شعار قسم مدونات

لغز أحلام الأطفال الرضع الغامض!

blogs طفل

يقضي الأطفال الرضع معظم أوقاتهم نائمين، إذ لا يتعدى مجمل وقت استيقاظهم بضع ساعات يوميًا. وتشهد أجسادهم الكثير من النمو أثناء فترات النوم. تظهر الأبحاث أنَّ فترات النوم مهمة في عملية نمو الأطفال، تمامًا كأهمية فترات اليقظة المتقطعة عندما تكون أعيونهم مفتوحة وآذانهم منتبهة. ومثلما هو الحال مع البالغين، من المرجح أنًّ النوم يساعد الأطفال الرضع على الاحتفاظ بالذاكرة وتخزينها وتعلم اللغة، وتشير بعض الأدلة أيضًا إلى أنَّ النوم يعزز من النمو البدني الصحي. تساعد التطورات التكنولوجية على معرفة المزيد حول "العدد اللانهائي للأسرار" التي تحتويها أدمغة الأطفال الرضع، حسب قول الأستاذة المختصة بالتعلُّم في مرحلة الطفولة المبكرة بجامعة واشنطن، باتريشيا كول.

 

أحد الأسرار التي لم تكشف عنها هذه التطورات التكنولوجية بعد، هو سؤال ما إذا كان الرضع يحلمون، وإن كانوا يحلمون، فما الذي يرونه في أحلامهم؟ كتبت الصحفية العلمية أنجيلا سيني في مقالةٍ لصحيفة الغارديان عام 2013 "إنَّ الدخول إلى دماغ الطفل الرضيع، يُشبه فكَّ رموز أفكار قطة صغيرة". يدور داخل الأدمغة العديد من الظواهر الغامضة غير الملموسة، بينما تُستخدم التكنولوجيا في قياس الأشياء الملموسة ذات الوجود المادي (مثل أجهزة التصوير الدماغي) ويصعب استخدامها مع الأطفال. وقد حوّل اللغز الناتج عن صعوبة معرفة ما في دماغ الطفل هذا الموضوع إلى مصدر لعدد لا نهائي من الألغاز والأفكار المثيرة -والنقاشات المحتدمة- بين عددٍ كبيرٍ من الباحثين.

 

ومثلما شرحت الصحفية أليس روب في كتابها المنتَظر "لماذا نحلم؟ Why We Dream"، وضع عالم النفس ديفيد فولكس في الستينيات نظريةً تقترح أنَّ الأطفال نادرًا ما يتذكرون أحلامهم قبل أن يبلغوا التاسعة من العمر. واصل فولكس أبحاثه حول أحلام الأطفال لعشرات السنوات، وقد خلص في كتابه حول  الموضوع، الذي نشر عام 2002 إلى أنَّ البشر لا يحلمون إطلاقًا في السنوات الأولى من حياتهم.

 

يعتقد العلماء بأنَّ مرحلة نوم حركة العين السريعة تساعد البشر على ترسيخ ذكرياتهم، واستيعابها ذهنيًا، وإن كان ذلك يحدث في بعض الأحيان بطرق تبدو غريبة وغير منطقية

إنَّ قدرتهم على "إدراك العالم الواقعي"، لا تعني أنَّهم "قادرون على أن يحلموا بعالمٍ آخر (عالم الأحلام)"، وفقًا لكتابات فولكس. لكنَّه وجد أنَّ الأطفال لا يبدؤون في رؤية الأحلام قبل أن يبلغوا بضع سنوات من العمر، وقبل أن يتمكنوا من تخيل ما يحيط بهم بصريًا، وإدراكه مكانيًا. وحتى في هذا العمر، يقول فولكس إنَّ الأحلام تميل إلى أن تكون عبارةً عن صورٍ غير متحركة أحادية الأبعاد، لا تتضمن شخصيات، ولا تحتوي إلا على القليل من العواطف والانفعالات. ووفقًا لفولكس، لا يستطيع الإنسان قبل عمر السابعة أن يرى أحلامًا حيةً متحركةً تُشبه القصص، وهي نفس المرحلة من حياة الطفل التي يبدأ فيها بالاتجاه نحو تطوير إدراكٍ واضحٍ لهويته الذاتية، وكيف تكوِّن هذه الهوية جزءًا من العالم المحيط به وتتأقلم معه.

