شعار قسم مدونات

ستيفن هوكينغ والفشل الذريع في الفلسفة

blogs - ستيف هوكينج

العلم والفلسفة من النشاطات الإنسانية، يهتم الأول بالإجابة عن سؤال كيف ويهتم الثاني بسؤال لماذا الأول وصفي والثاني غائي الأول تجريبي والثاني نظري عقلي، فإذا رأيت العالم يجيب عن لماذا فهذا ليس بصفته عالما بل بصفته فيلسوفا وإذا رأيت الفيلسوف يسأل كيف فذلك ليس بصفته فيلسوفا بل بصفته عالما. يقول ستيفن هوكينج عادة ما يسال الناس عددا من الأسئلة مثل كيف يمكننا فهم العالم الذي وجدنا أنفسنا فيه؟ كيف يتصرف الكون؟ ما حقيقة الواقع؟ من أين أتى كل ذلك؟ هل الكون كان بحاجة لخالق؟ معظمنا يمضي وقته في قلق بشأن تلك الأسئلة لكننا قلقون بشأنها بعض الوقت (1) ها نحن أمام فيزيائي كبير سيجيب على أكبر الأسئلة الفلسفية التي حيرت العقل البشري.

لكن خيبة الأمل تأتي بعد فقرة واحدة لأنه يعلن عن موت الفلسفة نفسها والعلم هو السبب يقول كانت تلك هي الأسئلة التقليدية للفلسفة ولكن الفلسفة قد ماتت ولم تحافظ على صمودها أمام تطورات العلم الحديثة وخصوصًا في مجال الفيزياء وأضحى العلماء هم من يحملون مصابيح الاكتشاف في رحلة تنقيب عن المعرفة (2) لكن هناك إشكال يظهر للوهلة الأولى وهو أن الكتاب نفسه في الفلسفة فكيف نجمع بين موت الفلسفة من جهة وبين التصريحات الفلسفية الموجودة في الكتاب من أوله إلى أخره من جهة أخرى؟

 

مثال عن بعض تلك التصريحات قوله إن للكون تصميما وكذلك هذا الكتاب لكن على خلاف الكون فإن الكتاب لا يظهر من العدم (3) هذا تصريح فلسفي وليس علميا تجريبيا بل هوكينغ نفسه يعترف بأن العلم لا يجيب عن لماذا ولكن يجب عن كيف فكيف يمكن القول بأن العلم قتل الفلسفة وبأنها ماتت؟ في نفس الكتاب يقول إن قوانين الطبيعة تخبرنا بالكيفية التي يتصرف بها الكون لكنها لا تجيب عن سؤال لماذا وهي الأسئلة التي وضعنها في بداية هذا الكتاب لماذا يوجد شيء ما بدل من لا شيء؟ لماذا نحن موجودون؟ لماذا هذه المجموعة من القوانين وليست مجموعة أخرى؟ (4)

الصورة العلمية للعالم ناقصة جداً إنها تعطيني الكثير من المعلومات الواقعية وتضع كل خبرتنا في نظام رائع الاتساق ولكن الصمت الذي يحيط بقلوبنا هو ما يهم حقا

بعد هذا هل يمكننا أن نقول بأن الفلسفة ماتت وأن العلماء هم من يحمل مصابيح المعرفة بدل الفلاسفة؟ لا يمكننا القول هذا تماما كما لا يمكننا القول بأن الماء يغني عن الهواء أو القلب عن العقل لكل واحد منهما له مجال هذا التناقض الموجود في بداية الكتاب وفي نهايته يخبرنا بالكثير ومن الأشياء التي يخبرنا بها هو أن هوكينج لا علاقة له بالفلسفة أصلا وأنه يتكلم فيما لا يعلم كما يخبرنا صدق قول أينشتاين بأن رجل العلم هو فيلسوف ضعيف (5) في الحقيقة رجل العلم هو رجل العلم فقط ولا يمكن أن يكون نصف فيلسوف ضعيف فضلا عن أن يكون فيلسوفا ضعيفا هذه ترقية لا يمكن أن تعطى هكذا مجاناً.

