شعار قسم مدونات

متى يتحرر الشباب العربي من عقدة الرجل الأبيض؟

blogsعقدة الخواجة

حجز تذكرة الطيران والوجهة الشرق الأوسط بحثا عن مستقبل أفضل وفرصة تخلصه من مستنقع الديون الذي لا يفارقه. ذهب لبيت زوجته ليلقي عليها السلام قبل السفر لكنه تبين أنها قد غيرت سكنها ورقم هاتفها دون علمه وذهبت لتعيش وحدها قريبا من عملها في ولاية نيويورك. بحث عن رقم ابنه الوحيد في سجل الهاتف وبعد طول عناء وجده مكتوبا على ورقة قديمة لربما لم تفتح منذ سنين. أخبر ابنه بأنه متوجه للشرق الأوسط فأجاب الابن ببرود: "أتمنى لك رحلة سعيدة وآمنة". وباقتراب الطائرة من مدرج الهبوط نظر من النافذة متمعنا بالصحراء العربية وخيل إليه أنها جبال من الذهب الأصفر وأخذ يبحر في خيالاته كمدير إقليمي للمنطقة العربية وسيارات فارهة وحراس شخصيين يتراكضون من حوله واستيقظ من قيلولته الحالمة على صوت المضيفة تخبره بابتسامة ساخرة بأن الطائرة قد هبطت بسلام في أرض الأحلام. ترجل بروية من مقعده وحقيبة السفر تتبعه كطفل يبحث عن والدته في ليلة رعدية.

قال سائق التكسي بلهجة إنجليزية مبعثرة: "يا سيدي الأبيض أنا خادمك المخلص وبإمكاني أن أوصلك إلى حيث تريد"، فرد بأسلوب غير مكترث: "حسنا، ضع هذه الحقيبة في صندوق السيارة وخذني لأقرب فندق". وبدخوله الفندق كان الناس ينظرون إليه وكأنه رجل قادم من المريخ وقال بنفسه: "يا إلهي أشعر بأنني ملك في هذه البلاد بالفعل إنها أرض الأحلام".

إن الاستعمار الغربي للبلاد العربية لم يغير معالمها الجغرافية وحدودها فقط بل غير الشخصية العربية بشكل جذري يصعب فيه إيجاد نقطة للعودة حيث كان قبل ذلك الحدث. ذلك العربي الذي خرج منذ زمن غير بعيد من حقبة العصر الذهبي محملا بالفخر والأنفة وتبعها خروجه من بلاد أغرقها بالحضارة والعلم والأدب في الأندلس ومن ثم تناثرت آخر معالمه القومية بانهيار الدولة العثمانية وإذا به يجد نفسه محاطا بأناس ليسوا من جلدته ولا من حضارته يرسمون شكل وطنه ويفرضون سياساتهم عليه بلا رقيب. ثار العربي ثم انطفأ كبركان في جزيرة مهجورة ولم يتبقى من ثورته إلا صخور سوداء مترامية تروي قصص منسية لثورته الخجولة في عرض الصحراء.

بوجود التكنولوجيات الحديثة فإنك باستخدام حاسوب شخصي وشبكة إنترنت بإمكانك أن تحصل على شهادات علمية من أعرق الجامعات عن بعد. السبب الوحيد الذي قد يمنعك من تحقيق طموحاتك هو أنت

على الرغم من أن العلم يقول بأن المستعمر يخلف في نفس الضحية شعورا بالدونية وعقدة نقص ويجعله ينظر إليه على أنه أكثر ذكاءا وأعمق فكرا وأجمل وأفضل منه بما يعرف بعقدة الرجل الأبيض، إلا أن هذا لا يعني بأن نبقى نبجل الرجل الأبيض ونسوده علينا فقط لأن أجداده استعمرونا يوما ما. عقود من الاستقلال كافية لأن يتم التداوي من هذه العقدة النفسية. فهذا الرجل الأوروبي الذي جاء ليزور بلادنا فهو على الأغلب إنسان من عامة الشعب في بلاده وقد يكون أدنى من ذلك أيضا فلما هذا التبجيل الغير مبرر والتقدير الزائد عن الحاجة.