 

ومع ذلك، هناك اعتراف علمي متزايد في السنوات الأخيرة بقدرة الأطفال الرضع على "معرفة وملاحظة واكتشاف وتخيل وتعلم أكثر مما كُنا نعتقد أنَّه بإمكانهم"، وفقًا لأستاذة علم نفس الطفل أليسون غوبنيك في جامعة بيركلي بكاليفورنيا. وقد تطوَّرت أيضًا معارفنا فيما يتعلق بعلم الأحلام، إذ توسَّعت دائرة الأبحاث، وعارضت بعض استنتاجات فولكس. فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة النيويورك تايمز عام 2005 مقابلةً على هيئة سؤال وجواب مع تشارلز بولاك، مدير مركز طب النوم في مستشفى نيويورك-بريسبيتيريان التابع لكلية طب ويل كورنل. وجاء رده على سؤِال حول ما إذا كان الأطفال الرضع يحلمون "أجل، هذا ما نعرفه حتى الآن"، وأشار إلى أنَّ كون الأطفال يحلمون أثناء إحدى مراحل النوم التي تسمى بمرحلة نوم حركة العين السريعة REM، هو "استنتاج مبني على أساس جيد".

 

مرحلة نوم حركة العين السريعة هي المرحلة التي يرى فيها الناس معظم أحلامهم. وأثناء هذه المرحلة يُصبح الجسد ساكنًا، وتصبح معدلات التنفس وضربات القلب منتظمة. ووفقًا لكيلي بولكيلي، وهو أستاذ في علم نفس الأديان ويدرس الأحلام، يعتقد العلماء بأنَّ مرحلة نوم حركة العين السريعة تساعد البشر على ترسيخ ذكرياتهم، واستيعابها ذهنيًا، وإن كان ذلك يحدث في بعض الأحيان بطرق تبدو غريبة وغير منطقية. وكانت الأبحاث التي جرت في الستينيات وتناولت نوم حركة العين السريعة في الأطفال على وجه الخصوص، قد وجدت أنَّ هذه المرحلة تساعد على نمو الدماغ، ما يساعد بدوره الأطفال الرضع على تحويل تجاربهم وملاحظاتهم التي اكتسبوها في ساعات اليقظة إلى ذكريات ومهارات دائمة.

 

قد يكون هذا هو السبب في أنَّ الأطفال الرضع يمرُّون بمرحلة نوم حركة العين السريعة أكثر من البالغين -إذ يقضي الرضع ما يقرب من نصف عدد ساعات النوم في مرحلة حركة العين السريعة، مقارنةً بـ 20% إلى 25% من عدد ساعات نوم البالغين. يقول بولكيلي "إنَّ الفكرة المنطقية التي نستنتجها من ذلك هي أنَّ الأطفال يحلمون، هذا صحيح، كل ما في الأمر أنَّهم لا يمتلكون لغة تمكنهم من التعبير عن ذلك".

 

ووفقًا لبولكيلي، عادةً ما يشير أولئك المشككون في أنَّ الرضع يحلمون إلى حقيقة أنَّ الصور المرئية التي يكونها البشر في عقولهم أثناء النوم مقتبسة من واقع يقظتهم. هذه هي جزئيًا الحقيقة التي استند إليها فولكس: فبما أنَّ الأطفال ليس لديهم إلا القليل من التجارب الانفعالية والحسية التي يُمكنهم استخدامها في أحلامهم، فإنَّه لا توجد الكثير من المواد الأساسية كي يحولوها إلى أحلام. غير أنَّ بولكيلي استشهد بأدلة تشير إلى أنَّ الأحلام تعمل -على الأقل بشكل جزئي- كآلية غريزية في الجسم تهدف إلى حمايته من الأخطار المفترضة. فقد كتب عالم الأعصاب الفنلندي الذي كان أوَّل من قدَّم هذه النظرية، عام 2000: "تتلخص الوظيفة البيولوجية للأحلام في محاكاة الحوادث الخطيرة والمهدِدة، والتدرب على إدراك التهديد وتجنبه". واستنتج أنَّه "في عالم أسلافنا"، جعلت أعمارهم القصيرة، والخطر الدائم المحيط بهم، من آلية الحلم هذه أمرًا مفيدًا.

