شعار قسم مدونات

لماذا لا يستجيب لنا الله؟

blogs دعاء

لم يقبل الله آدم بعد عصيانه لأوامره إلا بالدعاء، ولم يخرج من يوسف من السجن إلا بالدعاء، ولم ينجَّ يونس من بطن الحوت إلا بالدعاء، ولم يُرزق زكريا بالولد بعد شيخوخته وامرأته العاقر إلا بالدعاء، ولم ينجَّ موسي وبني إسرائيل من فرعون إلا بالدعاء، ولم يأمن محمد وصحبه من المشركين الذين كانوا فوق رؤوسهم إلا بالدعاء والثقة في الاستجابة. "هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ".

عند رؤية سيدنا زكريا ما عند السيدة مريم من رزق الله الذي رزقها، وفضله الذي آتاها من غير تسبب أحد من العالمين في ذلك، طمع بالولد مع كبر سنه، وامرأته العاقر، فرجاً أن يرزقه الله منها الولد، مع الحال التي هما بها، كما رزق مريم ما رزقها من ثمرة الصيف في الشتاء، وثمرة الشتاء في الصيف، ومع أنه من المستحيل أن تلِد المرأة العاقر.. لم يبخل زكريا بالدعاء راجياً من الله أن يؤتيه الولد. "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84)وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)".

يأتي الدعاء في آية، فتأتي الاستجابة في الآية التالية لها، حرف الفاء يفيد التعقيب والتسريع، دلالةً على سرعة الإجابة. معظم الأنبياء قد ابتلاءهم الله سواءً في أجسادهم وأموالهم مثل أيوب، أو ضيق الحياة مثل يونس، أو في الإنجاب مثل زكريا، أو في موت الأولاد مثل محمد عليه الصلاة والسلام، وغيرهم الكثير ممن ابتلاءهم الله وصبروا على البلاء ليكونوا أسوة لنا.

الإنسان بطبعه جاهل مهما أوتي من علم، فهو دائماً ينظر لما تحت قدميه ولا ينظر أمامه، ما يدريك بأن الله لم يستجب لك، فلعل ما كنت تتمناه فيه مهلكتك

أنت لست أفضل من الأنبياء ولا أكثر منهم تعبداً لله، ومع ذلك كانوا أكثر ابتلاءً منك، وأكثر تضرراً في أجسادهم وأهلهم وأموالهم، فإن كان الله قد ابتلاك، فهو لم يبتليك إلا ليطّهرك من ذنوبك، وحتي يسمعك تناجيه وتقول يا رب وأنت رافع يديك إليه متذللاً طالباً العون منه، فإن الله يستحي أن يرفع عبده يداه إليه أن يردهما صفراً خائبين. سُئل الإمام الشافعي رحمه الله ذات مرة: أندعوا الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فقال: لن تمكّن قبل أن تبتلي. فهذه الحياة الدنيا مظنة ابتلاء، وقد قال الله عز وجل: "وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ"، الأمور لا تجري في الدنيا على ما تشتهي، لأن الله سبحانه وتعالي جعلك في الدنيا كي يمتحنك."الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وهُوَ العَزيزُالغَفورُ".

لا تجعل الدعاء آخر بديل لك، ولكن اجعله أول ما تفعل عند تعرضك لأي نوع من الابتلاء، ادعُ ربك في الرخاء والشدة، ولا تجعل الله آخر من تلجأ إليه، بل اجعله المعين الأول والأخير لك.. لأنه هو أكثر من يعرف شعورك وهو ألطف بك من أمك التي ولدتك.اختلي بربك في جوف الليل..وكن من الطامعين في مغفرته ورحمته، لا تكن بخيلاً في الدعاء واشكُ له كل ما يؤلمك، ولا تقلق من عدم الإجابة، لأنه سيستجيب لك إن كانت نيتك خالصة له (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

كثيراً ما نسمع أشخاص يقولون أننا مللنا من كثرة الدعاء الذي لم يستجب منه شيء، نرى من يئس من رحمة الله، من يصل معه الحال أحيانا ً أن يتطاول علي الله لعدم استجابته له. الإنسان بطبعه جاهل مهما أوتي من علم، فهو دائماً ينظر لما تحت قدميه ولا ينظر أمامه، ما يدريك بأن الله لم يستجب لك، فلعل ما كنت تتمناه فيه مهلكتك.. فنجّاك الله منه بدعوة منك ذات مرة، لكنك وبطبعك كإنسان حسبته شر لك، ونسيت قوله تعالي "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".

راجع نفسك دائما في كل ما فعلته وما تفعله، فإن أصابك سوء فاعلم أنه من نفسك..
راجع نفسك دائما في كل ما فعلته وما تفعله، فإن أصابك سوء فاعلم أنه من نفسك.. "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ".. كن على يقين أن كل ما قسمه الله لك وكل ما كتبه هو خير لك
 

أسوء ما قد تقترفه في حق ربك أن تدعوه وأنت غير متيقن من أنه سيستجيب لك، أن تكون يائساً من رحمة الله، أن تكون غير واثقاً بنصر الله، سيدنا موسي كان فرعون وراءه والبحر أمامه ومع ذلك لم ييئس من رحمة الله وكان واثقاً في أنه سينجّيه فقال "كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"، سيدنا محمد وصحبه كان المشركين فوق رؤوسهم لو نظر أحدهم تحت قدميه لراءاهم، لكن النبي يواسي صحبه ويقول: "ما بالك باثنين الله ثالثهما".

راجع نفسك دائما في كل ما فعلته وما تفعله، فإن أصابك سوء فاعلم أنه من نفسك.. "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ".. كن على يقين أن كل ما قسمه الله لك وكل ما كتبه هو خير لك. واعلم بأن الله لا يحمّلُك ما لا تتطيقه فهو أعلم بحالك ولا يكلف نفساً إلا وسعها. كنُ مخلصاً لله في الدعاء، وكُن ملحاً عليه ولا تتعجل الإجابة، اجعل قلبك حاضراً في الدعاء.. فيكفي أن يكون الدعاء صادقاً ومن القلب ليستجيب الله له "إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا".

اعرج بقلبك إلى السماء في جوف الليل، واسري بهمومك إلى الله، لا تقلق من الدنيا.. فإن من خلقك سيتولاك، تنفّس هواء التوبة، واهتدي بنجوم قبلك الذي ينير بصفائه ظلمات الحياة، لتكن رحلتك كل يوم هي حجُّ إلى السماء لتتخلص من كل ما يؤلمك وما يؤرق قلبك، لتعُد بعدها كطفل صغير صافي القلب هادئ النفس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.