شعار قسم مدونات

لماذا صمتت إيران عن مقتل خاشقجي؟

blogs إيران

كان من المتوقع أن تستفيد إيران من مقتل خاشقجي، للنيل ولو جزئيا أو إعلاميا من غريمتها وعدوها اللدود السعودية، لكن ما حدث كان العكس، لم يصدر أي موقف رسمي من إيران تندد به عن مقتل خاشقجي أو حتى تصريح عن ذلك، على الرغم من أن إيران والسعودية تتربصان لبعضهما البعض فينبشان في الأسرار والخفايا ليظهرونها للعلن بهدف رسم صورة سيئة للأخر لكسر شوكتها، فما بالك إن كانت الصورة أصلا سيئة. السر أصبح علنيا بل وعالميا كقتل السعودية لخاشقجي!

صمت إيران كان مستغربا وغير متوقع، فكل المراقبين كانوا يتوقعون أن تنتهز إيران الفرصة وأن تُظهر على الصعيد الداخلي أن غريمتها انهزمت دوليا وأن المنطقة باتت ساحة مفتوحة لها، وتظهر للخارج بأن عدوها دولة اغتيالات وقمع للآراء والنشطاء فكيف لهذه الدولة أن تكون رائدة في تغير إيران إلى الأحسن، لكن إيران لم تفعل ذلك! فلماذا؟

التبشث بكل قشة

صمتت إيران على مقتل خاشقجي أولا، لأنها باتت تحت ضغط شديد اقتصاديا، خاصة وأن أمريكا فرضت عقوبات اقتصادية صارمة عليها، وستفرض عليها عقوبات أشد في الشهر المقبل، لا سيما في مجال النفط، فانهارت عملتها تماما، حيث بات التجوال بأنحاء إيران، وشراء ما طاب ولذ والإقامة في أرقى الفنادق، ببضع مئات من الدولار الأمريكي؛ فهي الآن محاصرة من كل الجهات، فلكي تخفف من وطأة الضغوطات بدأت بسلك سبل دبلوماسية أقل عدائية في المنطقة، آملة بذلك فتح أبواب مغلقة أمامها.

 

أصبحت السعودية دولة عدائية في سياساتها، فليست للدبلوماسية أي دور في رسم السياسات أو إنشاء العلاقات السعودية، بل إما أن تتخذ العداوة، أو شراء الذمة بالأموال

ففي هذا السياق ربما استشعرت إيران بأنه ستحدث تغيرات في سدة الحكم في السعودية بعد مقتل خاشقجي، أو على الاقل في السياسات السعودية؛ فأرادت بصمتها أن ترسل رسالة للسلطات السعودية بأنها تريد تحسين العلاقات فيما بينهما، وأنها لن تنسف كل الجسور بينها وبين السعودية، بل تأمل في أن تكون التغيرات القادمة في السعودية متجهة نحو التقليل من العدائيات التي أحدثتها الإدارة الجديدة للبلاد في ظل حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

 

إذ أصبحت السعودية دولة عدائية في سياساتها، فليست للدبلوماسية أي دور في رسم السياسات أو إنشاء العلاقات السعودية، بل إما أن تتخذ العداوة، أو شراء الذمة بالأموال، ولا تبيع كل الدول مواقفها كما تفعل أمريكا المتمثلة في إدارة ترمب، لذلك ترى إيران أن السعودية وصلت إلى مفترق الطرق، وأن التغيير في السعودية أتٍ لا محالة، سواء أكان التغيير في السياسات أو في السياسيين، بدأً من أعلى الهرم (ولي العهد).

تأمل إيران أن تكون هي ضمن تلك التغيرات التي ستحصل في السعودية وبـِصَمتها حول مقتل خاشقجي ستُبقي لشعر معاوية بينها وبين السعودية، وإن كانت فرصة تغير سياسات السعودية أمام إيران ضئيلة لكون الخلافات بينهما استراتيجية غير مرحلية أو تكتيكية، عميقة وليست سطحية، ولأن أمريكا عازمة لفرض اقصى العقوبات على إيران، والسعودية لا تستطيع أن تخرج من السياسة الأمريكية، لكن الغريق يتشبث بقشة، فإيران اقتصاديا غريق وستتشبث بأية فرصة تأتيها لتقليل الضغوطات عليها.