 

إنَّ رؤية رضيعةٍ نائمةٍ تحرك إصبعها أو ترفُّ بجفونها، هي واحدة من اللحظات الكثيرة التي تؤكد للوالدين أنَّهما يربيان إنسانًا – شخصًا ينمِّي إدراكًا ومنطقًا، ويطوِّر حسًا أخلاقيًا وذكاءً اجتماعيًا

وتبعًا لوجهة النظر هذه، عندما يراود كابوس يرى فيه شخص أنَّه يهرب من شيءٍ ما، على سبيل المثال -وهو الموضوع الذي نجده في أحلام البشر أيًا كانت الثقافة التي ينتمون إليها، وبالأخص بين الأطفال- فقد تكون هذه الطريقةً التي يتخذها العقل للتدرب على الهرب في حالة الاضطرار إلى الهرب يومًا ما من تهديدٍ في الحياة الواقعية. إذا كان هذا هو عمل الأحلام، فإنَّ اعتبار رؤية الرضع للأحلام نتيجةً للانتخاب الطبيعي هو أمرٌ ممكن. فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنَّ أنواعًا أخرى من الثدييات والطيور تحلم أيضًا.

 

ولكن الحصول على إجابة قاطعة للسؤال الذي يدور حول ما إذا كان الأطفال الرضع يحلمون ليس ممكنًا، على الأقل باستخدام التكنولوجيا الحالية. تأتي بعض أفضل المعلومات المتاحة حول أحلام البالغين مما يروونه بأنفسهم، والذي يأخذ شكل الوصف والمذكرات اليومية، وفقًا لريبيكا غوميز، أستاذة علم النفس ومديرة مختبر النمو المعرفي للطفل في جامعة أريزونا. غير أنَّه من المستحيل الحصول على هذه المعلومات من الأطفال الذين لا يبدؤون باستخدام كلمات مجردة (لغة) حتى عمر الثالثة تقريبًا. استفاد العلماء الذين يدرسون الأحلام من التقدم التكنولوجي الملحوظ، مثل التطورات الحاصلة في مجال "تعلُّم الآلة"، التي بدأت توضح تجريبيًا ما يحدث داخل الدماغ أثناء هذه العملية. ولكن مرة أخرى "لا يمكنك ببساطة أن تضع أطفالًا رضعًا في جهاز لتصوير الدماغ، أو إخضاعهم لاختبار".

 

لا يزال بولكيلي، على الرغم من ذلك، متفائلًا بأنَّ هذه العقبات التي يواجهها العلم سوف تبدأ بالزوال مع استمرار تطور التكنولوجيا، الأمر الذي سيساعد على حلِّ لغزٍ لا يحيِّر باحثي علم النفس فقط، بل يتردد في أذهان الأمهات والآباء أيضًا. إنَّ رؤية رضيعةٍ نائمةٍ تحرك إصبعها أو ترفُّ بجفونها، هي واحدة من اللحظات الكثيرة التي تؤكد للوالدين أنَّهما يربيان إنسانًا – شخصًا ينمِّي إدراكًا ومنطقًا، ويطوِّر حسًا أخلاقيًا وذكاءً اجتماعيًا. وإلى أن يتبنى العلم رأيًا جديدًا، فإنَّ ما سيحلم به الرضع أثناء سعيهم لتحقيق شخصية مكتملة، سيظلُّ لغزًا.

————————————————————————-

 مترجم عن (ذا اتلانتيك) 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.