بل إن من العلماء الكبار من يخبرنا بأن العلم ليس له الشيء الكثير لكي يخبرنا به في كثير من المجالات التي تهمنا كالبشر يقول إرون شرودنجر إن الصورة العلمية للعالم ناقصة جداً إنها تعطيني الكثير من المعلومات الواقعية وتضع كل خبرتنا في نظام رائع الاتساق ولكن الصمت الذي يحيط بقلوبنا هو ما يهم حقا إنها لا تستطيع القول شيئا عن اللون الأحمر والأزرق عن الحلو والمر عن مشاعر الحزن والبهجة عن الجمال والقبح عن الخير والشر عن الإله والخلود (6).

 

ويمضي شرودنجر أبعد من هذا فيقول تتظاهر العلوم بقدرتها عن الإجابة عن الأسئلة في هذه الأبعاد ولكن الإجابات غالباً ما تكون سخيفة جداً بحيث أنها تجعلنا نميل إلى عدم أخذها على محمل الجد العلم متحفظ أيضا عندما يكون السؤال عن الوحدة العظيمة التي ننتمي إلى الجزء منها والاسم المشهور في هذه الأيام عن هذه الوحدة هو الإله (7) بعد هذا نسأل هل فعلا قد ماتت الفلسفة وان العلم هو السبب، لماذا لا يكون العلم لا علاقة له بمجال الفلسفة أصلا؟ لماذا لا نترك الفلاسفة يطلبون قوت يومهم خصوصاً وأنه هناك من العلماء من يقول لنا بأن العلماء فلاسفة ضعفاء وبأن العلم لا يتكلم عن الخير والشر الجميل والقبيح الله والخلود فلنتركهم يمرحون مع هذه الأسئلة فهم مجرد فلاسفة لا أكثر.

لكن ماهي هذه الأجوبة التي يزعم بأن العلم يعطيها لنا عن الأسئلة التي حيرت الفلاسفة وكثير من الناس أو بتعبير أدق ماهي الإجابات التي قدمها ستيفن هوكينج عن إجابات الفلاسفة للأسف سرعان ما تتملكنا خيبة أمل أخرى سواء من الأولى يقول هوكينج أجسام مثل النجوم أو ثقوب السوداء لا تستطيع الظهور وحسب من لا شيء لكن مجمل الكون يمكنه (8) ذلك ، وذلك لأنه هناك قانون مثل الجاذبية فإن الكون يمكنه أن يخلق نفسه من لا شيء (9).

الاعتراض الأول هو أن هذا ليس بعلم هذه فلسفة لكن فلسفة ركيكة الشيء لكي يخلق نفسه أو يقوم بأي أثر عليه أن يكون موجودا ونحن فرضنا أن الكون كان معدوما قبل الانفجار العظيم والمعدوم لا فعل له والشيء لكي يخلق عليه أن يكون معدوما فإذا قلنا عنه خالق نفينا عنه أنه مخلوق وإذا قلنا أنه مخلوق نفينا عنه أنه خالق إن القول بأن الشيء علة نفسه هو قول سفسطائي وليس قولا فلسفيا محترما فكيف يستقيم القول أنا خلقت نفسي الخلق الذي يجمع بين النقيضين خالق مخلوق واجتماع النقيضين مستحيل عقلا.

