شعار قسم مدونات

التدين.. هل يزيدنا حبا بالموت أم تمسكا بالحياة؟!

blogs صلاة

إن الدين الحنيف الذي جاء به خير المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءت به باقي الأديان السماوية الأخرى سواء من الناحية التشريعية أو العقدية فهي إنما جاءت لتأمرنا بالموافقة والموازنة بين الأمرين أي (الحياة والموت) وكيفية استغلال الحياة من أجل الفوز بالجنة بعد الموت، إضافة إلى إعطاء كل منهما حقه في نفسية الشخص المسلم وذلك لأن الحياة والموت بيد الله يحي من يشاء ويميت من يشاء وكل ذلك في تقديره سبحانه، وفي ظل استعراضنا لهذا الموضوع تتبادر إلى أذهاننا بعض التساؤلات وهي: هل حقيقة أن التدين هو السبب الرئيسي في العمليات الانتحارية أم أن التدين إذا كان بالشكل الصحيح فهو عكس ذلك؟ وهل بات التدين رمزاً للموت؟ 

أولاً يجب معرفة أن هناك فرق جلي بين الدين والتدين فالدين في تعريف علماء المسلمين هو "وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل" أما التدين فهو كل ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال وذلك من خلال تطبيقه لما أمر به، لكن هذا ما لا نشهده على أرض الواقع فالتدين كما هو معروف أو بالأحرى كما يروج له الإعلام العالمي الغربي وبعضاً من الإعلام العربي في الآونة الأخيرة هو المبالغة في الدين والتشدد في تطبيق أوامره ومعالمه وأحكامه.

 

ولذا جرى مفهوم التدين على أنه جذب المرء للموت وتكرهيه في الحياة هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أيضا بعض العلماء بين ألاف الأقواس يروجون لما يقوله الإعلام حقيقةً وذلك من خلال حديثهم عن الدنيا وكيفية العيش فيها فيصفونها أي الدنيا بأوصاف وبدلائل صحيحة من الكتاب والسنة إلا أن الغرض منها شيء أخر وبمفهوم أخر وغالبا ما يكون سياسيا، ومن ذلك أنها دنيا فانيا ودنيا زائلة وأن الدنيا جنة الكافر وعش في الدنيا كأنك غريب وأن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وأن نصف اليوم يعدال خمسة وعشرون ألف سنة، واللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني يوم القيامة في زمرة المساكين، وفقير صابر خير من غني شاكر، بل والدعوة إلي الزهد في الدنيا، ازهد في الدنيا يحبك الله وغير ذلك مما يروج له بعض أبناء بني جلدتنا.

 

في مجتمعاتنا نجد صنفين من الناس أحدهما ملتفت لدُنياه لا يفكر في أخراه والصنف الأخر عكس الأول، بل يجب أن نوازن ونوافق بينهما بتطبيق شرع الله وعدم الانسياق خلف أجندات خارجية هدفها تدمير الإسلام

كل ما ذكرناه صحيحا ولكنه بمعنى أخر، وهم يصرفونه لمعنى أخر، الشيء الذي جعل غير المسلمين يرون الإسلام والمسلمين يؤمنون بدين قوامه الخوف والرعب والترغيب في الموت، وما قد يصل في لحظات درامية إلى التضحية بالحياة من أجل الدين كما يروج له الإعلام الأمريكي وذلك من خلال التمثيل "بداعش" الذي لا يَعرف عن الإسلام إلا اسمه.

والذي ينبغي الإشارة إليه وتسليط الضوء عليه أن الدين الإسلامي رغبنا في الحياة أكثر وحثنا على العمل الصالح فيها للفوز بالجنة بعد الموت، وأنه دين وسطية واعتدال في كل ما يخص الناس في حياتهم وبعد مماتهم، ولذا تجد آيات كثيرة وأحاديث عظيمة تتحدث عن ذلك ومنها قوله تعالى "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" وقوله أيضا "وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ" وفي المأثور ينسب قول لنبي صلى الله عليه وسلم "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً" والمستفاد من هذا الحديث أن يوازن المرء بين الحياة والموت كأن يعيش حياته كأنه دائم فيها ويستمتع بملذاتها بما يوافق الشريعة الإسلامية طبعاً، وأن لا يكون تعيسا فيها بأن يحاول القيام بأمور نهى الشرع عنها مثل الانتحار أو التفجير كما يقع مع المنظمات الإرهابية التي تغرس في نفوس الشباب أفكار لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية، وذلك بحثهم على القيام بالعمليات الانتحارية بذريعة التقرب من الله أكثر وأنه كلما توفي شخص في سنِ مبكر فإن ذلك يدل على أن الله يحبه وأن الله إذا لم يحب شخصا أطال في عمره.

 

والذي يُستنتج من هذا كله أنهم يحببون الموت للشخص بطريقة غير مباشرة، فأصبح هذا الأمر أيضا يستعمله بعض العلماء لقضاء حوائج الشخصية وذلك من خلال توظيف بعض الأقوال والأحاديث التي تحث على عدم الاهتمام بالدنيا والانشغال بالتفكير في لآخرة فأصبحوا هم وأمثالهم يظفرون بالمناصب العليا في المجتمع ويستمتعون بالدنيا وبملذتها التي حرموها على مجتمعاتهم فأصبحت بذلك الدنيا لهم والآخرة لنا على حد ما نراه.

وفي الختام إن ما أريد قوله ليس الاهتمام المفرط بالدنيا ولا الابتعاد عنها أيضا، ففي مجتمعاتنا نجد صنفين من الناس أحدهما ملتفت لدُنياه لا يفكر في أخراه والصنف الأخر عكس الأول، بل يجب أن نوازن ونوافق بينهما بتطبيق شرع الله وعدم الانسياق خلف أجندات خارجية هدفها تدمير الإسلام والقضاء علية ومعظم هؤلاء يختبئون خلف جلباب التدين، بل يجب علينا أن نعيش بطريقة تعود علينا بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.