شعار قسم مدونات

الموظف السوري.. كيف تضيع الطاقات السورية بين الإدارة والتجارة؟

blogs عمل

واقع الشركات السورية (وأقصد بالشركات السورية في هذه المدونة هي ما يقوم بتأسيسها سوريون وتعمل لديها كوادر سورية خرجت من رحم المعاناة الحالية) يكاد لا يتغير إلا من النوادر مهما تغير موقعها جغرافياً، إذن يبدو أن المشكلة بالعقلية لا بالمكان، نفس السيناريو يتكرر: تاجر أو مالك مال قام بتأسيس شركة للعمل في مجال ما (سواء لديه دراية به أو لا) ونصّب نفسه رب عمل على مجموعة من الموظفين وبالأحرى الباحثين عن العمل من الطاقات السورية والنتيجة الشبه الحتمية أن الموظفين يعانون دوماً.

متى يا صديقي المدير تفهم أنك مؤتمن على طاقات أبناء جلدتك، متى تعلم وتدرك أن جل الدراسات الميدانية أثبتت نجاح وتميز السوريين في مجال الأعمال حالما وضعوا في إطار قانوني ضابط وفي أنظمة إدارية عادلة، لست بصدد إبراز طاقات هذا الشعب، فهو شعب لا يستسلم للكسل مطلقاً، فيكفي أن نرى في تركيا ومصر ولبنان والأردن أسواق لم تكن موجودة وأوجدها السوريون أو تواجدوا بأسواق معينة وقاموا بتحسين مستوى الخدمة نحو التميز بزمن قياسي، ونافسوا وبكل قوة وجودة الأسواق المحلية.

يا سيدي خبرتك بالتجارة لا تجعل منك خبيراً في الإدارة وأن أكذوبة (الشطارة) المتوارثة من الأسواق التجارية في سوريا ليست صحيحة بل ومضحكة، متى تسقط فشلك في التجارة على واقع تفكيرك، ذلك الفشل الذي ظهر لك ولنا جلياً عند أول اختبار لمهاراتك التجارية خارج حدود الأسواق التي خلقت منك تاجراً فطناً بالاسم لا بالتخطيط والتميز، فسبحت منتعشاً في فشلك وخساراتك المالية وفي أحسن الحالات حولت مهاراتك المدعاة إلى حنكة مكشوفة ومستهلكة لدى البلدان المستضيفة، هذا الفشل ظهر جلياً عندما وُضعت تلك الشريحة في قوالب قانونية وتبين أن هناك اعتياد على التحايل للتهرب من ضوابطه، ولا أعلم على من يُلقى اللوم في ذلك.

 

مالك الشركة من الخطأ الفادح أن يكون رئيس مجلس إداراتها أو مدير ذو منصب إداري له علاقة بسير الخطط الداخلية والتنظيمية، امتلاكك للمال وفكرة التأسيس لا يعطيك ضوء أخضر في إدارة شركتك

وأنجح الشرائح هي من فهمت القوالب القانونية الضابطة للبلدان المستضيفة وسارت على أساسها، وهي التي تم التنويه لها سابقاً وهي التي صنعت البصمة في الأسواق كما ذكرت، مع التنويه أنه لا يعني ذلك ألا يكون سبب النجاح هذا هو إصرار الموظف على العمل خوفاً من خسارة الوظيفة لكن وبكل الأحوال الموظف هو عصب تلك الشركات وليست العقلية الإدارية بالضرورة.

تدفع أموال طائلة على تأسيس الكيان والهيكل المادي، تُبنى الشركة وتتأسس ويبدأ عملها دون رسم أي خطة إدارية، برامج تطوير وظيفي شحيحة أو معدومة، لا يوجد نظام داخلي إلا عند حدوث مخالفات للموظف، تتأخر الاستحقاقات المالية وفق ضعف الإنتاجية في السوق في حين لا تدفع قبل موعدها إن كانت الحركة الانتاجية عالية، لا سبب يفرض ذلك بالطبع على الإدارة، لكن فقط لتوضيح أن الموظف لدى الشركات ذات العقلية السورية في الإدارة هو شريك خسارة فقط، وهو عدو لدود أثناء الربح، هي بالضبط عقلية التاجر لا المدير.

دعونا نلخص كبرى الأخطاء المرتكبة:
أولا: مالك الشركة من الخطأ الفادح أن يكون رئيس مجلس إداراتها أو مدير ذو منصب إداري له علاقة بسير الخطط الداخلية والتنظيمية، امتلاكك للمال وفكرة التأسيس لا يعطيك ضوء أخضر في إدارة شركتك وإلا هي ذاهبة للفشل لا محالة، والحديث هنا إدارياً وليس قانونياً أو عرفياً، إن كان لابد من ذلك فاكتفِ بإنشاء خطط خارج مجال الإدارة، إدارة مالك الشركة لشركته تفعّل الحيز السلطوي في الأداء الاداري، فيرتبط فكر الموظف بجيب المدير ومزاجه الاني لا بأهداف الشركة.