سجل إيران في الاغتيالات غير نظيف

السبب الثاني لصمت إيران ازاء مقتل خاشقجي هو أن سجل إيران في قمع الآراء وحرية التعبير وتضيق المساحة الحرة واغتيالات خارج الحدود وإعدام أصحاب الرأي داخل الحدود ليس أكثر نظافة من سجل السعودية، فبحسب منظمة العفو الدولية إيران أعدمت 507 شخصا في 2017، وبحسب منظمة حقوق الإنسان الإيرانية فقط في 9 أشهر من العام الحالي 2018 أعدمت إيران 10 سجناء سياسيين، السجون الإيرانية مليئة بأصحاب الرأي والسياسيين، وعلى الصعيد الخارجي هي ليست أكثر براءة من السعودية.

 

أمريكا بدأت تندد وتشدد من موقفها تجاه السعودية في هذه القضية وتلوح بعقوبات ربما تطال السعودية، لهذا إيران لا تريد بأن تجمعها أي موقف أو ملف مع
أمريكا بدأت تندد وتشدد من موقفها تجاه السعودية في هذه القضية وتلوح بعقوبات ربما تطال السعودية، لهذا إيران لا تريد بأن تجمعها أي موقف أو ملف مع "الشيطان الأكبر" كما تطلق على أمريكا
 

فسجل إيران للاغتيالات خارج الحدود تمتد إلى سنة 1989 عندما تم اغتيال عبدالرحمن قاسملو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني من قبل عناصر للاستخبارات الإيرانية مع اثنين من رفاقه، وحينها كان قاسملو على موعد مع وفد إيراني للتفاوض مع الجانب الإيراني، في ظروف مشابهة تماما لقتل خاشقجي، ولم توقف إيران اغتيالاتها ضد النشطاء وخصومها؛ ففي السادس من آب/أغسطس 1991، قُتل شابور بختيار، آخر رئيس وزراء في الفترة الملكية الإيرانية، وكاظم رجوي، وهو أحد معارضي النظام الإيراني، وعضو في حركة مجاهدي خلق اغتيل في نيسان/ أبريل عام 1990 بالقرب من جنيف بسويسرا، وكل الأصابع كانت تتجه إلى ضلوع إيران واستخباراتها كما اتهمتها المعارضة بوضوح بمسؤولية قتلهم، وتطول قائمة الاغتيالات لتصل إلى شهر سبتمبر/ايلول العام 2018 عندما قصفت إيران مقرات لأحزاب كردية معارضة في إقليم كردستان بالصواريخ وقتل 14 شخصا أكثرهم من القياديين وأعضاء المكتب السياسي في تلك الأحزاب حين كانوا في اجتماع، لذلك إيران لا تريد أن تندد بعملية هي أصلا لها باع طويل فيها؛ لأنها إن فعلت فهي تندد بأفعالها.

إيران لا تريد أن تجمعها وأمريكا أية قضية

أما السبب الثالث لصمت إيران حول مقتل خاشقجي هو أن أمريكا بدأت تندد وتشدد من موقفها تجاه السعودية في هذه القضية وتلوح بعقوبات ربما تطال السعودية، لهذا إيران لا تريد بأن تجمعها أي موقف أو ملف مع "الشيطان الأكبر" كما تطلق على أمريكا، وإن كان تنديد غريمها، خاصة مع الإدارة الحالية الأمريكية الأكثر ضراوة على إيران من سابقاتها، وبالأخص أن ترمب أعلن حربا مفتوحا اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا ضد إيران و إدارته عازمة أن تقلم أظافر إيران في المنطقة وأنت تخرجها من قضايا هامة مثل سوريا واليمن، على أثرها حظر علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران على إيران أي محادثات مباشرة مع أمريكا، وكما يبدو ليست فقط المحادثات المباشرة مع أمريكا بل حتى محظورا على إيران أن تجمع مع أمريكا في موقف من موضوع أو حادثة ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.