شعار قسم مدونات

SLOWLY.. تطبيق يٌعيد مجد المراسلات القديمة

BLOGS SLOWLY

بدأت القصة قبل سنوات، أثناء توضيب مكتبة البيت، عثرت على صندوق من الرسائل القديمة، اكتشفت أنها كانت من صديقات أمي. لم أفتحها احتراما لخصوصياتها، لكن شيئا من سحرها بقي عالقا فيّ. أذكر أنني -اقتداءً بذلك- حاولت مراسلة صديقتي شيماء أيام المدرسة الابتدائية، رغم أننا جيران تقريبا! كنت أكتب ما أكتب وأزيّن البطاقات ثم أحملها إلى شارعها وأدسها بنفسي تحت الباب. تلقيت ردودا منها في المقابل، لا أعرف مصيرها ولا أين وضعتها وقتها، لكني عرفت لاحقا أن أمّ شيماء احتفظت لها ببعض رسائلي في علبة مذكراتها.

كتبت لمعلماتي أيضا.. لم يكن أحد يأخذني مأخذ الجد في الموضوع. حتى محاولاتي في مراسلة مجلات الأطفال سابقا كانت تبوء بالفشل منذ اللحظة التي يرمقني فيها موظفو البريد بنظرة مستهزئة حين أطلب إرسال رسالة إلى الكويت مثلا أو أبوظبي.. فككل المولعين بـ“العربي الصغير“ و“ماجد“ تلك الفترة أردت المشاركة، لكن آمالي كانت تخيب باستمرار بسبب استخفاف الموظفين بهذه الصغيرة التي تقف على أطراف أصابعها لتمدّ بالرسالة إلى النافذة وتحاول شراء طابع بريدي يناسب الوِجهة.

وتمرّ الأيام، وتشاء الأقدار أن يصير للتواصل مع الأصدقاء أو المجلات يسيرا لا يتطلب غير جهاز اتصال وانترنت. وظهور مواقع التواصل الاجتماعي وقبلها البريد الإلكتروني مثّل فرصة أسرع وأضمن للعملية ككل. غير أن هذا التطور أقصى تفاصيلَ جميلة من المشهد، وهو يتسارع أكثر في أيامنا حتى فقدت الرسائل طلاوتها ومتعتها، وبات من اليسير إرسال وتلقي أي شيء بشكل لحظي. أولئك الذين عاشوا قبل جيل الإنترنت المتاح للعوم يدركون ذلك على نحو أوضح بالتأكيد.

لست واثقة إن كنا قادرين اليوم على تسمية التواصل تسميةَ التراسل. الحال مختلف. كلمة دردشة أقرب وأدقّ. أما التراسل فمُنطبع لدي بارتباطه بصورة متكاملة تتطلب وجود حيز زمني فاصل بين رسالة وجوابها -أطول مما عودتنا التكنولوجيا- بالإضافة إلى تلك المَسحَة الجمالية للأثار اليدوية على الورقة؛ الخط، بعض الزينة ربما، بل وملمسها وربما رائحتها أيضا. ففي السابق كانت الرسائل تحمل حتى روائح العطور المتبادلة.

كان تطبيق الهواتف الذكية ”Slowly“ تطبيق يعيد للمراسلة رونقها القديم من حيث الانتظار والتشويق، ومثلما يبينه الاسم فإن السر يكمن في بطء تحويل الرسائل من المرسل إلى المتلقي

هل سيطول حديثي في نوستالجيا وشوقٍ إلى عصر لم يُقدّر لي أن أعيش فيه؟ بغضّ النظر عن تقدّم ركب الحضارة وضرورة استعمالنا للوسائل الحديثة، شهدتُ مساعي قليلة هنا وهناك -على الفيسبوك خاصة- لاستعادة بعض لذة التراسل بالبريد كما في السابق. تُعقد مجموعات صغيرة من الأصدقاء، يتمّ تبادل العنواين، ويبدؤون في التراسل. لم أسمع عن محاولات استمرت كثيرا، وهذا لا يتعارض مع سرور الذين شاركوا في التجربة طبعا. أفترض أن سبب العزوف بعد محاولات قليلة يكمن في أنهم بالأساس قد عرفوا بعضهم عبر الفيسبوك ومع الوقت سيلجؤون إليه مجددا لتبادل القصص العاجلة أو المقتضبة، فتفشل التجربة.

وعلى سبيل الحنين كان تطبيق الهواتف الذكية ”Slowly“ أترجم الاسم بعبارة "على مهل" تطبيق يعيد للمراسلة رونقها القديم من حيث الانتظار والتشويق، ومثلما يبينه الاسم فإن السر يكمن في بطء تحويل الرسائل من المرسل إلى المتلقي، حسب موقعهما الجغرافي. فيقترح عليك التطبيق أن تكون رسالتك طويلة شاملة، وقد تجد في نفسك حاجة إلى استعمال أساليب تفاعلية في الكتابة لكي تتلقى في المقابل رسالة طويلة أيضا.

الجميل في التطبيق أنه لا يجبرك على وضع اسمك الحقيقي أو الإفشاء عنه، ولا يفرض عليك وضع صورك الشخصية أو أي صور أخرى، أي إن المجال مفتوح للكتابة والكتابة والكتابة.. بأي لغة تشاء، أما الصور فمسألة ثانوية جدا. كما يتيح لك المجال لانتقاء أصدقاء للمراسلة من شتى أصقاع العالم من خلال تحديد مجالات اهتمامك، برجك القمري، اللغات التي تتقنها، الدول التي تحبذها،.. ويخوّل إليك أيضا إقصاء المواضيع التي لا تروقك، والفئات العمرية التي تتهرب منها، واللغات التي تنوي تجنبها..إلخ. من اللطيف أيضا أنه يوفّر لك ألبومك الخاص لجمع طوابع بريدية رمزية يبعث بها إليك مراسلوك، وتشاركهم أنت أيضا من مجموعتك إذا أردت، في ما يشبه الجوائز ومحفزات.

خلال 3 أيام من التجربة بدأت أستشعر جمال الانتظار وسعادة تلقي الرسائل. انتظار لا يشبه انتظارات الرسائل الإلكترونية اليومية عبر تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، ولا سعادة كسعادة تلقيها. بعيدا عن صخب المعلومات المتراكمة التي بات من العسير تمييز صحيحها من مزيّفها، بعيدا عن كل الفضوليين الذي يراقبونك بصمت أو المزعجين الذين لا يتوقفون عن الثرثرة.

تلقيت خلال هذه الفترة ما يزيد عن الخمس رسائل، منها ما هو رد على مبادراتي أنا ومنها ما هو مبادرات تصلني من مستعملين آخرين. على أن هذا لا يشبه الكتابة اليدوية المباشرة، فإنّ التطبيق مازال ينطوي على جمال التعرف على الأشخاص بمجرد الكتابة ومتعة التجربة. وفي حالة صارت تشبه الطقس اليومي، أستيقظ يوميا على مجموعة من الرسائل القليلة اللطيفة، الأنيقة والمحترمة، لأجيب بكل ما أملك من الأناقة اللغوية وأتبادل مع أصدقائي الجدد -الذين لم يسبق أن رأيتهم- أطراف الحديث عن اهتماماتنا المشتركة والمتنوعة، حديثا راقيا ونبيلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.