شعار قسم مدونات

إليكِ حين تكبُرين.. غيمةُ صَيفٍ مرّت سريعاً!

blogs أمومة، طفلة

حبيبتي.. قطعةُ روحي في الدنيا.. لم أعرف أبداً أنني سأتعلق بك كلّ هذا التعلُّق.. أمضيت سنوات عمري قبل أن أبلغ العشرين أحلم بك وأتمناكِ.. مرت علي لحظاتٌ كثيرة تمنيت أن تكوني معي.. رجوت الله كثيراً أن يرزقني بك.. ثم خيّمت علي لحظة يأس ندمتُ عليها فيما بعد. أتعلمين ماذا كان يعني لي وجودك.. كم رسمتُ في مخيلتي الخصبة لحظاتٍ أُفضي لك بها، لحظاتٍ نلعب فيها معاً، أقرأ لك فيها بعض آياتِ القرآن.. ثم أقصُّ عليك قصةً أنسجها لك في نفس الحين ودون قواعد بينما أنتِ راقدةٌ في حضني أو توسِدين رأسك على صدري بهدوء.. تخيلت نفسي في لحظاتٍ أخرى أُسَرّح لكِ خصلات شعرك الذهبية ذات الملمس الحريري.. ثم أُلبسك بعض الحليّ.. لأتذكر حينها قوله تعالى: "أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ".

تخيلتك مراتٍ أخرى تساعدينني في أعمال المنزل رغم صغرك، وبطفولتك البريئة تبعثرين الوسط لأبدأ أنا العمل من جديد.. وربما حينها أساعدك في بعثرة المكان ثم نعيد ترتيبه معاً.. لا تعلمين كم كانت مخيلتي خصبة يا حبيبتي.. كل هذا كان مجرد خيالٍ فيما مضى.. لكن وبقدرة الله.. منّ عليّ بك بعد عشرين عاماً من الانتظار.. عشرون عاماً عشتها مع طيفك الذي نسجتُ حضوره في مخيلتي ثم صار حقيقة.. نعم، رزقني الله بك بعد عشرين عاماً، ما زلت أذكر ذلك اليوم وكأنني أراه، أشرق نورك على الدنيا يا حبيبتي قبل العيد بيوم واحد وكأنّك تصرين على حضور العيد معنا، جئتِ في يوم الوقفة وبالضبط في الحادي عشر من شهر أيلول، في الواقع يا حبيبتي أمضينا عيدنا في المشفى، كان أسعد عيد مر علي وأشق عيد مشقةً ألذ على قلبي من العسل.. لأنني أمضيت تلك الليلة بجانبك على الكرسي.

سأخبرك كيف كان أول لقاء لنا.. لم أتمالك نفسي يا حبيبتي حين دخلتُ غرفتك بعد ساعاتٍ قليلة من ولادتك، لم أتمالك نفسي حين رأيتك، خانتني رباطة جأشي وأجهشت بالبكاء أمامك بينما أتحسس يدك الصغيرة الطرية، كان لقاؤنا مؤثراً لدرجة أن كل النساء في الغرفة عرفن أنني كنت أنتظرك طويلاً دون أن أُفصح لكن لعل ردة فعلي كانت أقوى من الكلام.. ذاك يومٌ سعيد رزقتكِ فيه بعد عشرين عاماً من الانتظار.. كانت تلك أول مرة أنطق فيها بكلمة "أختي"، كم كانت غريبة على لساني حينها.

