شعار قسم مدونات

خاشقجي ليس استثناء.. هكذا اختطف أمن المملكة أمراء آل سعود

blogs جمال خاشقجي

أحداث تتلاحق، مأساويات تُرسم، حالات من الجدل، وعمليات الخطف الهوليودية تنتقل هذه المرة إلى اسطنبول في واحدة ليست الأولى من نوعها في تاريخ المملكة السعودية، مساحة بيضاء في مكان لمقال خاشقجي في واشطن بوست والعنوان هو "الصوت المفقود". في الثاني من أكتوبر تشرين الأول، وفي سيناريو محكم للغاية، فقد الصحفي جمال خاشقجي، الذي ولد عام 1958 بالمدينة المنورة، درس الصحافة في جامعة إنديانا الأمريكية، وبدأ حياته المهنية كمراسل صحفي واشتهر أكثر بعد نجاحه في تغطية أحداث أفغانستان والجزائر والكويت والشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي، تولى منصب نائب رئيس تحرير صحيفة "أراب نيوز" في أواخر التسعينات، وبقي في ذلك المنصب مدة أربعة أعوام.

وبخبرته السياسية والصحفية المحنكة أصبح رئيساً لتحرير صحيفة الوطن اليومية عام 2004 ثم أقيل من منصبه بعد 52 يوما من تعيينه لأسباب غير معلومة على الإطلاق، لم يكن خاشقجي مجرد صحفي عادي.. فقد كان حالة عامة إذ بلغ عدد متابعيه على تويتر أكثر من مليون وستمائة ألف متابع فقد كان يُنظر له بأنه خبير بالأحوال الداخلية السعودية حتى قرر المغادرة في عام 2017 بعد أن أنهت صحيفة الحياة اللندنية علاقتها به ومنعت كتاباته التي كانت تنشرها الصحيفة بدعوي تجاوزات ضد السعودية، وسط تصاريح عن شن حملات ضد أصحاب الرأي المخالف لتوجيهات ولي العهد.

يظل مصير الذين اختطفوا أو قتلوا ولم يستدل حتي علي رفاتهم المفقودة،وكل من عارض المملكة مجهولا، وسط أيادي خفية تحركها العائلة الملكية

كان خاشقجي، مستشاراً إعلامياً للأمير تركي الفيصل المدير العام للاستخبارات العامة السعودية سابقاً والسفير السعودي السابق في لندن، ثم الولايات المتحدة الأميركية، وكان مطلعا على تمويل السعودية للمجاهدين في أفغانستان والعلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وأفغانستان وغيرهما من القضايا الهامة. النزعة المعارضة للصحفي السعودي جمال خاشقجي بدأت تظهر من خلال مقالات له نشرها في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وعبر حسابه الشخصي، تضمنت انتقادات للسياسة السعودية فكان مطلعا على أسرار لم يكشف لأحد عنها على الإطلاق، ومنذ تلك اللحظات وغيرها خشيت المملكة علي سمعتها، وكبقية الأمراء المفقودين، واستكمالا لمسلسل الخطف والقتل، يُختطف خاشقجي وسط جدل (حول قتله من بقائه)، ويظل مصير كل من عارض المملكة مجهولا لترسم مأساة أخرى بطلها الصحفي المفقود.

حتف مظلم

وبالعودة إلى التاريخ قليلا، إذ تبدأ أحداث الخطف والقتل عام 1979، وفي السابع عشر من ديسمبر لنفس العام، تأتي حادثة خطف كانت هي الأولى من نوعها بحق المعارض اليساري ناصر السعيد، الذي ولد عام 1923، وعمل في شركة "أرامكو" قبل أن ينتقل إلى مصر عام 1956، ويبث عبر إذاعة صوت العرب قصائد وخطابات مناهضة لنظام الحكم في بلاده، انتقل السعيد إلى دمشق بعد وفاة عبد الناصر، ومنها إلى بيروت حيث تعرض للاختطاف هناك، وبعد ثلاثين عاما على اختفائه، وفي مذكرة لمارك يونك الذي كان يعمل خادما لإحدى عائلات آل سعود تفاصيل عن غموض اختطاف السعيد من بيروت حيث صرح بأنه أُلقي من طائرة على أحد سواحل البحر المتوسط.

