شعار قسم مدونات

4 حواجز تعيق العقل العربي عن الاكتشافات والاختراعات

blogs اكتشافات

أثناء تنقلي بين معارض الابتكار في طوكيو أتساءل عن دورنا كمجتمعات عربية في مجال العلوم والاختراعات. رغم أن لي مساهمات بسيطة في هذا المجال، لكنك توافقني أن الجو العام في المجتمعات العربية لا يساعد على الابداع والابتكار. (مين فاضي. صح؟) نعم نواجه كل أنواع المشاكل السياسية والاقتصادية والمؤامرات الخارجية والداخلية، لكن الأمم الأخرى سبق ومرت بمثل هذا وأسوأ. لمعرفة العوائق سننظر في دوافع الابتكار البشري:

 الفضول..

بدون الفضول والرغبة في اكتشاف المجهول لا يستطيع الإنسان أن يتطور، الفضول يستدعي التساؤلات عن ماهية الأشياء والأحداث، كيف تنصهر المعادن؟ ماذا يحدث عند مزج الأحماض؟ كم ساعة تنام الدببة في سباتها الشتوي؟ ولماذا تنام؟!… قد يبدو الفضول أحمقاً اليوم لكن منذ 400 سنة كان التساؤل (لماذا للمذنب ذيل!؟) نوعاً من التفاهة و"قلة العقل كمان". المشكلة أن الفضول أمر غير مرغوب به في ثقافتنا، ومظلوم في تاريخنا.

 

السببية..

إن الفضول لا قيمة له دون صحبة "مبدأ السببية" الذي ينص أن لكل شيءٍ سبب وعلّة، فأنت عندما تشتري جهازا جديداً وتجد فيها أزراراً ملونة، فهناك سبب وجيه لاستخدام الأزرار وألوانها، فالأمر ليس عشوائياً. لكننا على مدار التاريخ لم نعشق مبدأ السببية بما فيه الكفاية، فلو تساءل أحدا أجدادنا عن سبب تحول الماء إلى بخار فلربما اخترع المحرك البخاري، لو تساءل عن سبب سقوط التفاحة إلى الأسفل وليس إلى الأعلى فلربما اكتشف الجاذبية. رغم أننا أولى الناس بمبدأ السببية لأننا نقرأ "قد جعل الله لكل شيء سبباً" ونؤمن بالحكمة الإلهية، على عكس الغرب المؤمنين بالصدفة والطبيعة العمياء، ومع ذلك يجتهدون في تفسير الظواهر الفيزيائية والكيميائية ثم يصنعون من تلك التفاسير أجهزة يبيعونها لنا بأعلى الأسعار، ومن خلال تلك الأجهزة يعرفون عنا كل صغيرة وكبيرة.

الرخاء..

الاختراع والابتكار ليس حكراً على أحد. كل ما علينا هو أن نفسح المجال للشباب ليُجربوا ويخطئوا ويتعلموا من أخطائهم وفضولهم، دون أن نزجرهم أو نسخر منهم

إن كل اختراعات الإنسان هدفها البحث عن الرخاء، ففي البداية أتت السيارة لتُسهل التنقلات، ثمّ أتى "الريموت كونترول" ليسهل علينا تغيير قنوات التلفاز دون أن ننهض، ثم المكيف للهرب من الحر. التكنولوجيا "تسهل" حياتنا وتجعل كل شيء ممكناً مع ضغطة زر. المشكلة أن ثقافتنا على مر التاريخ تمجد الخشونة والعنفوان، وتنبذ الرخاء ومحاولات التهرب من مصاعب الحياة، وتعتبر أن صرف الوقت لتسهيل ما هو شاق هو نوع من الميوعة و "الكسلنة". تعلمنا أن الرجل لا يتذمر من الحر، والنشيط لا يكسل عن النهوض لتغيير القناة. فكيف سنخترع ما يسهل الحياة إذا كنا مقتنعين بـ "تعب كلها الحياة/ فما أعجب إلا من راغب في ازدياد"؟

الاهتمام بالتفاصيل..

ما يميز الصناعات الناجحة هو الاهتمام الدائم بالتفاصيل، فتصميم السيارة الألمانية أو اليابانية قد تمت دراسة كل تفاصيله (حتى البراغي تتعرض للفحص والدراسة)، حين تنعطف السيارة تتم دراسة كل التفاصيل والزوايا والاحتمالات، وحين تنطلق السيارة تتم دراسة تفاصيل التسارع وملاحظة أبسط التغيرات في ضجيج المحرك وحرارته وأدائه. هذه التفاصيل هي التي تُحدث الفرق، لكننا نعتبر الشخص المولع بالتفاصيل "موسوس". الواحد منا لا يصبر لقراءة عشرات الأبحاث وعقد ساعات من جلسات النقاش ليقرر في النهاية إذا كان الأفضل استخدام البلاستيك أو المعدن كغلاف للجوال، بل نطالب المهندس بأن "يمشيها" ولا يعقد الأمور، "ولا يعمل من الحبة قبة". 

الخلاصة، إن الاختراع والابتكار ليس حكراً على أحد. كل ما علينا هو أن نفسح المجال للشباب ليُجربوا ويخطئوا ويتعلموا من أخطائهم وفضولهم، دون أن نزجرهم أو نسخر منهم "عسى أن يكونوا خيراً منهم"، لأن الفضول يولد مع الأطفال الذين يتساءلون باستمرار عن ماهية الأشياء حتى يقوم الآباء باغتيال فضولهم "المزعج". والسببية ملازمة لاسم الله الحكيم، الذي خلق مصاعب الحياة كالحرّ والبرد والأمراض وأمرنا بمكابدتها والتغلب عليها بدل الاستسلام لها والاعتياد عليها، ولن يتم ذلك إلا من خلال العمل والاهتمام بتفاصيله لأن "الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.