لا تنكسري يا صغيرتي وإن وقعتِ فلا تطيلي الركود، استنفري كوامنك وكوني أنتِ، كوني أختي. واعلمي أنني أحبك وإن تداعى عليك العالم بأسره، إذ يكفيني أنك كنتِ بحراً لا أجيد إلا الغرق فيه

كنتِ طفلةً قوية تفوقين أقرانك بمهارات عديدة رغم أن عمرك كان ساعاتٍ فقط.. لاحظت هذا لأنني أمضيت وقتي أراقبك وأتأملك وكأن قلبي كان صحراءً تنتظر الغيث، فأزهرت صحرائي بمجيئك.. ومرت الأيام يا حبيبتي وأنا لا أترك شيئاً نسجته مخيلتي الخصبة من قبل إلا وأفعله.. كم أقرأ لك آيات القرآن حتى أنك حفظتِ قصار السور رغم أن عمرك الآن عامان فقط، وكم أقرأ لك قصصاً تنمّي خيالك، وكم ألحظ يا حبيبتي فصاحة لسانك، وذكاء تصرفاتك وحسن تخلصك في المواقف حتى أنك تجعلينني أقف في ذهول أحياناً وأضحك، كم رفرف قلبي يا حبيبتي حين كنتِ بعمر العام والنصف تقريباً وعلّمتك ما هو المسجد الأقصى، حتى أنك صرتِ تصرخين باسمه مباشرةً حين تلمحينه.. وأعدك يا حبيبتي أنني سأعلمك كل شيء عنه بإذن الله، سأحرص كل الحرص أن تحفظي كتاب الله مثلي وأن يحفظك.. وسأحرص أن لا تكوني فتاة عادية ولا مجرد رقم.. لأنك أختي، قطعة روحي.

أكتب هذه الكلمات لك الآن بعد أن أيقنت تعلقي بك، أعترف أنني متعلقةٌ بك حد الجنون، الحد الذي لا أنسى فيه أي لحظةٍ عشتها معكِ.. لا أنسى أبداً حين تركضين إلي في وقت قيلولتك وتصعدين سريري منتظرة أن أجلس بجانبك، أقرأ لك بعض آيات القرآن ثم أخبرك بقصة أقوم بتأليفها حينها ثم ما تلبثين أن تغطي في نومٍ عميق، فأتأملك حتى يغلبني النعاس وأنام وانت في حضني أو لعل قلبي في حضنك كان يكون.

كنت وما زلت وستبقين نسيماً لقلبي.. حبيبتي، لعلك الآن تقرئين كلماتي هذه وإلى ذلك الحين لا أعلم أين سأكون حينها، بجانبك أم بعيداً عنك ولا أعلم بأي حال ستكونين.. لكن كوني على ثقةٍ أنني ملاذك الآمن حين تخافين ووطن قلبك حين تشعرين بالغربة.. هكذا يفعل الحب بنا يا حبيبتي.. يجعلنا نسترخص حتى أرواحنا لأجل من أحببنا.. يجعلنا الحب أوطاناً وملاذاتٍ للفارين من قسوة العالم.. الحب يا صغيرتي ما وقر في قلوبنا من النبضات وإن باعدت بيننا المسافات.. وأسأل الله ألا يبعدني عنك وألا يبعدك عني.

حبيبتي ياسمين.. هذا العالم قاسٍ جداً، مليءٌ بالحفر.. لا ينجو فيه إلا من استمسك بالعروة الوثقى وأعد نفسه لأيام الفتن فزماننا يا صغيرتي صعبٌ ولا يخفى على أحدٍ أنه آخر الزمان، لا تنكسري يا صغيرتي وإن وقعتِ فلا تطيلي الركود، استنفري كوامنك وكوني أنتِ، كوني أختي. واعلمي أنني أحبك وإن تداعى عليك العالم بأسره، إذ يكفيني أنك كنتِ بحراً لا أجيد إلا الغرق فيه.. لا يسعني إلا أن أشكر الله على أنتِ، على وجودك، فتلك نعمةٌ منّ الله بها علي لا أستطيع إيفاءها.. دمتِ بحفظ الله ورضاه وحمايته يا حبيبة القلب (يا أختي).

 

أختكِ ذاتُ الحبِّ الكبير.. وعند الله لا تضيعُ الودائع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.