شعار قسم مدونات

رواية المملكة.. هل من تبريرات تجاه اختفاء خاشقجي؟

blogs خاشقجي

جمال خاشقجي الصحفي السعودي المنتقد وليس المعارض لسياسة السعودية، شخص فريد من نوعه معتدل في طبيعته معروف بطيبه وعلاقته الجيدة مع الجميع، إضافة إلى علاقات واسعة تربطه ببعض الشخصيات من الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، طاف بلدان العالم كصحفي محايد له عدة مقالات في صُحف عالمية مثل "واشنطن بوست" وغيرها، كان متنوع في خطاباته يمدح تارة وينتقد تارة أخرى ويعترض ويوافق، ويؤيد بعض الإصلاحات التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان ويعارض بعضها، ولم يكن راديكاليا أبداً.

لكن الأمير محمد ابن سلمان لا يرى ذلك فهو يراه معارضاً يُهدد أمن المملكة واستقرارها وأن كتاباته تُظهر عَورة الأمير وتُشكل خطراً على سياساته، كما أنه بدأ يُغرد خارج السرب فكان لابد من تصفيته لتخويف باقي المعارضين خارج المملكة، وفي ظل هذه الأحداث المفزعة يمكن طرح بعض التساؤلات التالية: أين هو جمال خاشقجي وما هي التبريرات التي تُقدمتها السعودية تجاه هذا الاختفاء؟ وهل حقيقتا تمت تصفيته داخل القنصلية السعودية كما ادعت الشرطة التركية وإذا كان ذلك صحيحا فما هو سبب اغتياله؟

تُرجح الشرطة التركية أن جمال خاشقجي قُتل داخل السفارة من طرف فريق أتى خصيصا إلى اسطنبول وغادر في اليوم ذاته، وهذه القضية أثارة جدلاً كبيراً في العالم

جمال خاشقجي ليس الأول وليس الأخير في سلسلة الاختطافات القسرية والاعتقالات المهينة داخلل الأوساط السعودية، فهذا معروف عن سياستها الداخلية والخارجية ضمن اطار التجديد والتحديث الذي بدأ به الأمير محمد بن سلمان كرؤيا مستقبلية 2030، وقصة اختفاء جمال خاشقجي كالتالي: في يوم الثلاثاء الأسبوع الماضي زار الصحفي السعودي الأصل جمال خاشقجي السفارة السعودية في اسطنبول لإجراء بعض الوثائق رفقت خطيبته التي بقيت خارج السفارة، ومنذ ذلك الحين وجمال خاشقجي مختفي عن الأنظار، وأفادت بعض المصادر الأمنية التركية عن دخول جمال خاشقجي للسفارة السعودية دون خروج منها، وتزامن دخوله للسفارة مع وصول وفد سعودي يتكون من 15 شخص دبلوماسيا معظمهم من الأمن السعودي الذي بقي في السفارة لمدة ساعتين فقط ثم عاود أدراجه من حيث أتى، ومن جهة أخرى نفى الجانب السعودي هذه الاتهامات واعتبرها مؤامرة خارجية، وفي ظل استعراضنا لهذه الأحداث تضاربت الآراء ما بين تصديق الرواية التركية أم السعودية.


الرواية التركية

رجحَت الشرطة التركية مقتل الصحفي السعودي داخل السفارة السعودية في اسطنبول كما تعتقد أن الوفد السعودي هو الذي قام بالتعذيب والقتل، وتعتقد الشرطة التركية أيضا أن جثته تم تقطيعها واخراجها أشلاء من السفارة، ونقلت وكالة رويترز أن مصدريين تركيين أكذا ليلة السبت أن التقييم الأولي للشرطة التركة يشير إلى أن جمال خاشقجي الذي اختفى بعد دخوله السفارة السعودية في اسطنبول قد تمت تصفيته داخلها، وصرح أحد المصدرين قائلا "نعتقد أن القتل مُتعمد وأن الجثمان نُقل خارج القُنصلية".

وتُرجح الشرطة التركية أن جمال خاشقجي قُتل داخل السفارة من طرف فريق أتى خصيصا إلى اسطنبول وغادر في اليوم ذاته، وهذه القضية أثارة جدلاً كبيراً في العالم وفي مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أوردت صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية قالت أنه اذا تأكد مقتل الصحفي جمال خاشقجي حسب الرواية التركية فسيشكل ذلك تصعيدا سعوديا صادما لإسكات المعارضة، كما سيتم إعادة النظر في العلاقة ما بين الدولتين. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن رئيس منظمة الإعلامين العرب التركي (توران كشلاكجي) أن مسؤولين أتراك أكدوا له أن خاشقجي قُتل وشُوهت جُثته كما صرح مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي أن جمال خاشقجي قُتل داخل السفارة السعودية تم أُخرج منها، هذا وقد طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السفارة السعودية أن توضح وتقدم دليلا واضحاً على خروج خاشقجي من السفارة، ولا حياة لمن تُنادي.

ما تقوم به السلطة السعودية في الآونة الأخيرة ليس مع جمال خاشقجي فقط بل مع الكثير من العلماء والدعاة والصحفيين والحقوقيين وغيرهم ما هي إلا محاولة لإسكات وقمع الرأي العام في السعودية
ما تقوم به السلطة السعودية في الآونة الأخيرة ليس مع جمال خاشقجي فقط بل مع الكثير من العلماء والدعاة والصحفيين والحقوقيين وغيرهم ما هي إلا محاولة لإسكات وقمع الرأي العام في السعودية
 
الرواية السعودية

حقيقتاً السفارة السعودية لم تقدم أي شيء منطقي نذكره هنا بل قدمت تبريرات صبيانية وحجج باطلة تُظهرها على أنها المتهم الأول، فهي بدورها وبطبيعة الحال نفت الرواية التركية واعتبرتها مؤامرة خارجية على المملكة العربية السعودية، وصرحت السفارة السعودية على أن جمال خاشقجي خرج من السفارة بعد دقائق أو ساعة من دخوله وهو الشيء الذي أكذه الامير محمد بن سلمان أيضا، وكما هو معروف أن كل قنصلية تكون مزودة بكاميرات المراقبة، فالكاميرات موجدة في السفارة السعودية لكن الغريب في الأمر أن هذه الكاميرات تصور دون تسجيل، وبلغة أخرى أن هذا التوضيح له وجهان إما أنه تم مسح التسجيل أو أن السفارة لم تجد مبرراً يخلصها فاختلقت هذه الأكذوبة. وبينت بعض المشاهد تم بثها من داخل السفارة تُظهر القنصل السعودي يفتح مبنى القنصلية ويفتح خزائنها ليؤكد على عدم وجوده في السفارة، ونفى السفير السعودي اغتيال خاشقجي معتبراً أنها اتهامات عارية عن الصحة.

وفي الختام إن ما تقوم به السلطة السعودية في الآونة الأخيرة ليس مع جمال خاشقجي فقط بل مع الكثير من العلماء والدعاة والصحفيين والحقوقيين وغيرهم ما هي إلا محاولة لإسكات وقمع الرأي العام في السعودية، ويمكن اعتبار ذلك بلطجة تقوم بها السعودية بهدف تخويف المعارضين لها، ولكن هذه ليست الطريقة الأنجع والأصح بل تزيد الطين بلة وتساهم في تأجيج الأوضاع، وفي حال تأكدا موت خاشقجي ستتضح الصورة الحقيقية للدولة السعودية أي-الأسرة الحاكمة- التي حاولت إخفائها عبر قرون وهنا آن الأوان أن نقول بأن محمد بن سلمان ليس له أي أمل إصلاحي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.