشدّني من وجنتيّ بخبث وقال لي: سأبيعك إلى رجل ليتزوج بكِ يا صغيرتي الحلوة، دفع لي نقوداً لا بأس بها، هيا جهزي نفسك الرجل بانتظارك في المضافة. هه.. من تظنين نفسكِ، فأنت سبيّة لا غير، تُباعين وتُشترين كأي لعبة).

 

(سألتهُ باكية: هل سيبيعني ذلك الرجل إلى آخر؟ وهل في هذه البلاد العجيبة فقط الصغار يباعون كسبايا أو يتزوجون عنوة؟ إذاً، عندما أكبرُ، سأعود إلى أمي التي تنتظرني وستناديني أمي وستقول لي كعادتها: بيريفان أين كنتِ كل هذا الوقت لقد تأخرتِ كثيراً يا عزيزتي، سأعود إلى دفاتري المدرسية ودراجتي الخضراء التي تركتها في فناء دارنا).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.