 

ليس من باب العنصرية وإنما لعمق المشكلة، فنظرتك إليه على أنه كائن فضائي يعني بأنك لن تجرؤ على التنافس مع حضارته والتفوق عليها وينعكس على نظرتك الذاتية لنفسك ولمجتمعك، فتلك العقلية تجعلنا نشعر بأنه من المستحيل اللحاق بركب تلك الأمم وأنه ليس لدينا مقومات للحضارة وليس لدينا إمكانيات تقنية و.. و.. و….الخ. مع أن الواقع يقول بأن أي حضارة تقوم على أكتاف 15 بالمئة من سكانها وهم المهندسين والمستشارين والقادة والمفكرين والمبدعين والنسبة الباقية هم عامة الشعب الذين يتبعون القرارات والتوجيهات التي تصدر عن هذه الفئة.

 

وبوجود التكنولوجيات الحديثة فإنك باستخدام حاسوب شخصي وشبكة إنترنت بإمكانك أن تحصل على شهادات علمية من أعرق الجامعات عن بعد وبإمكانك أن تصنع تطبيقا ذكيا أو موقعا إلكترونيا تقدر قيمته بملايين الدولارات دون مغادرة غرفتك، وبإمكانك أن تكتب وتنشر أبحاثا علمية نظرية ذات ثقل وتحصل على جائزة نوبل تقديرا لهذه الأبحاث دون مغادرة عتبة بيتك. السبب الوحيد الذي قد يمنعك من تحقيق طموحاتك هو أنت.

  

أنت لم تأتي إلى هذه الأرض للشكوى والتذمر بل للإنجاز والعمل، انهض وشق طريقك بروح قتالية نحو الطموح والنجاح فمن نام لم تنتظره الحياة
أنت لم تأتي إلى هذه الأرض للشكوى والتذمر بل للإنجاز والعمل، انهض وشق طريقك بروح قتالية نحو الطموح والنجاح فمن نام لم تنتظره الحياة
 

وإذا جربنا أن ننظر للواقع بموضوعية بعيدا عن وضع اللوم على نظرية المؤامرة أو عدم توفر البيئة الملائمة للإنجاز فإننا سنحس بثقل غريب، هذا الثقل يتمحور حول إدراكنا بتلك اللحظة بأن ما يحصل لنا من بعد عن النجاح هو حصيلة كسلنا وليس بسبب الظروف وكما أننا سندرك بأنه لكي نصل لمبتغانا ونحقق أحلامنا فيجب علينا الخروج من دائرة الراحة وبدء العمل بجد وثبات لتحقيق أمانينا فما نفعله اليوم هو نحن في المستقبل.

نحن شباب اليوم وجيل الحضارة والتجديد جمعت لنا الدنيا على لوح سليكون، أحلامنا هولوجرامية "ثلاثية الأبعاد" وسواعدنا تطال أقاصي الفضاء وأعماق المحيطات بالعلم والتكنولوجيا وطموحاتنا تزاحم النجوم. لما لم نصل هناك إلى النجوم لما لا زلنا هنا ننكش الأرض بعصا الإحباط وشعور الدونية عن باقي الأمم؟! تاريخنا دستور وحاضرنا بالإنجاز موسوم ومستقبلنا نور على نور لما لا زلنا هنا نزاحم السطور ونعالج المكسور بالمكسور ونبحث في الظلام عن مستقبل أرضه غير الأرض وسماؤه غير السماء. هنا المستقبل هنا الإنجاز والبناء فلما العناء بالخوض في سلبية صماء؟!

 

إن كانت إنجازات أعظم إنسان قد انتشرت من هذه الأرض ووصل خبره وأثره للعالم ووصل التابعين له 2.7 مليار شخص دون أن يتوفر لديه ربع قوة الكلمة التي أتيحت لك عبر وسائل التكنولوجيا. أنت لم تأتي إلى هذه الأرض للشكوى والتذمر بل للإنجاز والعمل، انهض وشق طريقك بروح قتالية نحو الطموح والنجاح فمن نام لم تنتظره الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.