شعار قسم مدونات

خاشقجي والقلم التركي.. كيف ستكتب أنقرة الفصل الأخير من الرواية؟

blogs القنصل السعودي بتركيا

تابع العالم كله رواية مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، وهي ككل الروايات لها فصل أخير يطوى بعدها الغلاف، وهذه من أكثر الروايات التي نتلهف للوصول لفصلها الأخير ومعرفة نهايتها، وأظن أننا فعلا بتنا بالفصل الأخير منها، لكن أيضا يبدو لي كمعظم قارئي الأحداث أن ما هذه النهاية إلا بداية لجزء آخر من الرواية، وأن الفصل الأخير هذا مقدمة لرواية أكبر وأكثر دموية وسقوط. كانت الرواية التركية تفيد بأن خاشقجي قتل وقطع داخل قنصلية بلاده من قبل فريق اغتيال، أما السعودية ففي البداية أنكرت الحادثة، وأخيرا اعترفت كذبا برواية بلهاء أنه قتل بالخطأ بشجار مع أحد موظفي القنصلية.

ومع تضارب الروايات فالنتيجة واحدة، وواضحة هي أن نظام آل سعود متورط حتى النخاع بهذه الجريمة، وبالطبع أصبح هذا النظام مجرما بالعلن، وبما أن الحاكم الفعلي هو محمد بن سلمان، وليس العجوز الذي دائما صورته تذكرني بالشرير الخبيث بحكايات الأطفال، وهذا يعني أن ابن سلمان هو زعيم العصابة والمتورط الأول، والأن أصبح مفضوحا ومنبوذا عالميا، وبقائه بالسلطة أكبر إحراج للسعودية والأنظمة التي تدعمه، فقد بات وجها مرفوضا لدى الأنظمة الديمقراطية، والتي تدعيها، والغير ديمقراطية لكنها تهتم بصورتها أمام شعبها، وإن بقي فبقاءه يهدد وجود حكم آل سعود برمته.

شخصيا لا أظن أن ابن سلمان سيرحل بسهولة حتى وإن أرادت العائلة الحاكمة ذلك، وأظنه لن يرحل إلا على بحر من الدماء وذلك لسببين:
الأول: أن سنه صغير ومتعطش للسلطة التي لم يكن يحلم بها في أعمق أحلامه وأوسعها خيالا، ولم يكن ليحلم بأن يكن وزيرا، ولا حتى أميرا لمحافظة، ولذلك قتل واعتقل ودفع الكثير وتأمر أكثر وتنازل باسم الانفتاح عن المبادئ التي عهدنا دولته عليها منذ قيامها ليرضي داعميه بأنه تلميذهم النجيب.

الثاني: وهو الأهم هو السيناريو الذي قالت فيه أنه قتل بالخطأ وبشجار الذي سارع ترامب بالمصادقة عليه، إضافة لوجود أحد أكبر المسئولين الأمريكيين في البلاط الملكي عشية خروج الرواية السعودية، وإسراع ترامب هذا يخبرنا بأن هذا سيناريو أمريكي وليس سعودي جاء لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من صورة مهترئة لابن سلمان، ويعني أن ترامب شخصيا قد تلقى من المال الكثير والكثير جدا لأنه ما زال حتى اللحظة يراهن ويدافع عن جندي وضيع بمعركة خاسرة، وهذا خطأ استراتيجي قد يطيح بكليهما.

لأول مرة يكن الأتراك، والإسلاميين عموما، والمدافعين عن الديمقراطيات الحقيقية، وحقوق الإنسان بصفة عامة بصفة الفاعل، وسابقين بخطوة، ومالكين لزمام المبادرة يقفون بموقف المهاجم

الكرة الأن بملعب الأتراك والذين أداروا القضية بحنكة يشهد لها بأن جعلوها بطريقة تسريبات، وما بين المعلومة والمعلومة التي تليها وقت حتى تكن الأولى قامت بالضجة الإعلامية المرادة تأتي الثانية فتثير الدنيا أكثر من سابقتها، وبات الموضوع بضجة عالمية باتت تلف الحبل حول رقبة ابن سلمان بطريقة قد تحكم قبضتها وتجتثها، وكذلك حذرت من، وحوت مظالم كثيرة شبيهة قد تقع بمظلمة واحدة وقعت.

لأول مرة يكن الأتراك، والإسلاميين عموما، والمدافعين عن الديمقراطيات الحقيقية، وحقوق الإنسان بصفة عامة بصفة الفاعل، وسابقين بخطوة، ومالكين لزمام المبادرة يقفون بموقف المهاجم، وهذه لحظة فرقة في التاريخ الحديث ونهضة الأمة، وزوال الطغاة إن أحسنوا استغلالها، كذلك هي فرصة عظيمة لتركيا التي باتت وجهة المظلومين الأولى لبناء مصداقية إنسانية للأتراك كقوة عالمية جديدة بالدفاع عن المظلومين وحقوق الإنسان عامة.

أتمنى من تركيا أن تحسن استغلال فرصتها على أحسن وجه، وعدم الرضوخ للضغوطات التي تمارس عليها من تحت الطاولة وبالغرف المغلقة، وهي قادرة وأظنها ستفعل لان هان استطاعت السعودية وداعمها الأمريكي الخروج من هذه الأزمة القاصمة، فتركيا أول وأكبر المتضررين، فكليهما لن يتوانى لحظة بتوجيه كل إمكانياته لتدمير تركيا بكافة الأصعدة، وجميعنا يعلم دورهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة، واليوم بات الحقد أضعافا مضاعفة، وادعوا الله أن يلهم ويوفق تركيا بكتابة الفصل الأخير من هذا الرواية فعليه سيبنى الجزء الثاني والأهم منها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.