شعار قسم مدونات

المشاهدة السلبية.. هل طفلك مدمن "تلفاز"؟!

blogs طفل يشاهد تلفاز

كاد الاهتمام بتأثيرات التليفزيون في الأطفال أن ينحصر في مضامين البرامج التي يشاهدها الأطفال دون سواها. ويقوم علماء الاجتماع والباحثون بإجراء تجارب بالغة الصعوبة في تعقدها ومهارتها لتقرير ما إذا كانت مشاهدة برامج العنف تجعل سلوك الأطفال أكثر عدوانية أم أن مشاهدة البرامج النموذجية على العكس، تشجع السلوك الاجتماعي الإيجابي للأطفال. وتجرى دراسات لمعرفة ما إذا كانت إعلانات التليفزيون تهيئ الأطفال لأن يكونوا طماعين وماديين، أم كرماء وروحانيين، كما ذكر البعض. ويسعى الباحثون لاكتشاف ما إذا كانت الأنماط التليفزيونية الثابتة تؤثر في طرق تفكير الأطفال، بحيث تدفعهم نحو التحيز، أو سعة الأفق، أو غير ذلك.

إن جوهر التجربة التليفزيونية ذاته، بصرف النظر عن مضامين البرامج، نادرا ما يؤخذ بعين الاعتبار. وربما يعزز حشد المشاهد والأصوات المتغيرة باستمرار والصادرة عن الجهاز أي التنوع العاصف للصور المعروضة أمام العين ووابل الأصوات البشرية وغير البشرية الذي يصل إلى الأذن. الوهم الزائف لدى المشاهد بأنه أمام تجربة متغيرة. فمن السهل إغفال حقيقة بسيطة بطريقة مضللة: يشاهد المرء التليفزيون باستمرار حين يفضل مشاهدته على أي تجربة أخرى. فإن ثمة تشابها في تجربة المشاهدة التليفزيونية كلها. ذلك أن آليات فسيولوجية معينة في العينين والأذن والدماغ تستجيب للمثيرات المنبعثة من شاشة التليفزيون بصرف النظر عن المضمون المعرفي للبرامج. إنه عمل ذو اتجاه واحد يستلزم تلقي مادة حسية خاصة بطريقة معينة، مهما كانت تلك المادة. والواقع أنه ليس هناك تجربة أخرى في حياة الطفل تسمح بمثل هذا القدر الكبير من المشاهدة في حين تقتضي القليل جدا من التدفق الخارجي.

يشكل الأطفال الذين لم يبلغوا سن الدخول إلى المدرسة أوسع شريحة مفردة بين مشاهدي التليفزيون الشريحة التي تقضي أكبر عدد من الساعات وأوفر حصة من وقت يقظتها في مشاهدة التليفزيون بالمقارنة مع أي مجموعة عمرية أخرى، يمضي أطفال المجوعة العمرية الذين هم بين سنتين وخمس سنوات 22.9ساعة في المتوسط أسبوعيا في مشاهدة التليفزيون، بينما يمضي أطفال المجموعة العمرية 6-11 سنة20.4 ساعة مشاهدة. بل إن دراسات مسحية أخرى تبين أن هناك أوقات مشاهدة أطول تصل إلى 54 ساعة أسبوعيا لمشاهدين لم يصلوا إلى السن المدرسية بعد. وحتى أشد التقديرات حذرا تدل على أن أطفال ما قبل المدرسة يمضون أكثر من ثلث ساعات يقظتهم في مشاهدة التليفزيون.

التجربة التليفزيونية لا تعزز النمو اللفظي لأنها لا تتطلب أي مشاركة لفظية من جانب الطفل، بل تتطلب الاستقبال السلبي وحده

ما هي تأثيرات مثل هذه الحصة الكبيرة من الساعات يوميا على الكائن البشري النامي الحساس المنشغل بهذه التجربة الخاصة؟ كيف تؤثر التجربة التليفزيونية في تنمية لغة الطفل، على سبيل المثال؟ كيف تؤثر في تطور الخيال، أو الإبداع؟ كيف يؤثر وجود التليفزيون في طرق تربية الآباء لأطفالهم؟ هل تم تطبيق سياسات جديدة لتنشئة الأطفال وطرح سياسات قديمة جانبا، لأن إتاحة جهاز التليفزيون صارت عونا وراحة للآباء؟ هل تغير بصورة عميقة إدراك الطفل للواقع نتيجة للتعرض المستمر للمواد التليفزيونية غير الواقعية؟ كيف تؤثر مشاهدة التليفزيون لعدة ساعات يوميا في قدرات الطفل على تكوين علاقات إنسانية؟ ما الذي يحدث للحياة الأسرية من جراء اندماج أفراد الأسرة مع التليفزيون؟

إن حاجات الأطفال الصغار مختلفة تماما. فنمو الأطفال يتطلب فرصا لتحقيق علاقات أسرية أساسية، وبذلك يمكنهم فهم أنفسهم، لكن كل ما تفعله التجربة التليفزيونية هو أنها تقلص هذه الفرص. يحتاج الأطفال الصغار إلى تنمية طاقتهم على التوجيه الذاتي حتى يحرروا أنفسهم من التبعية. لكن التجربة التليفزيونية تساعد على استمرار هذه التبعية دوما.

يحتاج الأطفال إلى اكتساب مهارات الاتصال الأساسية تعلم القراءة، والكتابة، والتعبير عن الذات بمرونة ووضوح حتى يؤدوا وظائفهم كمخلوقات اجتماعية. غير أن التجربة التليفزيونية لا تعزز النمو اللفظي لأنها لا تتطلب أي مشاركة لفظية من جانب الطفل، بل تتطلب الاستقبال السلبي وحده. يحتاج الأطفال إلى اكتشاف نواحي القوة والضعف الخاصة من أجل تحقيق رغباتهم كراشدين في العمل واللعب على حد سواء. لكن المشاهدة التليفزيونية لا تفضي إلى اكتشافات كهذه. فهي، في الواقع، تحد من اندماج الأطفال في تلك الأنشطة الواقعية التي قد تتيح لقدراتهم فرصة حقيقية للاختبار.

إن إشباع حاجة الأطفال الصغار إلى الخيال يتحقق بصورة أفضل للغاية عن طريق ضروب النشاط الإيهامي الذاتي، لا عن طريق القصص الخيالية التي يعدها الكبار ويقدمونها لهم في التليفزيون. إن تلبية حاجة الأطفال الصغار إلى التنبه العقلي تتحقق بصورة أفضل وإلى أبعد حين يمكنهم تعلم الأداء اليدوي، واللمس، والفعل، وليس مجرد المشاهدة السلبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.