سلاسل آل سعود.. وكتم الصوت هو الغالب

في صباح الثاني عشر من يونيو حزيران عام 2003، توجه الأمير سلطان بن تركي لقصر عمه الملك الراحل فهد في ضواحي مدينة جنيف بسويسرا، وبدعوة من الأمير عبد العزيز الابن المفضل للملك أنذاك وفي عرض كان استدراجيا للخنوع وكتم الصوت ناصحا سلطان بالعودة للمملكة واعدا إياه بحل النزاع الناشئ بعد حديثه عن سجل حقوق الإنسان السيء في البلاد وانتقاده للقيادة السعودية لكنه رفض، عندها غادر عبد العزيز، وبعد لحظات قليلة تبدأ الإثارة ليداهم الغرفة رجال ملثمون ويشرعوا في ضرب سلطان حتي يفقد الوعي، حينها أسرعوا به إلى مطار جنيف ثم نقلوه لطائرة طبية كانت تنتظر بمدرج المطار.

 

لم تكن دبلوماسية الخطف السعودية ناجحة علي الدوام ففي عام 2003 تعرض المعارض السعودي البارز سعد الفقيه لمحاولة اختطاف فاشلة أصيب خلالها بعدة طعنات وكسور قبل أن ينقل إلى المستشف.
لم تكن دبلوماسية الخطف السعودية ناجحة علي الدوام ففي عام 2003 تعرض المعارض السعودي البارز سعد الفقيه لمحاولة اختطاف فاشلة أصيب خلالها بعدة طعنات وكسور قبل أن ينقل إلى المستشف.
 

ويختفي سلطان عن المسامع والأبصار ثم يخرج سلطان أخيرا بعد عدة أعوام، فيتجه إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج وهاربا مما حدث له، ثم يعلن احتجاجه على حادثة خطفه في عام 2003 رافعا دعوة قضائية علي السلطات السعودية، وانتقاما منه مرة أخرى، كان المشهد دراميا أكثر من ذي قبل، في الأول من فبراير شباط عام 2016، الأمير سلطان علي متن طائرة متجهة من باريس إلى القاهرة، إلا أنه يفاجئ بتحويل مسار الرحلة ليجد نفسه بالرياض، وما إن هبطت الطائرة حتى أحيطت بعشرات المركبات العسكرية والجنود المسلحين، وتم اقتياد الأمير الذي كان يضرب برجليه إلى سيارة مجهولة، ليختفي ولا يستدل علي مكانه حتى الآن.

الأيادي الخفية للعائلة الملكية

يوليو من عام 2015 وسلسالا للخطف الممنهج يُختطف الأمير تركي بن بندر وسط حالة من الجدل حول اختفائه، هرب من السعودية بسبب سياساتها المستبدة، قدم طلب لجوء بفرنسا وبدأ بنشر سلسلة محرجة من مقاطع الفيديو على اليوتيوب توعد من خلالها بإصدار كتاب يكشف الستار أمام الجميع عن أسرار العائلة المالكة، وكالأمراء الأخرون، يذهب في رحلة عمل إلى المغرب ليختفي تماما.

دبلوماسية الخطف الفاشلة

لم تكن دبلوماسية الخطف ناجحة على الدوام، ففي عام 2003 تعرض المعارض السعودي البارز سعد الفقيه لمحاولة اختطاف فاشلة أصيب خلالها بعدة طعنات وكسور قبل أن ينقل إلى المستشفى بالعاصمة البريطانية لندن لكن تلك المرة حالفه الحظ ولم يلحق ببقية الأمراء المفقودين، هؤلاء الذين اختطفوا أو قتلوا ولم يستدل حتي علي رفاتهم المفقودة، ويظل مصير كل من عارض المملكة مجهولا، وسط أيادي خفية تحركها العائلة الملكية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.