شعار قسم مدونات

تبادل الأفكار الإيجابية.. الوجه المشرق لليوتيوب

blogs يوتيوب

في ظل فقدان الأمل في تحسين الظروف المعيشية في العالم العربي، اختار الكثير من الشباب الاعتماد على أنفسهم في إيجاد مشاريع بسيطة بدل انتظار وظيفة حكومية قد يمضي العمر ولا تأتي، ما يميّز هذه المشاريع إنها غير مكلّفة وتتطور بسرعة حتى تصبح مربحة، وقد يتحول صاحبها إلى رجل أعمال مهّم دون أن يستفيد من أي دعم حكومي بيروقراطي .

  

الحديث هنا يشبه ظاهرة لجوء المرضى إلى الطب البديل بعدما نال منهم اليأس من فعالية الطب الحديث، فعشبة بسيطة تدوسها الأقدام يوميا قد تكتشف صدفة من خلال موقع "اليوتيوب" أنها تكتنز في داخلها جواهر طبية فيها شفاء سحري وبثمن زهيد، فالشاب "أحمد" أتعبته مهنة تربية الدجاج بسبب غلاء أعلافها، فتمكّن منه اليأس وفكّر في ترك هذه المهنة، لكنه اكتشف صدفة عبر "اليوتيوب" أنه بإمكانه اختزال هذه التكاليف إلى أدنى درجة، وذلك بتقنية "استنبات الشعير" بدل تقديمه خام، وهي عملية بسيطة وذكية ورغم ذلك لم ينتبه إليها الأوّلون، حيث يمكن تحويل واحد كيلوغرام من الشعير إلى عشرة أضعاف من الوزن عن طريق استنباته بطريقة بسيطة لا تتطلب سوى الماء وغرفة صغيرة مضاءة، وإضافة إلى زيادة وزنه تزيد نسبة البروتينات فيه، وبهذا تنخفض التكلفة إلى العشر، وتزداد الأرباح وتنحسر التكاليف، ويعود الأمل إلى "أحمد" من جديد، وبدل التفكير في ترك مهنته والهجرة يقرر توسيع مشروعه، ويصبح مدمنا على "اليوتيوب" لاكتشاف أفكار أخرى ينشرها الناجحون من كل أنحاء العالم .

 

تجربة ناجحة ينشرها صاحبها تستقطب أكثر من مليون مشاهدة تعني الكثير بالنسبة لرغبة الشباب الذي يبحث عن فرص للتكوين المبدع واستكشاف الأرزاق بالإمكانيات المتاحة بعيدا عما تتيحه الحكومات من فرص في مجالات لم تعد مجدية

يمضي "أحمد" نهاره في مزرعته الصغيرة يستأنس بما رزقه الله من الأغنام والمعز والدجاج، وفي الليل عندما يخلد الجميع إلى النوم تستيقظ أحلامه فيستأنس بموقع "اليوتيوب"، كل حلم يراوده يكتبه في محرك البحث الخاص بالموقع فتأتيه الأفكار تباعا، وبكل لغات العالم، كان يبحث عمّا هو أبعد من تخفيض التكاليف إلى العشر، استجمع شجاعته وكتب علف مجاني فقال له اليوتيوب "شبيك لبيك" وجاءه بمئات الفيديوهات عن الأفكار التي نجحت في تدبير علف مجاني وبقيمة غذائية كبيرة يمكن أن تخلصه من مشكلة التكاليف نهائيا، ومن بين الحلول السحرية التي أدهشته هي زراعة "عدس الماء" في أحواض مائية وهذه المادة هي من أغنى النباتات بالبروتين وأكثرها نموا على الإطلاق

 

