شعار قسم مدونات

عُمري تسع سنوات في فيسبوك!

blogs فيسبوك

كانت بدايات ظهور موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك سنة 2005 تقريبا انتقل إلى العالمية لكن لا أحد يشك أن فترة ذروته وشهرته هي في السنوات القليلة الأخيرة منذ 2009 تقريبا بدء ظهوره وانتشاره بسرعة داخل المجتمع العربي وكانت علاقته بالناس علاقة سطحية وأغلب رواده من المثقفين والطلاب ومستعملي النت خاصة، لم يتطرق أحد أو لم يتنبأ أحد بمدى هيمنته في السنوات القادمة على المجتمعات العربية، وليس هنا الخلل تحديدا، بقطع النظر عن أنه المساهم رقم واحد وبصفة مباشرة في التغييرات السياسية الأخيرة التي شهدتها بعض الدول العربية وسرعته في نقل الأخبار والأحداث عن كثب وتقريب البعيد.. إلخ. سأتحدث هنا عن ما استخلصته في تسعة سنوات من استعمال الفيسبوك بأنواعه بداية من استعمالي لحساب رسمي إلى استعمالي لحساب مستعار أو افتراضي.

بداية، سأبدأ بالمظهر الخارجي: ليس من الصعب أبدا أن يصبح لديك الحد الأقصى من الأصدقاء باعتبار أن إدارة الفيس حددت خمسة آلاف شخص كعدد أقصى للأصدقاء، وهو أمر سهل لا يتطلب منك أكثر من سنة لتكون قد بلغت الخمسة آلاف صديق افتراضي طالما بإمكانك أن تبعث طلب صداقة لمن تشاء في العالم أنثى أو ذكر ووقت ما تشاء، كما بإمكانك أن تقبل أو تضيف ما تشاء ممن يبعث لك طلب صداقة وبذلك تكون العملية متبادلة ولا تتطلب منك الكثير، لذلك لم يعد عدد الأصدقاء دليلا على أن هذا الحساب لشخص مشهور أو ما شبه ذلك طالما يكفيك أن تضع صورة فتاة جميلة فتأتيك مئات الطلبات كل دقيقة.

ثانيا، كل مستعمل لموقع فيسبوك يمكنه أن يظهر على الشكل الذي يريده، شاعر أو كاتب أو صحفي أو حتى طبيب إن شئت، طبعا الأمر لا يتطلب من أكثر من أن تكون متحيل أو سارق لأعمال الغير أو غشاش. مثلا لو قلنا كاتب.. يستطيع أي شخص سرقة بعض الأعمال الأدبية والمقالات لكتاب آخرين ونسبها إلى نفسه دون وضع اسم الكاتب الحقيقي تحت المقال، ناهيك عن الأنواع المتطورة من السرقة كاقتباس الفكرة فحسب أو اقتباس بعض الكلمات والأسطر وترجمة مقالات لكتاب غربيين.

 

لم يعد هناك شيء يستحق أن نبدي تعجبنا منه كل شيء قابل للتصديق. فانتحال صفة الطبيب أو الدكتور ليس بأمر مستحيل في مواقع التواصل الاجتماعي

كل هذا وغيره من طرق الغش المتعددة. مع اعتبار أيضا أن هناك مواقع أخرى تساعدك في ذلك وتمكنك من زيادة عدد الإعجابات على المقال بطريقة آلية وحتى كتابة تعاليق تمدحك، كل هذه الظروف تجعل أصدقائك الحقيقيين مبهورون بك وبالأعمال التي ظنوا أنها أعمالك وبعدد المتابعين لك وأنك أصبحت نجما بالنسبة لهم ما يجعلك تكتسب مصداقية لديهم ويخيل لهم أنك شخص موهوب وفي غاية الأهمية. تنطبق هذه الطريقة في الغش على أعمال أخرى أيضا وتقمص أدوار أخرى مثل سرقة الأعمال الصحفية كسرقة الفيديوهات والصور على أساس أنه بعدسته وباب السرقة هنا شاسع جدا يطول الخوض فيه.

سأنتقل إلى باب آخر أعظم خطورة وغرابة وفكاهة، انتحال صفة طبيب أو محامي أو مهندس أو حتى رئيس محكمة.. طبعا لم يعد هناك شيء يستحق أن نبدي تعجبنا منه كل شيء قابل للتصديق. انتحال صفة الطبيب أو الدكتور ليس بأمر مستحيل في مواقع التواصل الاجتماعي، يكفي أن يكون لديك صديق أو شخص مقرب منك يشتغل في هذا المجال فيقوم في المرحلة الأولى بالتقاط صورتين على الأقل ببدلتين لطبيب أو ممرض حتى على مكتبه في المنزل ويضع أمامه أدوات أو بعض الآلات التي يستعملها الطبيب مثل السماعة وما إلى ذلك، ويبدأ بترويج الصورة على حسابه الخاص مع إضافة مهنة طبيب في المعلومات الشخصية لحسابه الخاص.