إذن من يدير الشركة؟، يا سيدي بكل بساطة المدير العام أو رئيس مجلس الإدارة أو أعلى سلطة إدارية في الشركة ينبغي أن يكون موظف بمقابل مالي مهمته الإدارية أن يكون (مدير)، للأسف دائما يرتبط هذان المسميان في ذهننا بعض (مدير- مالك).

ثانياً: ربط قسم الموارد البشرية بقسم المالية (غالباً ما يهيمن عليهما نفس المدير وثلة من نفس الموظفين)، وهي من الأخطاء الفادحة التي تجعل الموظف يشعر أن هناك كابوسين له بالمرصاد، الموارد البشرية للتعامل مع العقد الاداري (إن وجد أساساً) والقسم المالي للاستحقاقات المالية فيعيش هواجس التبعية المطلقة للتركيز على المردود المالي (الغير مدروس غالباً) والمتقاضى في نهاية الشهر لسد العوز الناتج عن الظروف القاهرة التي تعرض لها جل السوريين.

تابعت مشروع إلكتروني سوري رائد واحترافي فشل في آخر الطريق بسبب تدخل الممول بأدق التفاصيل الخارجة عن مجال تخصصه، وتسبب ذلك في حالة اصطدام مباشر بين الكادر الإداري والممول
تابعت مشروع إلكتروني سوري رائد واحترافي فشل في آخر الطريق بسبب تدخل الممول بأدق التفاصيل الخارجة عن مجال تخصصه، وتسبب ذلك في حالة اصطدام مباشر بين الكادر الإداري والممول
 

ثالثاً: صياغة العقود القانونية، وهنا ينصّب المدير بعقليته التجارية نفسه خبير قانوني في صياغة العقود (ولا يتم الاستعانة بالمختص القانوني إلا عند وجود حالة قانونية سلبية ضحيتها الموظف)، أقل ما يقال عن تلك العقود أنها استعبادية (حتى وان كانت شفوية) كون اغلب العقليات السورية الادارية تعيش على المثل الشعبي الفاشل (ما بنختلف)، العقود بالتعريف المبسط هي الصيغة القانونية لحقوق والتزامات الأطراف، في عقود الشركات المذكورة نكاد لا نرى إلا تكرار عبارة (على الموظف أن …) ومن القليل أن نرى عبارة (يحق للموظف أن…)، ولو ذكرت الحقوق فإنها تذكر وكأنها على هامش العقد وبصيغة غير ملزمة او مرتبطة بأداء يفوق طاقة الموظف.

رابعاً: المموّل ليس عضو من أعضاء الشركة وليس له أي دور إداري او تنظيمي، الممول هو شخص دفع المال مقابل نسب أرباح، ومتابعة سير العمل خوفاً على رأس ماله لا يجعل منها ممول وإنما شريك، وهناك فرق كبير بينهما، بالأساس الممول الذي لديه شكوك في الأرباح لن يجازف بالتمويل وقبوله بالتمويل يعني قناعته بالربح الحتمي إذن لماذا الخوض في الحركة الإدارية للشركة؟ ايضاً المشكلة هنا هي العقلية التجارية لا الإدارية.

تابعت مشروع إلكتروني سوري رائد واحترافي فشل في آخر الطريق بسبب تدخل الممول بأدق التفاصيل الخارجة عن مجال تخصصه، وتسبب ذلك في حالة اصطدام مباشر بين الكادر الإداري والممول، مع تهديدات مستمرة بسحب التمويل، ذلك المشروع الرائد لو استمر ستكون له بصمة سورية ترفع لها كل القبعات لأن الكادر الإداري والتنفيذي هم سوريون خرجوا من رحم المعاناة لكنهم أنجزوا مشروع إلكتروني متقدم عجزت عنه الطاقات المحلية.

عدد الشركات السورية في تركيا كمثال عدد هائل وفق الإحصائيات الأخيرة، لماذا يعاني الموظف السوري مع أبناء جلدته إذن؟ ولماذا هو في حالة عوز ولماذا دخله مرتبط بالمزاج اليومي للمدير؟ لا نحتاج إلا وقفة أخلاقية ومهنية مع أنفسنا، ومن ثم التفكير بجدية بفصل مفهوم التجارة عن الإدارة هي فعلاً أول خطوات حل هذه المشكلة المستعصية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.