شعار قسم مدونات

محترفون في تجسد الحزن.. هل نعشق حقا أن نكون ضحايا؟

مدونات - الاكتئاب

أكره الكتب والروايات التي تتحدث عن اليأس والكآبة دائماً، وأراها مصدر إزعاج حين أكون بخير، وأميل لها حين تكون تشخص حالتي حرفياً. كما أكره المقالات التعيسة التي تبث الحزن فوق الحزن نفسه، تتأكسد مع حزنك الداخلي وتتفاعل وتؤثر على تفكيرك نحو الصواب. لكن حين نلاحظ أن عالم الأدب يفتقد إلى كتب السعادة أو إلى كتب تبث السعادة بالمعنى الحرفي للكلمة، فهنا يمكن طرح ألف ومئة سؤال، طبعاً لا أتحدث عن السعادة والنشوة التي يشعر بها الإنسان عند قراءة كتاب ما، حتى كتب اليأس تبعث فيك أحياناً شيئا من السعادة حين تتيقن أنك لست وحدك في هذا العالم.

لكن يأسي و يأسك يا صديقي يختلفان تماماً، أنت تضع سيجارة وعشرون قهوة أمامك ربما تفكر في حبيبتك وبضعة أصدقاء خدعوك فهذه حالة شخصية. يمكن أن يشبهك آلاف الأشخاص في العالم لأن قصص العشق والخيانة تتكرر بما أن الفاعل والمفعول به دائماً من البشر، والبشر يشبهون بعضهم البعض في الصفات السيئة. يمكن أيضاً أن تكتب مئة صفحة لأمك المتوفية ويشاركك الملايين في العالم هذا الإحساس، لكنها أيضا حالة شخصية، موت حبيبتك أو اختك أو أمك يا صديقي موقف يزلزل قلبك وكيانك لكنك اخترت الركون إلى هذا الخبر، اخترت أن تضع نفسك ضحية هذا الخبر حتى يصلك الموت. كان بإمكانك تجاوز ذلك في بضع أسابيع وتعود إنسان طبيعي وتعود لحياتك الطبيعية بسرعة، لكنك رفضت، وجعلت من نفسك مشرداً لا يحلق شعره ولا يرتدي أحسن ما يملك من الثياب، تصفر أسنانك من كثرة التدخين ولا تبالي، تسود يداك من كثرة الحرق ولا تبالي.

الحياة لن تسير دائمًا في طريقك ولكن هذا لا يعني أنك ضحية، ومن خلال تغيير طريقة تفكيرك وسلوكك يمكنك التوقف عن الشعور بأنك ضحية، وتبدأ في الشعور بمزيد من الثقة والسعادة في الحياة.

تبتعد كثيراً عن الطعام فتنهار صحتك بسرعة ولا تبالي، تحصلنا الآن على إنسان مدمن لا يستطيع التخلي عن التدخين، إنسان مريض بفقد الشهية ويفتقر للفيتامينات وغيره. اسود وجهك وشحبت بشرتك وذبلت شفتاك، انطفأت عيناك وزال بريقها ولا زلت تكتب عن الحزن والكآبة والبأس وظلم الدهر. ما زلت تعتقد أنك ضحية ظلم الدهر والزمن لك، ما زلت تعتقد أن الأشخاص السعداء هم الأكثر حظاً منك وربما مختلون عقلياً، ما زلت تعتقد أن الكآبة دليل على صحة التفكير والإنسان الكئيب هو إنسان يفكر وحكيم. وضعت نفسك في خانة سيئة تزعم أنك ترفض شفقة المجتمع لك، وتنزعج حين تمد لك يد المساعدة، اخترت مقاطعة الحلاق وتعمدت ألا تخفف في شاربك، أنت تظن أنك هكذا أجمل، هكذا تعبر على غضبك، تظهر حزنك الداخلي عبر ملامحك.