إذ يتحول واحد كيلوغرام إلى عشرة أضعاف خلال عشرة أيام، وتشترك في هذه الخاصية مع نبات مائي آخر وهو "الأزولا" ،و عن طريق الإكثار من الأحواض المائية يصبح بإمكانه جني العلف بالقناطير، فهو مفيد للدجاج والماعز والأغنام، بل وحتى الأبقار فهو يزيد من إنتاج الحليب، يندهش "أحمد" من هذه الامكانيات المتاحة فيسرع لتجسيدها على ارض الميدان، لكن "اليوتيوب" يمسكه ويدعوه إلى المزيد، فيقترح عليه تقنية زراعة الدود الغني بالبروتينات، كدودة "الكومبوست" أو دودة "ذبابة الجندي الأسود" ،فذبابة واحدة تضع 500 بيضة في اليوم، تتحول إلى يرقات ثم تصير دودا يصلح لتغذية الدواجن في عشرين يوما، والأمر لا يحتاج سوى إلى تجميع النفايات العضوية والفضلات من بقايا الخضر والفواكه من أجل توفير بيئة نموها وتكاثرها، فيحوّل أزمة بيئية قائمة إلى غذاء نظيف صانع للقيمة المضافة ومجلب لرزق حلال .

 

لا يصدّق أحمد ما تراه عيناه، يريد أن يتعمّق في الأمر أكثر ليرى وجهة نظر الدول المتقدمة في هذه الأفكار، فيجدها هي منبع كل هذه الأفكار البسيطة، و خاصة في الدول التي توصف بالنمور الآسوية، التي عانت ويلات الفقر، وبدل أن تلعن الظلام فكّرت في إشعال الشموع، لقد تحوّلت هذه الأفكار البسيطة إلى مشاريع استثمارية ضخمة تذرّ ملايين الدولارات، يراها أحمد بالصوت والصورة، عندها تزوره الهواجس ويرى الحياة أكثر بساطة مما كان يعتقد، وأن رحمة الله لا تنقطع على عباده الفقراء لتدبير أمورهم، فرغم أنها أفكار بسيطة في متناول كل العصور، إلا أن اكتشافها تأخر إلى هذا الزمان، لتساير اكتشافات واختراعات التكنولوجيا الدقيقة، وفي ذلك حكمة لا يراها إلا أولو الأبصار .

 

عندما ينتقل أحمد من فيديو إلى فيديو آخر يتفحص عدد مشاهداته، فيجد نفسه متأخرا جدا، فبعضها قديم يعود إلى سنوات ماضية، وبعضها حديث عدد مشاهديه بمئات الآلاف، فيكتشف الأمل الذي يدّب في نفوس أمثاله من الشباب، أمل يتخلل خطابات اليأس والتشاؤم، ورغبة في التغيير بعيدا عن حواجز الامكانيات ،فتجربة ناجحة ينشرها صاحبها تستقطب أكثر من مليون مشاهدة تعني الكثير بالنسبة لرغبة الشباب، شباب يبحث عن فرص للتكوين المبدع واستكشاف الأرزاق بالإمكانيات المتاحة بعيدا عما تتيحه الحكومات من فرص التكوين في مجالات لم تعد مجدية، بل تشبّع منها السوق، كالطبخ والحلاقة وصناعة الحلويات، يرى أن الإبداع هو قرار فردي وليس سياسة رسمية تنتهجها الحكومات العربية الغارقة في الفوضى والبيروقراطية، وأن وسائط التواصل الاجتماعي يمكن تحويلها إلى أداة بناءة تصنع المعجزات، كلّ في ميدانه.

   

في نفس المنزل الذي يسكنه، أخته تتعلم "اللغة الاسبانية" عبر اليوتيوب وحلمها الانفتاح على أكبر لغات العالم انتشارا، وأخوه يتعلم طريقة "صناعات الفقاسات" بأدوات بسيطة تعتمد على الثلاجات المهتلكة وحلمه هو إنشاء مشروع للدواجن، والآخر يتعلّم طريقة "تلقيم الأشجار" لكي يحسّن مردود أشجاره دون أن يقتلعها، أما أخته الصغرى فتتعلم "أسس البرمجيات" الحديثة في الكومبيوتر وحلمها أن تصبح مصممة مواقع، كل ذلك من خلال موقع "اليوتيوب"، فشكرا أيها الوسيط الاجتماعي، فلك وجه مشرق يتنافس مع الوجه الثاني المظلم الذي يلجه ملايين أخرى من الشباب، لتضييع الوقت في أمور سلبية .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.