شعار قسم مدونات

المعجم العربي.. هل تستطيع اللغة تجاوز حالة الانحطاط العربي؟

blogs اللغة العربية

لا يزال (لسان العرب) لابن منظور أشهر معاجم اللغة العربية وأكثرها اعتمادا من قبل الباحثين بالرغم من أن عمره يزيد على 700 سنة. ينافسه شهرة ويفوقه وفرة من حيث المادة اللغوية معجم (تاج العروس) للمرتضى الزبيدي والذي كتبه شرحا لمعجم (القاموس المحيط) للفيروز آبادي، ويضم قرابة 120 ألف مادة، وهو أحدث من لسان العرب إذ أن عمره حوالي 200 سنة فقط.

المشكلة أن بيننا وبين هذه المعاجم قرون، ورغم أن مجامع اللغة العربية عملت ولا تزال على معاجم حديثة إلا أن السابقة تبقى ذات سلطة معجمية كبيرة. ولا شك أن اللغة العربية تتطور بشكل مستمر وتضاف إليها ألفاظ كثيرة بغض النظر عما إذا كانت في الوقت الحالي لغة منتجة للمعرفة أم لا. فهي إما تستحدث مفردات جديدة، او تستوردها من لغات أخرى. وحتى المفردات القديمة تتطور ويتغير معناها وبالتالي لا تحمل بالضرورة في العصر الحالي نفس الدلالة التي حملتها في العصر الذي ظهرت فيه.

هذا هو ما حاولت المعاجم الحديثة ولا تزال استدراكه، إلا أنها تصطدم بعقبات كثيرة منها عدم القدرة على خلق إجماع على المفردات الجديدة، إذ أنه رغم أن المتخصصين يجتهدون في تعريب و اشتقاق مفردات تغطي النقص او الحاجة القائمة في تسمية ما استحدث في حياتنا أو ما يحتاج إلى تبيئته لغويا، إلا أن الاستعمال اللغوي يبقى خاضعا لأمزجة المتلقين و المستخدمين الذين لا تروق لهم الترجمات في بعض الأحيان أو يستثقلون المفردات الجديدة أو ربما يفضلون الإبقاء على اللفظ الأجنبي لشيوع استخدامه ورسوخه في الاذهان كما هو. حالة الارتجال هذه وعدم القدرة على اضفاء شرعية معجمية، إذا جاز التعبير، على عدد هائل من المفردات الجديدة يكرس السلطة التي تحملها المعاجم القديمة التي كتبت في عصر كانت الثقافة العربية منتجة للمعرفة بعكس وقتنا الحالي الذي نقتصر فيه على الاستيراد والاستهلاك. 

التخلف هو سمة حضارية عربية شاملة وما اللغة منها باستثناء. وتقدم اللغة رهين بتقدم مستخدميها ونهوضهم الحضاري، فليست هناك لغة متطورة وأهلها متخلفون والعكس بالعكس

ولا يشفع للغة العربية كونها لغة حية يستخدمها مئات الملايين في مناطق متعددة من العالم، فهي في هذا العصر لغة راكدة تحاول التأقلم بالاعتماد على الترجمة، الاشتقاق، والتعريب بشكل كبير. الترجمة في حد ذاتها ليست مشكلا فهي تثري اللغة وجميع اللغات تأثرت تاريخيا ببعضها البعض. فالإنجليزية مثلا تحمل كلمات استوردتها من لغات أخرى متعددة من ضمنها العربية، مثل: Algebra ،Alchool ،Alchemy ،Algorithm ،checkmate ،Assassin ،Admiral، الخ.

المشكلة هي حين يصبح الاستيراد سمة أساسية في استمرارية وتطور اللغة مما يفقدها زمام المبادرة وبالتالي تصير بالتدريج غريبة على نفسها وبين أهلها حتى تختفي. أما التعريب والاشتقاق فبالرغم من نجاحهما الكبير في التعامل مع الكثير من الألفاظ المستعارة بسبب مرونة اللغة العربية، إلا أنهما يواجهان تحديات كثيرة منها تباين اللغات معرفيا و الذي يفرض عدم وجود مرادف حقيقي للمصطلحات الوافدة في اللغة العربية مما يفرض أن تستعار الكلمة كما هي، وهذا يربك المستخدم حين يحاول اشتقاق الكلمات لاختلاف طبيعة اللغات مورفولوجيا.

ولعل من الأمثلة المشهورة على هذا هو اصطدام الكثير من المترجمين بمصطلح (ايديولوجيا) الذي لم يجدو له مرادفا في العربية يحيط بكل المعاني التي يحتملها كما استعصى عليهم الاشتقاق منه. أشار إلى هذا المفكر المغربي عبد الله العروي في مقدمة كتابه (الايديولوجيا العربية المعاصرة) حيث اقترح استخدام مصطلح أدلوجة لتصير على وزن (أفعولة) مثل (ألعوبة) أو (أضحوكة). لكن هذا الاقتراح تم تجاهله لشيوع اللفظ السابق.

هذه بعض المشاكل التي تواجه المشتغلين على اللغة العربية، ولا يفهم من هذا الكلام أن المجهودات التي تبذل في سبيل تحديث المعجم العربي هي مجهودات فاشلة، فمجامع اللغة العربية أصدرت بالفعل معاجم كثيرة لا يتسع المجال لذكرها جميعا، أشهرها (معجم الوسيط) الذي أعده مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأيضا (المعجم الكبير) الذي يعتبر أضخم مشروع يتبناه المجمع على غرار (معجم أوكسفورد الكبير)، والذي أصدر بين 1970 و2008 ثمانية مجلدات لم يسعها إلا أن تغطي بين الألف والذال فقط، ولا يزال العمل عليه مستمرا. أيضا، يجري حاليا العمل على مشروع (معجم الدوحة التاريخي للغة العربية) الذي تم تدشينه سنة 2013، و تم إطلاق بوابته الإلكترونية منذ أيام. ويبحث هذا المعجم في نشأة الألفاظ وتطورها التاريخي، وهو الأول من نوعه عربيا اذ سبقت إليه لغات أخرى مثل الإنجليزية، الفرنسية، الفارسية، والعبرية (لم يكتمل بعد).

وأخيرا، ردا على بعض الأطروحات التي تنسب حالة الجمود التي تعيشها اللغة العربية إلى أسباب إيديولوجية دينية تكرس تقديس اللغة العربية مما يقف عائقا أمام تطورها، أقول أن التخلف هو سمة حضارية عربية شاملة وما اللغة منها باستثناء. وتقدم اللغة رهين بتقدم مستخدميها ونهوضهم الحضاري، فليست هناك لغة متطورة وأهلها متخلفون والعكس بالعكس. واللغة في النهاية ليست الا أحد أشكال التعبير عن الذات الثقافية والحضارية ولن تعكس إلا ما هو موجود. كما أن شعوبا تتذمر أكثر مما تقرأ لا ينتظر منها أن تضيف إلى لغتها أي شيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.