شعار قسم مدونات

كيف تتخلص المرأة من شخصية الضحية؟!

blogs امرأة

لطالما أثارني تهميش المرأة وإهمالها في مجتمعات قلَّ فيها تطبيق مبادئ العدالة السماوية، والذي أدى بدوره إلى خلق اختلال في التوازن الاجتماعي والثقافي ما بين كلا الجنسين الذكري والأنثوي. المرأة هي المدرسة الأولى التي يتخرج من بين أحضانها العقول فهي تمثل الجذور الأساسية التي تدير كفة النجاح أو الفشل في المجتمعات فإذا كانت المرأة مهملة ومحتقرة، وتعيش وضعية الدنية والجهل والقهر والسحق لشخصيتها وعدم الاعتبار، فلا غرابة أن ينشأ الأبناء أيضاً على الجهل وضيق الأفق وضعف الشخصية وتذبذبها.

تحرير المرأة

إن مسألة تحرير المرأة، تحريراً صحيحاً وليس استغلالياً ودعائياً فقط، هي مسألة جوهرية وملحة للغاية في هذا الـزمان، وذلك لاعتبارات عـدة، فتحريرها تحريراً حقيقياً مسؤولاً، كما تقتضيه إنسانيتها، ورفع اليد عنها والكف عن ظلمها واستعبادها، هـو مطلوب قبل كل شيء من منطلق مبدأي، لأن ذلك من حقها الطبيعي والشرعي وليس هو منةٌ ولا هبةٌ من أحد، كذلك هو مطلوب لأنهُ ليس هناك ما يمنعهُ عقلاً ولا نقلاً، بل على العكس فإن العقل والنقل يؤكدانه ويُحثان عليه.

القرآن كتاب إنساني

"مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (97) النحل. كلماتٌ لو نفهمها جيداً، لو نُدقق النظر فيها قليلاً، لكُنا قد خرجنا من دوامة التخلف، ودخلنا عالم التحضر والانفتاح على الآخرين. إذ يعتبر القرءان كتاباً إنسانياً قبل أن يكون إسلامياً، كرّس في مضمونه أسمى القيم الأخلاقية، ووضع لكل جنسٍ من البشر حقوقاً وجعل لهذه الحقوق بالمقابل واجباتٍ يجب الالتزام بهما، بالتالي خصص للحقوق والواجبات معايير أساسية تنسجم على اختلاف الأزمنة والأماكن وبحسب البيئة الاجتماعية.

ما هو مفهومنا نحن للمرأة؟
المرأة الغربية هي أشبه بسلعة لا تأخُذ حريتها إلا بعد دفع كلفة أو ثمن لهذه الحرية المأخوذة، وتُستخدم أبشع استخدام

أهي خادمةٌ تعمل في البيت؟ أم هي كائنٌ بشري لا ينظرُ إليه أحد؟ أم هي عارٌ على المجتمع؟ أم هي كلمةٌ نُحركُ حروفها كيفما نشاء؟ تساؤلات تحمل في طياتها مأساة تخدش هذه الجوهرة الرقيقة، وتشوب معنى حقوق الإنسان. للأسف الشديد المرأة اليوم تُعاني وتُظلم وتُحرم من حقوقها كثيراً، فالمرأة في البلدان العربية لا يُسمح لها بالمشاركة في اتخاذ القرارات، وتُمنع من ممارسة نشاطاتها وأعمالها، والغريب أنها تنهالُ عليها الواجبات كالأمطار الغزيرة، والأغرب أن يُطبق عليها " غلطة الشاطر بعشرة " إن أخطأت بقصد أو ب دون قصد. ولا تنتهي سرد وضعية المرأة في المدن بل يجب تسليط الضوء عليها في القرى والأرياف أيضاً، فالمرأة القروية مجمدة تماماً وتُعامل كالآلة التي يجب عليها أن لا تتعب ولا تمرض، بل تقوم بالأعمال الشاقة وفمها مغلق.

المرأة في منظور الغرب

لا تحسبوا أن حقوق المرأة ضائعة في البلدان العربية فقط، بل تجاوز هذا الضياع إلى البلدان الغربية أيضاً، لنذهب قليلاً لنُمحص حالة المرأة في البلدان الغربية، فالمرأة الغربية هي أشبه بسلعة لا تأخُذ حريتها إلا بعد دفع كلفة أو ثمن لهذه الحرية المأخوذة، وتُستخدم أبشع استخدام، ففي الأعوام القليلة الماضية وفي إسبانيا تحديداً أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الاسبانية أن الجهات المختصة تلقت 37 ألفاً و959 شكوى تتعلق باضطهاد المرأة من قبل زوجها أو خطيبها أو زوجها السابق . أي ما زال هذا المخلوق ضعيفاً ويُعاني في الشرق والغرب فمتى سنكسرُ الحواجز المتخلفة في الشرق ونقوم بإيصال التأثير إلى الغرب، ونحترم المرأة ونعطيها حقوقها الكاملة، ونُحررها من التقاليد والأعراف الجاهلة، لتصل إلى أحلامها.