ترى أنك تبدو حكيماً وأكثر شاعرية بهذا المظهر، التقيت بأصدقاء يشاركونك نفس الإحساس والتفكير، وسلطت تفكيرك على أبرياء مراهقون فأصبحوا مغرومون بتعاستك وحزنك. ظنوا أنك الشخص الوحيد في العالم الذي يشعر بهم حتى أكثر من والديهم، أصبحت سيدهم ومولاهم وقدوتهم، فربوا اللحى والشوارب مثلك، ارتدوا ثياب مثل ثيابك، دخنوا مثل ما دخنت أو أكثر وشربوا القهوة أكثر منك! تحصلنا على شباب محبط، لا أمل فيه، ربما أنت مت! لكنك تركت لهم رواياتك وكتبك وصورك وبعض ملامحك، انخدع بها الضعفاء من شبابنا، وأصبحوا يحبون ويعادون فيك، زرعت فيهم فكراً سيئاً سلبياً. لا يختلطون بالمجتمع، منعزلين، مرضوا مرضاً نفسياً عميقاً يصعب الشفاء منه، أتدري لماذا؟ حين كتبت لهم أن العالم الخارجي سيئ ولا يريد لكم حسنى.

هم آمنوا بكلماتك، لم يعودا يهتموا أبداً، ابتعدوا حتى عن قراءة القرآن وبعضهم لا يؤمن به أصلاً، شكلوا أحزاباً وجماعات وخلقوا بين قوسين، وأتعمد كتابة كلمة بين قوسين – ثقافة جديدة – سموا أنفسهم عشاق الكتب وعشاق الروايات. ظنوا أنهم الفئة المثقفة في المجتمع وظنوا أن ما غير سواهم جاهل ورجعي، أصبحوا يبحثون عن كتب العزلة وكتب التوحد، حتى وصلوا إلى كتب الإلحاد وكتب – من خلق الله! – الجميع يواجه الحزن في مرحلة ما في حياتهم. وقد أظهرت الدراسات أن الحزن يدوم أكثر من العديد من المشاعر الأخرى لأننا نميل إلى قضاء المزيد من الوقت في التفكير في الأمر. يمكن أن يؤدي التفكير المبالغ فيه في أفكارنا ومشاعرك الحزينة مرارًا وتكرارًا إلى الاكتئاب ويمنعك من التغلب على الحزن.

الشعور بالحزن هو استجابة عاطفية طبيعية للأحداث الصعبة في الحياة على الرغم من أنه شعور طبيعي، يجب أن تتعلم أن تخرج بحزنك، سيساعدك ذلك على معالجة ما تمر به ويساعدك أن تنتقل عاطفياً. وجود بعض الحزن في حياتك أمر طبيعي، ولكن كونك حزين بشكل مستمر هذا غير طبيعي، والخبر السار هو أن كل شخص لديه القدرة على الشعور بالسعادة وأن هناك أشياء يمكنك القيام بها لفتح هذه القدرة والشعور بالتحسن. تشعر في كثير من الأحيان أنك تستحق أن تكون أفضل مما أنت عليه وأن الحياة ليست عادلة، وتشعر أن الناس يعاملونك بشكل سيء ويخذلونك دائماً، قد تكون تعاني من عقلية – الضحية -، وهي طريقة للتفكير بأنك تشعر بعدم السكينة في الحياة وتكون ضعيفًا في تغييرها.

كثير منا دون قصد يلعب دور الضحية من خلال إنكار غضبه وعرضه على الآخرين، فتجنب محاولة ترشيد غضبك. قد يؤدي ذلك إلى تقويتك أكثر في الشعور بكونك ضحية. من المقبول الشعور بالغضب ولكن من الصواب تركه بدلاً من محاولة ترشيده أو العمل عليه. فالناس الذين يسكبون غضبهم ويحاولون تبريره غالباً ما يشوهون الواقع من حولهم ليتناسب مع أفكارهم، لذلك عليك مكافحة الأفكار السلبية والتدميرية الذاتية التي تصدر مما يسمى الصوت الداخلي للجرح، والذي يتضمن أفكارًا تدميرية تهدف إلى خفض احترامك لذاتك، وتأتي هذه الأفكار من مكان غاضب حزين بداخلك! الحياة لن تسير دائمًا في طريقك ولكن هذا لا يعني أنك ضحية، ومن خلال تغيير طريقة تفكيرك وسلوكك يمكنك التوقف عن الشعور بأنك ضحية، وتبدأ في الشعور بمزيد من الثقة والسعادة في الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.