شعار قسم مدونات

في "أم الدنيا".. نزداد صمتا كلما ازدادت الإهانة!

blogs - jail

إن كنت تشعر بالإهانة، إن كنت تعاني من آلام القهر والظلم، إذا استشعرت أن كرامتك مهدورة أو لا يسعك أن تخرج من صمتك، إن كنت لا تستطيع المطالبة بأبسط حقوقك أو البوح بما تريد في أي مكان عام أو خاص لأن للجدران آذان فلا بأس فهذه عوارض طبيعية لكل من يعيش في أم الدنيا فلا داعي للقلق!

قال كعب الأحبار لعمر بن الخطاب: "إن الله عندما خلق الدنيا جعل لكل شيء شيئاً فقال الشقاء أنا لاحقٌ بالبادية فقالت الصحة وأنا معك، وقالت الشجاعة وأنا لاحقةٌ بالشام فقالت الفتنة وأنا معك، وقال الخصب وأنا لاحقٌ بمصر فقال الذل وأنا معك" فأصبح مُقدَّر لنا العيش تحت وطأة الذل والإهانة دون أن ننبث ببنت شفه وإلا فمصيرك معروف إما ينتهى بك الحال موضوعاً في زنزانة كأنك مجرمٌ أو قاتلٌ سفاح أو ناهبٌ للثروات وتُسجن إلى أن يشاء الله ناهيك عن المُعاملة التي تتلقاها فلا داعى للوصف فجميعنا يعلم قدر القهر والظلم الذى يطول شرحه.. أو ينتهي بك الحال مُطارداً من بلدٍ إلى أخرى تخشى الظهور خوفاً من أشباح الليل التي تُطاردك حتى أنهم لم يُصبحوا أشباح ليلٍ فقط بل أصبحوا وحوشاً تظهر في أي وقتٍ على غير ميعاد فلا عجب فهذه هي أم الدنيا كما تعلمون!

 

قال ابن بطوطة قبل نحو سبعمائة عام في وصف مصر "يستبد العسكر، والشعب يئن تحت وطأة الحكم، ولا يهتم الأقوياء بذلك والعجلة تدور" وكأنَّ مصر هي مصر منذ سبعمائة عام لم تتغير ملامحها أو بل إنها تتغير للأسوأ الفرق الوحيد أن الضعفاء لم يعودوا يئنوا لا أدرى أهو خوفاً أو أن المناعة اكتسبت من الظلم والإهانة ما يكفي حتى أنها اعتادت على ذلك، لا أدرى حقاً!

أسوأ أنواع الإهانة هو أن يكون على رأس الحكم شخص يمارس سلطاته تحت غطاء من الديموقراطية ويصدر لنا الوهم وكأن الغرض الرئيسي هو الاستخفاف بعقول الشعب

السجون مليئة بالمئات من هؤلاء الذين علا صوتهم قليلاً للأسف مليئة بصفوة المجتمع من أطباء وعلماء ورجال دين وأساتذة الجامعات تاركين في الخارج من يستحقون هذه السجون نمشى في الشوارع ليسقط ناظرينا على عربات الشرطة تتجول هنا وهناك وكأنها حملات ممنهجة للترهيب فهم نجحوا في بسط سطوتهم نجحوا في إهانة الناس من حولهم نجحوا في إذلالهم وإبقائهم صامتين وكيف لهم أن ينطقوا بكلمة واحدة وهم مُحاصرين داخل أروقة بلادهم يحيط بهم سورٍ عالٍ من القهر والظلم يكبل أجسادهم الخوف والعجز أحياناً أشفق على ذاك الشعب الذى لم يملك أي حيلة للدفاع عما هو حقٌ له فماذا يفعلون؟  أهناك عاقل يستطيع أن يتحدث في ظل ذاك الرعب الذي يحيط به أهم حمقى حتى يتحدثون وكل شيء يحدث تحت ناظريهم من قتل واعتقال! تبرير الظلم أسوأ من الظلم نفسه ولكن هي حقائق نعيشها.

وأحياناً أخرى يُصيبنى الحنق والغضب حيال ذاك التخاذل أنظر لأجد كلاً منا داخل قوقعته طالما يأكل ويشرب ولديه مأوى فلا شيء بعد ذلك.. لا يَهم إن كُنا نُعامل كالأنعام لا يَهم إن كنا نُساق بالعصا لا يهم أي شيء غير البحث عن لقمة العيش وكأَّن ذاك قدرنا الذي لن نستطيع تغيره مُطلقاً وكأنه كُتب علينا أن نعيش حياة العجز والإهانة ما حيينا، استسلمنا لواقعنا تاركين خلفنا المئات خلف القضبان تئن ألماً وتئن اشتياقاً تحترق لنظرة وتتأهب للقاء، هؤلاء هم من دفعوا ثمن تخاذل الشعب!

وأسوأ أنواع الإهانة هو أن يكون على رأس الحكم شخص يمارس سلطاته تحت غطاء من الديموقراطية ويصدر لنا الوهم من مشاريع ليس لها طائل على أرض الواقع وكأن الغرض الرئيسي هو الاستخفاف بعقول الشعب فلا عجب فهناك وإلى الآن من يدافع عن ذاك الوهم حتى وإن لمسنا بعضاً من تلك فهذا لا يساوى جناح بعوضة من آمال شعب بأكمله.. ولكن لا نستطيع التحدث فرقابنا تحت السيوف وهلاكنا لا محالة قادم يقول على عزت بيجوفيتش "نحن من نصنع طواغيتنا" نعم فبصمتنا تركناهم يعيثون في الأرض الفساد دون حساب فهذا حال ذاك الشعب منذ مئات السنيين وكأن التخاذل والصمت صفات تورث من جيل إلى جيل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.