قانون الجاذبية ليس بشيء أي لا يوجد قوة فاعلة يقال لها الجاذبية قانون الجاذبية يصف لنا الظاهرة ويجعلنا نتنبأ بما سيحدث لكنه لا يخلق شيئا كما أخبرنا هوكينج
قانون الجاذبية ليس بشيء أي لا يوجد قوة فاعلة يقال لها الجاذبية قانون الجاذبية يصف لنا الظاهرة ويجعلنا نتنبأ بما سيحدث لكنه لا يخلق شيئا كما أخبرنا هوكينج
 

والقول بأن قانون الجاذبية هو الذي تسبب في خلق الكون كما قال هوكينغ فهذا لا يخوله القول بأن الكون خلق من لا شيء لأن الجاذبية من الكون وهي قوة فاعلة كما قال هوكينغ ألم ينسب لها هوكينج الخلق ولكي نقول شيء خلق شيء أخر عليه أن يكون سابقاً عليه بالزمان مثلا النجار صنع الطاولة لأن النجار يسبق الطاولة أي كان النجار ولم تكن الطاولة ثم كان النجار والطاولة، والكون وقانون الجاذبية كما يخبرنا الفيزيائيين وجدا معا.

أضف إلى هذا أن قانون الجاذبية ليس بشيء أي لا يوجد قوة فاعلة يقال لها الجاذبية قانون الجاذبية يصف لنا الظاهرة ويجعلنا نتنبأ بما سيحدث لكنه لا يخلق شيئا كما أخبرنا هوكينج نفسه يقول ستيفن هوكينج قانون الجاذبية الذي فسر مدارات الأرض والقمر والكون كما شرح ظاهرة كظاهرة المد والجزر (10) فسر وشرح لكنه لم يخلق الأرض والقمر والمد والجزر. أليس هوكينج هو الذي قال إن قوانين الطبيعة تخبرنا بالكيفية التي يتصرف بها الكون لكنها لا تجيب على السؤال لماذا؟

يخبرنا هوكينج عن معنى القانون يقول بأن معظم العلماء تقول إن قانون الطبيعة هو القاعدة التي تقوم على الانتظام الملحوظ وتمدنا بتنبؤات تذهب خلف الأوضاع الراهنة التي تقوم عليها ويضرب لنا مثال يقول على سبيل المثال ربما نلاحظ أن الشمس قد أشرقت من جهة الشرق كل صباح طيلة حياتنا فنفترض القانون التالي الشمس تشرق دوماً من جهة الشرق (11) هذا هو القانون يصف لنا الظاهرة لكنه لا يستدعي الأشياء من العدم لأنه هو نفسه عدم بدون وجود ظاهرة وانتظام لكي يفسرها لنا بل لن يوجد إذا لم يوجد العقل لأن القانون مجرد مفهوم ذهني يكونه العقل عن أشياء تحدث في الخارج.

مثال يوجد قانون الحادي والعشرين يوماً الذي يصف لنا متى سيخرج الكتكوت من البيضة وكيف خرج الكتكوت يعيش الكتكوت أيامه الأولى داخل قشرة البيضة ويخرج منها بعد ما تنكسر مضغة لحم في اليوم الحادي والعشرين بعد أن يظهر قرن صغير على منقار الكتكوت يستعمله في تكسير البيضة لينطلق خارجا منها (11) هذا يسمى قانون الحادي والعشرين يصف لنا كيف خرج الكتكوت من البيضة ويجعلنا نتنبأ متى سيخرج من البيضة قبل خروجه لكن من الخطأ القول بأن قانون الحادي والعشرين خلق البيضة أو خلق الكتكوت أو خلق القرن تماماً كما من الخطأ القول بأن الكون خلق نفسه أو الكتكوت فعل ذلك هذا كلام غير عقلي وغير فلسفي وغير سليم ولا يعقل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
(1) التصميم العظيم ستيفن هوكينج ص 13
(2) نفس المرجع ص 13
(3) نفس المرجع ص 7
(4) نفس المرجع ص 206
(5) أنتوني فلو هناك إله ص 109
(6) أنتوني فلو هناك إله ص 123
(7) نفس المصدر 123
(8)التصميم العظيم ص 216
(9) التصميم العظيم 216
(10) تصميم العظيم ص 38
(11) تصميم العظيم ص 38
(12)الإسلام يتحدى

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.