شعار قسم مدونات

متى ينتصر الإنسان ومتى ينكسر؟

مدونات - الإنتصار

أحياناً يظن كلٌ مِنّا أن حياته تسير وفقاً للصواب ونحو الإصلاح ولكن الحقيقة على غير ذلك، ربما تكون مُفزعة إلى نحوٍ مخيفٍ، وقد تدفعك نحو القاع في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، وتجعلك تتستر بِرداء من ورعٍ كاذبٍ. في حين أنك تظن نفسك على صواب بينما أنت منغمسٌ في ضلالك وتكون آخرَ من يعلمُ ذلك، وربما لن تستفيق من غفلتك إلا بعد فوات الأوان. نحن نجهل معنى التواضع، ونجهل أننا نجهل، الجهل من أخطر الأشياء الموجودة ولكن الأخطر من ذلك كِبر في قلوبنا لا نعلم مداه.

أعيش في وطنٍ كلٌ يُحِبُ أن يُعامَل كالملوك ويُعامِل الناس كالعبيد، لقد ميّزنا الله بعقولٍ لنستخدمها فيما يحدث معنا ومن حولنا، ميّزنا لنتفكر، ميّزنا لنتدبر لا ليقسو بعضنا على بعض. أصبحنا ننسب كل شيء يخصنا ولا يخصنا لأنفسنا ونكاد نصل إلى الذين "يُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا" وبعد كل هذا نجد من يتحدث ويعتقد أنه متواضع، وأنه أفضل من غيره، وأن التواضع مجرد طيبة وتبسط فقط. تواضع ما شئت مع أسرتك، أصدقائك، مجتمعك وجاملهم ما شئت، ولكن اعلم أن التواضع الحقيقي ألا تشعر بحاجه إلى التعالي على الناس بل إلى الاقتراب من الضعيف والفقير وصاحب الحاجة، فالتواضع مكانة في القلب لها أثرٌ على السلوك والتصرفات.

وكم من متكبرين اعتبروا إبداعهم يمنحهم الحق على غَمْطِ الناس والتعالي عليهم وازدرائهم، فسرعان ما نساهم الناس وعلاهم التراب وانقضت ذكراهم مع أجسادهم. شتان بين هذا وذاك، فاختر لنفسك ما تشاء.

ها نحن أولاء نسمع ونقرأ في قصة البشرية الأولى، عندما سجد الملائكة لآدم – عليه السلام – امتثالاً للأمر العلوي "إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ" هنا يتبدى ويظهر أولُ ذنبٍ وأولُ معصيةٍ وهي الكِبر. هنا استكبر إبليس أن يعترف لأهل الفضل بفضلهم، هنا الغطرسة والتعالي عن الفَهم، هنا تبدأ المعركة بين الخير والشر، بين التواضع والكِبر. سجدت الملائكة واستكبر إبليس ليتعلم الإنسان كيف ينتصر إذا أراد الانتصار، وكيف ينكسر إذا أراد الانكسار. فالانتصار في طاعة الله، والانكسار في طاعة الشيطان فهذا انتصار وانكسار. وكان الجواب الإلهي "فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ" فسرعان ما نرى المتكبرين صاغرين أذلاء فمن تكَبر على الناس ذُل. قال سفيان بن عيينة: "من كانت معصيته في شهوة فأرجوا له التوبة فإن آدم – عليه السلام – عصى مشتهياً فغُفِرَ له، ومن كانت معصيته في كِبر فاخشوا عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكِبراً فلُعِن" إنما تَفسد الحياة، ويختل توازنها إذا اختفى التواضع وظهر الكِبر وعلا صوت المتكبرين، وراجت بضاعتهم، إن هؤلاء لا يبالون في سبيل ظهورهم أن يضيع كل شيء، هم أقزام ولكن يرون أنفسهم عمالقة.

كم من الأدباء والعلماء والمفكرين والمثقفين الذين خلّدهم التاريخ وما شغلهم أن يذكرهم التاريخ، إنما شغلهم أن ينتفع الناس بعلمهم، وهبوا حياتهم لرسالة عظيمه، وهدفٍ سامٍ. واقرأوا إن شئتم عن قصة (صاحب النقب) نَقَبَ الجِدار، وتسلل داخل الحصن، ونادى على الجيش وكَبّر فانتصروا بسببه ثم بعد ذلك لم يُعْلِمْ أحداً باسمه حتى قائد الجيش ولم يطلب عطية ولم يشترط سهماً في غنيمة. وكم من متكبرين اعتبروا إبداعهم يمنحهم الحق على غَمْطِ الناس والتعالي عليهم وازدرائهم، فسرعان ما نساهم الناس وعلاهم التراب وانقضت ذكراهم مع أجسادهم. شتان بين هذا وذاك، فاختر لنفسك ما تشاء "قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيث" وجُملة فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر مضطراً إليه ليحفظ عزته، وما من خلق حميد إلا ويتنازل عنه ليحفظ كِبره. فلا يترك له هذا الكِبر خُلقاً من أخلاق أهل الجنة إلا جرده، فلا غرابة أن يخبرنا – صلى الله عليه وسلم – بأن من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر لا يدخل الجنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.