 

هكذا يبدأ أصدقائه الافتراضيين باستيعاب ذلك تدريجيا باعتبار أنه قام باستكمال بقية الخدعة والكذب على الخاص في الرسائل هنا تكمن خبرته.. لا تعتقد أن الخدعة انتهت هنا، فهو محصن أيضا ويأخذ بعص الأمور بعين الاعتبار فيحاول أن يكون ملم ببعض الأمور في العمل الذي ينتحله حتى لا يترك ثغرة يمكنها أن تفضحه فيحاول قدر ما يمكن أن يسئل عن العمل وعن أدوات العمل وطريقة العمل إلى غيره من الأسئلة حتى تجده متشبع ولديه ما ينجيه عند السؤال. لو طبقنا هذه الطرق على مهن أخرى سنحصل على نفس النتيجة أيضا.

 

ثالثا.. الحب عبر الفيسبوك وهل كنت تتخيل في يوما ما أن تقرأ محادثة بين حسابين افتراضيين لشخصين لا يعرفان عن بعضهما شيء سوى الكذب والهراء تقول فيها الفتاة للفتى أو يقول فيها الفتى للفتاة (هناك شعور غامض يتحرك في أعماقي بعد محادثتك أشعر أنك قريب مني ودخلت قلبي بسهولة هل تشعر بالشيء ذاته؟)، طبعا هذا أمرا لا يصدق لكن نعيشه -واقعا- في الافتراضي، لا شيء يوحى بأنه هناك شخص حقيقي خلف الحسابين سواء للأنثى أو الذكر، يضع الذكر غالبا صورة رجل وسيم في الثلاثين من عمره مبتسم.

الفيسبوك موقع خبيث بقدر ذكائه ولا أظن أنه بريء لدرجة كبيرة. فهو وسيلة سهلت الكذب وطورته ورممته وزادت في انتشاره وقوة تصديقه مقارنة بالكذب المعهود في غير الموقع الافتراضي
الفيسبوك موقع خبيث بقدر ذكائه ولا أظن أنه بريء لدرجة كبيرة. فهو وسيلة سهلت الكذب وطورته ورممته وزادت في انتشاره وقوة تصديقه مقارنة بالكذب المعهود في غير الموقع الافتراضي
 

لاحظت من خلال تسعة سنوات في الفيس أن صورة البروفايل تعطي مزيجا بين الخيال والحقيقة أي أن تلك الصورة لو كانت جميلة فأن صاحب هذا الحساب جميل وإن كانت صورة قبيحة فإن صاحب الحساب قبيح.. هكذا أصبحنا نميز بين الجميل والقبيح بصورة افتراضية لا تمت للواقع بصلة. وأسماء مستعارة مثل مهند ولينا ليعطوا فكرة عن صورتهم الذاتية لأنفسهم وهي غالبا ما تكون صورة عكسية وأحيانا لا يكون هناك فتاة أصلا تكون محادثة بين ذكر وذكر آخر.. ثم يتبادلان صورا زائفة لرجل وسيم أو لفتاة وسيمة ممثلة أو مغنية ويتبادلان المديح أنت جميلة وأنت أيضا وسيم.

 

لكن الأشخاص الأذكياء يضعون صور تم التقاطها بعدسة شخص غير محترف مما يوحى بالصدق! ويتبادلان الحديث والأسئلة المعتادة مثل أي الألوان تفضل؟ وأي الفنانين تستمع إليهم وكم عمرك وهو سؤال إجباري والمعروف أن الفتاة تعطي سنا أقل من سنها والشباب غالبا ما يزيدون عشرة سنوات على أعمارهم الحقيقية.. ثم يتطورون في الحديث فيقول أحدهم أنه وحيد ويشعر بالوحدة ويرد الطرف الآخر بأنه يشعر به وسيصغي إليه ولا يتركه يشعر بالوحدة مستقبلا، ثم تمر الأسئلة إلى: هل تعرفت على أشخاص قبلي؟ فيجيب الطرفين بأنهما لا يعرفان أحدا على الإطلاق.. كأنهما آدم وحواء حاشى لله! حتى يصل الحوار إلى ما بعد الزواج ويتبادلان أسماء أبنائهم.. هذا كله يمكن أن يحدث في ليلة واحدة طبعا.. هذا النوع من المحادثات يعاد مليون ألف مرة.

 

في حقيقة الأمر هو موقع خبيث بقدر ذكائه ولا أظن أنه بريء لدرجة ما. هو وسيلة سهلت الكذب وطورته ورممته وزادت في انتشاره وقوة تصديقه مقارنة بالكذب المعهود في غير الموقع الافتراضي، هذه انعكاساته للأسف في الواقع العربي! فعليه فإني أقدم رسالة اعتذار لمارك زوكربيرغ لسوء استعمالنا للفيسبوك وإفراطنا في سوء استغلاله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.