رؤية المرأة لذاتها

من السيء أن تهبط طموحات المرأة وترضى أن تجلس في البيت لتختار الحياة الهادئة الروتينية، ومن المخجل أن ترضى على نفسها أن تكون مختبراً للمشاريع الاستغلالية وتتحول لـ "موديل" و"كاتبة سطحية"، ومن المعيب فعلاً أن تكون لقمة سهلة للنشاطات الزائفة تحت مسمى الإنسانية فتقول أنا "حرة"، فتضرب القيم عرض الحائط وتنشر جسدها في السوشيال ميديا، فهي بهذه الحالة تتنازل عن دورها الرسالي الفعال في قيادة المجتمع وتوجيه الأجيال نحو العلم والثقافة والتطوير الذاتي، وهذا ما يتعمد فعله بعض المؤسسات النسوية التي تطالب بحقوق المرأة، وهي بالأساس لا يهمها أن تصل لمواقع مهمة في الدولة، بل ما يشغلها الظهور عبر الصحافة بشخصية المظلوم الذي يعيش البؤس فقط، وهذا ما يستدعي أن تخرج من هذه العباءة وتحاول التعلم والتطوير والمضي بقوة فكرية تعالج مشاكل المجتمع، فتثبت للعالم بأنها ليست بضحية بل هي عنصر بشري بإمكانه التأثير ثم التغيير.

الجنسين يكمل أحدهما الأخر، والتضحية بأحدهما يفضي إلى شلل نصفي وهذا الـشلل الـنصفي لا يتوقف ضررهُ على الـنصف المشلول فحسب، وإنما يتعـداهُ إلى الـنصف الآخر وهو الـرجل
الجنسين يكمل أحدهما الأخر، والتضحية بأحدهما يفضي إلى شلل نصفي وهذا الـشلل الـنصفي لا يتوقف ضررهُ على الـنصف المشلول فحسب، وإنما يتعـداهُ إلى الـنصف الآخر وهو الـرجل
 
المرأة في التصنيف العالمي

هناك تأخر كبير ومثير للاهتمام يخص المرأة، وحالتها العصيبة حتى أنها حسب إحصائية جوائز نوبل العالمية لعام 2008 التي تضم مختلف العلوم، والمجالات المختلفة، مُنحت جوائز لعشرين مؤسسة ولعدد 693 رجلا و36 امرأة، بالإضافة إلى 62 جائزة أخرى في مجال العلوم الاقتصادية، منح 61 منها للرجال وواحدة لامرأة.. هذا دليل واضح وصريح يُظهر وجود فارق كبير ما بين الرجل والمرأة ونجاحهما في هذه الحياة.

المرأة في علم الإدارة

موضوع تهميش المرأة يُدخِلنا في علم أصبح جزءاً مهماً لا ينفك من أي مجتمع إذا ما أراد الرقي بنفسه ألا وهو "علم إدارة الموارد البشرية"، فلا يُسمح نفي والتضحية بالمرأة كونها عضو فاعل، ومادة خام مهمة يجب استثمارها، أما إهمالها سيؤدي إلى خسائر فادحة في مستويات عديدة، وخاصة على مستوى تنمية الدولة من الناحية الاجتماعية، وازدهارها العلمي والمعرفي، فإدارة الموارد البشرية يقصد بها التكامل والتناسق وملئ الفراغات، أي اعتبار الرجل والمرأة كائن بشري متكامل.

 

فالجنسين يكمل أحدهما الأخر، والتضحية بأحدهما يفضي إلى شلل نصفي وهذا الـشلل الـنصفي لا يتوقف ضررهُ على الـنصف المشلول فحسب، وإنما يتعـداهُ إلى الـنصف الآخر وهو الـرجل، فهذا الأخير إذا كانت إلى جانبه امرأة متعلمة واعية ومحـررة الـطاقات وفاعلة في المجتمع، يكون هو أحسن عطاءً وأرفع جدوى ومردودية مـما لو كانت إلى جانبه امرأة مجـمدة الطاقات محطمة الشخصية، معدومة الحضور والاعتبار في المجتمع. فالوضعية المتدنية للمرأة في المجتمع لها تأثيرها السلبي على وضعية الرجل، ولا تجذبها إلا إلى الخلف وإلى الأسفل. المجتمع الشرقي الذي نعيش فيه يحتاج إلى ثورة فكرية وثقافية واجتماعية عارمة في جميع أرجائه، لإسقاط مجموعة من المفاهيم الخاطئة التي تحد من تقدم المرأة. وضرورة تخلص المرأة من شخصية الضحية وتجديد الثقة بنفسها كي تقود المجتمعات بقوة ورصانة أكبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.